شر البليّة لا يُضحِك
بقلم: د. منصور أشتي
النشرة الدولية –
في أرض تعجّ بالأساطير وتستوطنها الخرافات، ويكشف طالعها العرّافون، بلدٌ ليس كالبلدان، يحكمه ملوك الجان، بلدٌ اسمه “لبنان”.
فيه مثلٌ شعبي يقول: “شر البليّة ما يُضحك”.
أمّا أنا فأقول، شر البليّة يُبكينا.
كيف نضحك والدستور أضحى وجهة نظر، والدولة “دويلة” مفككة ومنهارة وفاشلة، ومؤسساتها مرتعاً للفساد، وهي بمعظمها متوقفة عن العمل وعن الخدمة والإنتاج.
كيف نضحك والسلطة سلطات ودكاكين، وهي عاجزة عن القيام بوظائفها الأساسية.
الحكومة، وزراؤها بيادق وممنوع عليهم أن يجتمعوا أو يقرروا أي شيء إلا بأوامرٍ من أسيادهم. أمّا مجلس النواب فالتشريع فيه على القِطعة وغبّ الطلب، وأعضاؤه في سباتٍ تشريعي عميق، ورئيسه: راشده، حاكمه، جامعه، مانعه. كيف نضحك والفراغ نسج مع العنكبوت بيوتاً في زوايا صالونات وغرف قصر بعبدا، وحكام بلاد العالم يفتشون له عن دميةٍ “رئيس” لإدخاله حضانة حكّام لبنان ليتعلم دروس الطاعة والخضوع والتبعية وتمرير المحاصصات والصفقات. كيف نضحك والديموقراطية التوافقية قد أصبحت وسيلة لتعطيل النظام برمّته.
كيف نهنأ والناس تموت على أبواب المستشفيات بلا معالجة ودون دواء.
كيف نضحك ومنارة الحرية والعلم وأم الشرائع بيروت مُظلمة حزينة، ينهشها الفقر والتعصب المذهبي والطائفي، ويتقاسمها التجار والمرابون، وتخنقها رائحة النفايات.
كيف نضحك والشعب خانع صامت راضٍ بالذُّل لا ينتفض على واقعه البائس ضد المجرمين والفاسدين، الذين دمّروا وسرقوا الوطن وأفقروا الشعب.
كيف نضحك والسياسيون يزدادون شراسةً ووقاحةً وفساداً وغناً وإجرامَ.
كيف نضحك والطائفية كالسوس تنخر مجتمعاتنا، وتعمِّق الفرقة بين المواطنين، كيف نفرح والنفوس يُعشعش الشّر داخلها، وذاكرة الحرب الأهلية تنشط من جديد، ومشاريع التقسيم عادت تدغدغ العقول المنعزلة عن الواقع، وهي لم تتعلّم من أخطاء ودروس الماضي.
كيف لنا أن نرتاح وخيرة شبابنا وشاباتنا كوتهم نار الغربة، وعيون من بقي في الوطن شاخصة إلى بلدٍ يعطيهم تأشيرة للهجرة.
أَلَمي على وطن ٍ قضينا على ثروته الحرجية الخضراء وغطيناه بنفاياتنا القذرة، لوثنا مياهه وتربته، حتى هواءه العليل أصبح مصدراً للأمراض القاتلة.
وليس آخراً، ماذا تأمل من بقاء بعض اللبنانيين الجاهلين الذين ما زالوا غارقين في الظلمة، في أوهام الأيديولوجية البائدة والعقائد المُستهلَكة؟ وكأنهم يعيشون خارج التاريخ والواقع.
إن قلوب الناس الصادقة المؤمنة بوطنها والمتجذِّرة بأرضها يدميها الأسى، على وطنٍ كان جنّةَ الشرق فأصبح بؤرةً للفساد، ومصدِّراً للمخدّرات، وملاذاً للمجرمين، وفاقداً للعدالة والمساواة، وصندوق بريد مُهلهلاً باليا.
لكن، علينا أن لا نيأس، فليس من شدّة إلا وبعدها فرج، وبعد ظلمة الليل حتماً سيأتي نور الفجر. وفي الختام، الإقدام والمبادرة واجب، فعلينا تقع مسؤولية كبيرة وخاصة أمام الأجيال القادمة، وتتمثل هذه المسؤولية بأن نعمل على تحطيم أصنام الطائفية من العقول والنفوس، وأن نتوحد مع كل المخلصين على مبادئ وثوابت وطنيّة جامعة، لإعادة بناء لبنان الوطن لبنان العلم والتقدم، لبنان التسامح والمحبة، لبنان التنوع والحضارة، لبنان العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.