إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
بقلم: ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
هذه دولة تقتل منذ عام 1948، تقتل بشكل متواصل، وربما ستصبح في طليعة الدول القاتلة، مقارنة بغيرها، ولا تعيش الا على الدم، ولا يمكن لها ان تتغير، لأن وجودها غير شرعي.
كيف يمكن للخبراء والمحللين الاسرائيليين الذين يستعملون عقولهم، ان يطمئنوا اصلا الى بقاء اسرائيل، في ظل هذه البنية الدموية التي تأسست، والتي لا يمكن لها ان تكون مجرد دفاع عن النفس، ولا تعزيزا لروايات توراتية غير ثابتة اصلا، ولا استنادا إلى خرافات تاريخية، ولا حتى استنادا الى مفهوم الاقوى، كونه يعد مفهوما متغيرا وغير ثابت في كل تجارب الدول.
الذي تابع يوم امس هجوم طائرات الاباتشي واف – 16 على مخيم جنين، وكل هذه الارتال العسكرية، والتورط الذي وقع فيه الاسرائيليون ولم يتعلموا من دروس سابقة في مخيم جنين، يدرك بكل بساطة، ان اسرائيل تشنق نفسها بنفسها، مهما احيطت بعوامل تعويض وامداد ودعم، لانه لا يمكن هنا، ان تنقلب قواعد التاريخ البشري، اذ ان كل الاحتلالات على مدى التاريخ كانت نهايتها واحدة، لكن اسرائيل تضاعف مأساوية النهاية التي تنتظرها بكل هذا التوحش الدموي، والقتل، وسجن الابرياء، وتجويع الناس، وتشريد الملايين، وحصار المدن، وسرقة الارض، واقامة المستوطنات، وغير ذلك من افعال سبقت بها اسرائيل كل الاحتلالات.
هل توقفت مقاومة الفلسطينيين، او غيرهم من شعوب عربية، لمجرد ان اسرائيل قتلت او قصفت، والاجابة معروفة، اذ على مدى سبعة عقود، لم يسكت هؤلاء، برغم كل استراتيجيات الاحتلال لشراء الهدوء والسكينة والسلامة، وهذا يعني بكل بساطة، ان المشروع الاسرائيلي يحمل عوامل نسفه داخليا، من الديموغرافيا الفلسطينية، الى الوقوف عسكريا في وجه اسرائيل، التي يثبت دوما هشاشتها وضعفها وعدم احتمالها، عكس اصحاب الارض الشرعيين.
ثم علينا ان نسأل الى متى ستحتمل الضفة الغربية كل هذا التوحش الاسرائيلي، وهل سوف تسكت الى ما لانهاية خصوصا في بعض بؤر مدن الضفة الغربية التي تحاول اسرائيل خنقها، لكنها للمفارقة تجد ذاتها امام بؤر جديد تتولد انشطاريا وذاتيا، حيث الاستحالة الاكبر هنا، الركون الى التنسيق الامني بين سلطة اوسلو واسرائيل، باعتباره سينهي محاولات الوقوف في وجه الاحتلال، او سيخفف منه، بشكل متدرج، وفقا لمراهنات الاسرائيليين البائسة والفاشلة.
كل الذي تفعله اسرائيل يفشل بشكل دائم من الاغواء الاقتصادي، الى التجنيس القسري، الى تقطيع مدن فلسطين، وحصار غزة، وخنقها، مرورا بالاعتداءات اليومية على المسجد الاقصى، والتجويع ومحاولات اذلال الناس، على مستوى رغيف الخبز، والكهرباء، وحبة الدواء، لكن المشروع الاسرائيلي مستمر، ولا كأن شيئا يحدث والسبب بسيط، ان المراهنة لحظية على معايير القوة، والتغيرات في الاقليم والعالم، وهي مراهنة غير استراتيجية، وتتعامى بشكل متعمد، عن الكلفة النهائية والاجمالية لكل هذه الفواتير، قياسا على كل الاحتلالات في حياة البشر.
مشهد مخيم جنين يوم امس، لم يكن استعراضا للقوة الاسرائيلي، مصفحات ودبابات وطائرات وجنود ومسيرات، من اجل اعتقال مجموعة من الشباب، والذي يقرأ بعمق يدرك المأزق الاسرائيلي، الذي تزداد حدته، فهي لا تجد حلا سوى القتل، ولا تنجح ايضا، مما يجعلنا نناقش الفضيحة الاسرائيلية التي لحقت الحكومة والجيش حين علقت مصفحات اسرائيلية، ولم تتمكن كل هذه القوات من اخراج جنود عالقين، ولا حماية حياتهم من الاصابات التي لحقت بهم، ولا فك الطوق الفلسطيني الذي تم فرضه على الاحتلال يوم امس.
على عكس ما يقال فإن هذه السياسات لن تؤدي الى انفجار انتفاضة فلسطينية، بل ستؤدي الى ما هو اخطر، اي استمرار خروج اجيال فلسطينية، في وجه اسرائيل، والفرق كبير بين الحالتين، فالانتفاضة قد تكون ردة فعل شعبية تستغرق عدة سنوات، فيما انتاج اجيال فلسطينية متتالية تواصل الوقوف في وجه اسرائيل، يعني ان المشروع الاسرائيلي سيبقى تحت الضربات، بما يقود نهاية المطاف الى نتيجة معروفة، عند اول تحول جذري في موازين القوة.
الرد الفلسطيني يوم امس في جنين، كان اهانة غير مسبوقة لاسرائيل حكومة وجيشا.