الوفاء ونكران الفضل
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
اشترى الجندي الأميركي وليم وين، عام 1944، كلبة صغيرة اسمها «سموكي» أثناء خدمته في جنوب شرقي آسيا، خلال الحرب العالمية الثانية، واصطحبها معه فيما تبقى من أشهر الحرب.
تعلمت سموكي، بجسدها الضئيل، الكثير من الحيل والألعاب، وشاركت الجنود في مختلف المهام القتالية، وكانت تتقن القفز بالمظلة والسير، معصوبة العينين، على حبل مشدود، والرقص على مختلف الأنغام، والمشاركة في الترويح عن المصابين من الجنود، كما نجحت يوماً في إنقاذ صاحبها من موت محقق، وساهمت في إنقاذ أرواح الكثير من الجنود عندما نجحت، بطريقة مثيرة وغير متوقعة، في إيصال سلك اتصال تابع لسلاح المهندسين مقطوع عبر أنبوب قديم وضيق، وهي مهمة كانت تتطلب مئات الجنود للقيام بها على مدى أيام تحت خطر قصف مدفعي وموت محقق.
أصبحت سموكي، بعد انتهاء الحرب، شخصية معروفة في مختلف وسائل الإعلام، داخل أميركا وخارجها. وفي فبراير 1957 ماتت «العريف سموكي» عن 14 عاماً، ودفنت في صندوق ذخيرة يعود للحرب العالمية الثانية، في محمية نهر روكي، أوهايو، قريباً من بيت صديقنا حسن الحساوي.
وفي 2005 أزيح الستار عن تمثال برونزي بالحجم الطبيعي لسموكي، وهي جالسة على طرف خوذة جندي أميركي GI فوق قاعدة من الغرانيت الأزرق!
***
يبدو أننا من الشعوب القليلة الوفاء، ولا رغبة لدينا للاعتراف بفضل أي طرف علينا، خصوصاً، إن كان مختلفاً عنا، جنساً وجنسية وديناً.
فماذا فعلنا لتخليد ذكرى الليدي تاتشر، والرئيس بوش، وغيرهما ممن كان لهم الفضل الأكبر في تحرير وطننا؟ ولِمَ بخسنا حقوق أطباء وطبيبات، من الأوائل ممن قدموا إلى الكويت قبل أكثر من 100 عام، وبمطلق حريتهم، للعمل في وطننا، من دون مقابل مادي، من أمثال آرثر بينت وهاريسون وميري وسيكدر وكالفيرث، الذين قدموا لأسر كثيرة أفضل الخدمات الطبية، ولعدة عقود، إضافة إلى كوكبة من الممرضات الأميركيات العظيمات؟ وحتى لو كانت حجتهم التبشير، فإنهم لم يتركونا، عندما اكتشفوا في الأشهر الأولى أن من الصعوبة بمكان إقناع مسلم من الجزيرة بالتحول إلى المسيحية!
كما اختار هارولد ديكسون (1881 ــ 1959) السياسي والمؤرخ البريطاني والوكيل السياسي السابق في العراق والبحرين، البقاء والعيش لآخر عمره في الكويت، بعد تقاعده عام 1936 كوكيل سياسي لبريطانيا لدينا من 1929، وكان له دور مشرّف في تأسيس شركة نفط الكويت حتى وفاته. كما عاشت زوجته طويلاً من بعده في الكويت، وكانت ترغب أن تدفن فيها، لكن ظروف الغزو الصدامي أجبرتها على العودة إلى بريطانيا، حيث توفيت ودفنت هناك.
كما أن هناك أسماء كثيرة بارزة قدمت خدمات جُلّى للوطن، من أمثال اللواء خليل شحيبر مؤسس شرطة الكويت، والطبيبين الكبيرين يحيى الحديدي وأحمد سلامة، والذين أصبحوا مواطنين، لكنا بخسنا حقهم، وغيرهم كثير، في إطلاق أسمائهم على أية صروح أو شوارع ولا حتى أزقة، مثلما تناسينا، عمداً، إطلاق أسماء مئات العلماء، من مسلمين وغيرهم، الذين لهم الفضل الأكبر على البشرية، على أي صرح أو شارع أو مبنى جامعي أو صحي أو عسكري أو تعليمي، ومع هذا تذكرنا «البنا والمغيرة» وغيرهما من غير المعروفين لإطلاق أسمائهم على أطول الشوارع، وكل هذا لأن متشددين رأوا ذلك.
حدث كل ذلك في الوقت الذي لم تتردد فيه دول أوروبية وبلديات أميركية وجامعات ومراكز بحث عالمية في إطلاق أسماء علماء دار الإسلام، الذين اعترف العالم أجمع بفضلهم، كابن رشد والفارابي وابن سينا، وتناسينا عمداً تكريمهم، ولا حتى الاعتراف بفضلهم من خلال مناهج المدارس، إلا البعض منها، وعلى استحياء واضح، وكل ذلك لأن البعض اعتقد أن هؤلاء «فلاسفة»، وكان ذلك كافياً بنظرهم لاعتبارهم زنادقة وكفرة!