فشل مفاوضات العراق وتركيا بشأن نفط إقليم كردستان… بانتظار قرار سياسي
النشرة الدولية –
النهار العربي –
لم يتمكن الاجتماع الثلاثي الذي عقدته الحكومة العراقية مع نظيرتها التركية بحضور وفد من إقليم كردستان العراق، من تحقيق أي اختراق بشأن عودة تصدير النفط المستخرج من حقول الإقليم، وتالياً تستمر الأزمة التي بدأت قبل ثلاثة أشهر، عقب قرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، في شهر آذار (مارس) الفائت، والقاضية بعدم “شرعية” تصدير إقليم كردستان للنفط عبر تركيا بدون موافقة الحكومة المركزية العراقية، مما تسبب بخسائر تُقدر حتى الآن بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.
عناوين الخلاف
في التفاصيل، قالت مصادر مطلعة في حديثها مع “النهار العربي” إن خلافات الطرفين العراقي والتركي تمحورت على مسائل تتعلق بأجور تصدير النفط عبر أنبوب النفط العراقي خلال فترة توقف التصدير، والغرامة التي فرضتها هيئة التحكيم الدولية على تركيا بسبب عمليات التصدير السابقة، وإلى جانبهما مسائل فنية تتعلق بنسبة وحجم الأموال الواجب دفعها جراء التصدير عبر ميناء جيهان التركي.
فقد رفضت الحكومة العراقية دفع أجور التصدير خلال فترة التوقف، مطالبة الطرف التركي بقبول عودة التصدير، تلافياً لمزيد من الخسائر، لأن التوقف لم يكن بقرار عراقي، بل هو دولي “مستقل” ويتجاوز سلطات الحكومة العراقية، مُشيرة إلى استعدادها لدفع كامل الالتزامات بشكل مباشر، عقب عودة التصدير.
من جانبها، أكدت الحكومة التركية رفضها دفع الغرامة المفروضة عليها – 1.5 مليار دولار – من هيئة التحكيم، داعية الحكومة العراقية إلى سحب الدعوى التي رفعتها أمام هذه اللجنة لإسقاط الغرامة بشكل اعتيادي. لم يرفض الطرف العراقي هذا الطلب التركي بشكل حاسم، لافتاً إلى أن ذلك قد يحدث مستقبلاً، في حال التعامل الإيجابي بين الطرفين.
معوّقات سياسية
متابعون تقنيون لجولة المفاوضات الأخيرة التي جرت يوم أمس الأثنين، كشفوا أن اللجان الفنية المشتركة بين البلدين توصلت منذ عدة اسابيع إلى جملة توافقات، وأن مستويات الخلاف بين الطرفين ليست فنية أو قانونية، بل متعلقة بأعلى المستويات السياسية، التي من المفترض أن تتخذ قراراً “سيادياً” بتجاوز هذه الخلافات، وعودة عمليات التصدير.
الباحث المتخصص في شؤون الاقتصاد السياسي سركوت ماهر علي شرح في حديث مع “النهار العربي” الأدوات التي تستخدمها تركيا لإثارة ضغوط ثنائية على الحكومة المركزية العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان قبل العودة والقبول بتصدير النفط، وقال: “تعرف تركيا تفصيلياً الخسائر التي قد يتسبب بها توقف التصدير. فما قيمته 12 مليار دولار كخسائر سنوية متوقعة، يشكل أكثر من 35 في المئة من العجز المالي الذي أعلنته الحكومة العراقية للعام المالي الحالي. وتالياً ستكون مستعدة لتقديم تنازلات واضحة لصالح تركيا، اقتصادية وسياسية وغالباً حتى أمنية. كذلك تعرف أنقرة أن حكومة إقليم كردستان مجبرة على القبول بأي توافق بين الحكومة المركزية العراقية ونظيرتها التركية، لأن قرار هيئة التحكيم الدولية، وإن غرم تركيا، إلا أنه أفقد الإقليم أداة اقتصادية وسياسية”.
حسابات الميزانية المعقّدة
كان إقليم كردستان طوال السنوات الماضية يُصدر قرابة 450 ألف برميل نفط يومياً عبر ميناء جيهان التركي، رغم عدم موافقة الحكومة المركزية العراقية. وكان ذلك يؤمن لحكومة الإقليم مبالغ تراوح بين 8 مليارات دولار و12 ملياراً سنوياً، تستخدمها كميزانية عامة خاصة بها، بعدما قطعت الحكومة المركزية العراقية حصة الإقليم من الميزانية.
لكن قانون الميزانية العامة العراقية الأخير، الذي وافق عليه البرلمان العراقي قبل عدة أيام، ينص على حق حكومة إقليم كردستان في الحصول على 12.76 في المئة من الميزانية العامة، في حال تسليمها لكمية 400 ألف برميل نفط لشركة التسويق النفط الوطنية “سومو”، الأمر الذي يعني مباشرة أن الحكومة المركزية مُجبرة على دفع نسبة الإقليم من الميزانية العامة، في حال استمرار رفض تركيا لتصدير نفط إقليم كردستان عبر أراضيها.
المصادر المطلعة أكدت أن الحوارات بين الطرفين ستستمر خلال الأيام المقبلة، مذكرة أن تأخر المفاوضات خلال الأسابيع الماضية كان بسبب الانتخابات التركية والمفاوضات الثنائية بين شركة النفط العراقية وحكومة إقليم كردستان، والتفاصيل الفنية التي تمت مراجعتها خلال الأسابيع الماضية.
المفاوضات بين الطرفين حصلت على زخم وتشجيع دولي، خصوصاً من الولايات المتحدة وعدد من دول المنظومة الأوروبية، ومن وجوهه الرسالة التي وجهها أعضاء الكونغرس الأميركي مايكل والتز ودون بيكون وسيث مولتون إلى وزارة الخارجية الأميركية، مطالبين إياها بمواصلة الضغط على تركيا للقبول بعودة التصدير.
لكن مراقبين يشددون على المكاسب العالية التي تجنيها تركيا جراء تصدير النفط العراقي عبر أراضيها، سياسياً واقتصادياً، فالعوائد المادية التي تجنيها سنوياً جراء ذلك لا تقل عن ملياري دولار، يذهب أغلبها إلى شركات وشخصيات من ضمن دائرة “حزب العدالة والتنمية”، وتلك المنافع ربما تكون عاملاً جوهرياً في قبول تركيا بعودة التصدير.