قضايا أساسية في أسواق الطاقة
بقلم: أنس بن فيصل الحجي

التلوث وتسرب غاز الميثان والفقر أبرز تحديات صناع القرار

النشرة الدولية –

صناع القرار سواء في الدول المنتجة للطاقة أم المستهلكة يواجهون مشكلات ضخمة واتخاذ قرار فيها صعب، خصوصاً أن السياسات تتشابك مع بعضها وتتعارض في أهدافها.

هناك مشكلات كبيرة وحلها يتطلب التركيز على كل مشكلة بشكل دقيق، ولكن ضمن الإطار العام، بحيث يخفف من التعارض مع الحلول الأخرى وتخفض الآثار السلبية لها. المشكلة تتفاقم لأن أغلب التطبيق يتم في إطار بيروقراطي، وبين موظفين لا يمكنهم استيعاب الإطار العام وهمهم الأساس نجاح ما يقومون به فقط، فكيف يقوم صانع القرار بوضع سياسات تتضمن حوافز متعددة؟ وتضمن نجاح المشروع ضمن الإطار العام بحيث ينجح كل ما بداخل الإطار؟ أضف إلى ذلك ضعف الموارد المالية والبشرية والتدخلات السياسية لتدرك مدى صعوبة تحقيق الأهداف. كل هذا ونفترض عدم وجود أي فساد إداري.

في مقالة اليوم سأركز على ثلاث مشكلات رئيسة، وهي فقر الطاقة والتلوث وتسرب غاز الميثان.

مشكلة فقر الطاقة

المفهوم العام لفقر الطاقة هو عدم حصول الناس على مصادر طاقة كافية لحياتهم اليومية، المفهوم الأخص هو عدم وجود مصادر طاقة كافية تمكنهم من تحسين ظروفهم المعيشية كأفراد وتحقيق تنمية اقتصادية كمجتمعات، بخاصة أن كل البيانات من أصقاع الأرض كافة تدل على وجود علاقة قوية بين توافر الطاقة والتنمية الاقتصادية من جهة، وتوافر الطاقة والنمو الاقتصادي من أخرى، إلا أن المنتدى الاقتصادي الدولي غير التعريف، وأيضاً للأوروبيين تعريفهم الخاص بذلك.

فالمنتدى يعرف فقر الطاقة بعدم وجود “طاقة عصرية مستدامة”، وهذا يعني في النهاية كهرباء من مصادر طاقة متجددة، أما الأوروبيون فإنهم يفسرونها بنطاقهم الضيق المتمثل في ارتفاع كلفة الطاقة بحيث تأخذ نسبة كبيرة من الدخل.

الحقيقة أن فقر الطاقة يشمل أموراً عدة، منها عدم وجود الكهرباء أو نقصها، ولا يمكن تحقيق أي تقدم من دون توافر الطاقة.

هناك جهود كبيرة عالمياً لنشر الكهرباء حول العالم، ولكن هذه الجهود ضعفت بسبب السياسات المناخية ووقف بعض البنوك والجمعيات الخيرية تمويل مشاريع الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري.

في الوقت نفسه تحتج الدول الفقيرة على دول “أوبك” بأن خفض الإنتاج يرفع أسعار النفط وينشر فقر الطاقة، على رغم أن كثيراً من مشاريع “صندوق أوبك للتنمية” تهدف إلى التخفيف من فقر الطاقة في الدول النامية.

التركيز على الطاقة الشمسية والرياح سيجلب الكهرباء المتقطعة للمناطق الفقيرة، وشيء أفضل من لا شيء، ولكن التطور الاقتصادي والصناعي والزراعي يتطلب الوقود الأحفوري، ومنع الدول المتقدمة بنوكها ومنظماتها الخيرية من تمويل مشاريع الوقود الأحفوري يعني بالضرورة تحويل المجتمعات الفقيرة إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، وبهذا فإن أزمة الفقر بما في ذلك فقر الطاقة ستستمر.

ومن الواضح الآن أنه يمكن تبني سياسات متوازنة بين الطاقة والبيئة لإنهاء الفقر بشكل عام، وإنهاء فقر الطاقة بشكل خاص، وبآثار بيئية أقل بكثير من ذي قبل. ولكن هذا يذكرنا بما قاله الرئيس أوباما بما معناه: تصوروا لو أن كل طفل في أفريقيا حصل على ما يحصل عليه الطفل الأميركي، لأصبح الكوكب في جحيم (مشيراً إلى آثار التغير المناخي).  أوباما، ذو الأصول الأفريقية، أصبح عنصرياً أكثر من العنصريين البيض! فهل يريدون فعلاً إنهاء فقر الطاقة لتتقدم هذه الشعوب؟

خلاصة القول إن الشعوب الفقيرة تحتاج إلى تمويل كي تنهي فقر الطاقة، وتتمكن من النمو، والتمويل يأتي من الدول المتقدمة التي استخدمت التغير المناخي كسلاح: لن أمولك إلا إذا استخدمت مصدر الطاقة الذي أريد، ومصدر الطاقة الذي يريدونه لن يحقق التنمية الاقتصادية المنشودة!

مشكلة التلوث

مشكلة التلوث حقيقة تعانيها كل دول العالم، والتلوث شيء، والتغير المناخي شيء آخر. من ينكر التغير المناخي لا يمكنه إنكار التلوث، بخاصة في المدن الكبرى، ومنها الخليجية. آثار التلوث الصحيحة والبيئية وخيمة ولا بد من تخفيف مستويات التلوث. لهذا ليس هناك أي تناقض عندما تقوم الدول المنتجة للنفط والغاز بتبني الطاقة المتجددة أو السيارات الكهربائية وكونها منتجة للنفط والغاز.

الفرق بين خطط مكافحة التلوث في المدن الكبيرة وخطط محاربة التغير المناخي أن التلوث محلي وخطط مكافحته محلية، بعبارة أخرى الأمر قد لا يرتبط بحكومة الدولة بل في الإدارة المحلية.

مكافحة التلوث لا تتطلب مؤتمرات عالمية ولا اتفاقات ثنائية، وهي بهذا الشكل تلغي فكرة التناقض التي يقع فيها متطرفو التغير المناخي: يقصد بمكافحة التلوث في المدن هو تنظيف الهواء والماء بالمدينة، ومن ثم فإذا كانت محطات الكهرباء العاملة بالفحم أو النفط أو الغاز بعيدة من المدينة، وتستخدم السيارات الكهربائية داخل المدينة، فلا تناقض بينها وسياسات مكافحة التلوث لأن الهدف هو تنظيف الهواء والماء بالمدينة، وليس في كل البلد أو العالم، بينما يحصل هذا التناقض لو كانت هذه السياسات في ظل مكافحة التغير المناخي.

خلاصة الأمر أن هناك تقاعساً في كثير من البلاد في مسألة محاربة التلوث بالمدن، بسبب الخلط بين مكافحة التلوث ومحاربة التغير المناخي.

مشكلة تسرب غاز الميثان

غاز الميثان هو ما يسمى بـ”الغاز الطبيعي”، هذا الغاز يتسرب من شقوق في الأرض في المناطق الغنية بالنفط والغاز، وهذا ما يفسر “النار الأبدية” في بلاد فارس وآسيا الوسطى. هذا الغاز خطر من الناحية البيئة، وآثاره أكبر بكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون.

المشكلة ليست في التسرب الطبيعي للغاز، المشكلة تأتي من طرفين، قطاع النفط والغاز، والقطاع الزراعي – الحيواني.

تسرب غاز الميثان من الآبار والأنابيب والمنشآت النفطية لا عذر له، وعلى الشركات أن تلتزم بمعايير الصناعة وتمنع تسربه، بخاصة في المنشآت القديمة، إذ يحرق هذا الغاز في كثير من الأحيان لأن أثر غاز الكربون أخف من غاز الميثان، وحرقه يخفف من مخاطر الحرائق والانفجار.

بالطبع هناك حوادث تقع بسبب خطأ إنساني أو لأسباب طبيعية أو تقنية تؤدي إلى تسرب الميثان، ولكن التركيز على التسربات التي تحصل باستمرار من عمليات يمكن فيها السيطرة عليه.

أما بالنسبة إلى القطاع الزراعي والحيواني فهو مشكلة كبيرة يصعب حلها، فهناك مخلفات زراعية وأحياناً منتجات زراعية تبقى في الحقول لتتعفن وتصدر غاز الميثان. وفي بعض الأحيان، مثل ما يقع في زراعة الرز بالهند، تحرق مخلفات النباتات إلى حد أن مدينة نيودلهي تتشح بالسواد ويصبح التنفس صعباً على أغلب السكان.

كمية اللحم المنتجة سنوياً لإطعام البشرية بخاصة في الدول المتقدمة هائلة جداً، وتتطلب مزارع ضخمة لتربية البقر والخنازير والمواشي.

هذه الحيوانات بخاصة الأبقار تصدر كميات كبيرة من الميثان، لهذا نجد عدداً من غلاة التغير المناخي لا يأكلون اللحم أو أي منتج حيواني، وهناك مزارع عدة الآن تستخدم خزانات فوق البقرة لتخزين الميثان فيه كإحدى طرق التخفيف منه.

ولكن المشكلة في كمية روث الحيوانات الهائلة التي تصدر كميات كبيرة من غاز الميثان، لهذا لجأ عديد من المزارع الكبيرة إلى معالجة روث الحيوانات وتخزين غاز الميثان وبيعه للمصانع أو شركات الكهرباء المجاورة.

الإشكال هنا أن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي يتطلب إعطاء الحكومات إعانات لأصحاب مزارع الحيوانات للاستمرار بمعالجة غاز الميثان، وهذا مكلف مع الزمن. من هنا نجد أن نقص الغاز في أوروبا وأسعاره أفاد الشركات التي تعالج المخلفات الحيوانية وتبيع الغاز، (طبعاً أضرها من ناحية أخرى بسبب ارتفاع كلفة العلف).

خلاصة الأمر هناك حلول جزئية لوقف تسرب الميثان، ولكن كل هذه الحلول مكلفة. وواقع الأمر أن كل السياسات الخضراء تضخمية، ومن ثم فإن التحول الأخضر سيكون مكلفاً من ناحية الثمن من جهة، ومن ناحية التضخم من أخرى. في حال التضخم سيدفع الجميع الثمن، حتى من لا يتبع أية سياسة خضراء أو يستهلك أي من منتجاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى