قيادة المرأة في دبلوماسية المناخ.. ضمانة لإنجازات مستدامة
بقلم: د. نوال الحوسني
النشرة الدولية –
الاتحاد –
من أكثر الأسئلة التي سمعتها أثناءالمشاركة في الدورات السابقة لمؤتمر الأطراف بشأن المناخ «كوب» سؤال «أين التمثيل النسائي؟»، وكان هناك نقاش دائم حول التوازن بين الجنسين في الحوارات المناخية الرئيسية، واللجان ووفود الدول في مفاوضات القضايا المناخية الملحّة. ومؤخراً، في مؤتمر الأطراف «كوب27» الذي استضافته بنجاح واقتدار جمهورية مصر العربية الشقيقة، أشارت تحليلات إلى أن المرأة شكّلت 34 بالمائة من أعضاء اللجان و10 بالمائة من عضوية الوفود العالمية المشاركة. ورغم تعهدات الدول الأعضاء عام 2011 بتعزيز مشاركة المرأة في محادثات المناخ، فقد تراجع التمثل النسائي عن النسبة الأعلى التي سجّلها في مؤتمر الأطراف «كوب24» الذي انعقد عام 2018 في مدينة كاتوفيتسه البولندية.
هذا الاتجاه ينسحب على مختلف المستويات. ومعدّل تمثيل القيادات المناخية النسائية في اجتماعات «كوب» السنوية، بدءاً من «كوب14» في بوزنان البولندية ووصولاً إلى «كوب26» في مدينة جلاسكو الاسكتلندية، بقي دون الربع في وفود الدول. وفي «كوب21» في العاصمة الفرنسية، حيث تم توقيع «اتفاق باريس المناخي» التاريخي، كان أقل من 10 بالمائة من الوفود بقيادة نسائية، وفي «كوب26» في جلاسكو الاسكتلندية كانت النسبة دون 15%.
ويجب أن يكون هناك تقدم بدل التراجع في تمثيل المرأة في الدبلوماسية المناخية، ولا مجال للتراخي في هذا الشأن، لأننا نحتاج إلى حلول يشارك الجميع في ابتكارها وتصميمها وتنفيذها. وسوف يظهر احتساب النتائج العالمي في مؤتمر الأطراف «كوب28» الذي تستضيفه دولة الإمارات نهاية العام الجاري، ما تم تحقيقه حتى الآن عالمياً على مستوى الأهداف المناخية الملحّة، وسيبرهن أن تحييد مخاطر التغيّر المناخي والتكيّف وتمويل استراتيجيات العمل المناخي العالمي سيحتاج لمزيد من تمثيل المرأة من المجتمعات كافة شمالاً وجنوباً ً في مختلف مفاصل صناعة القرار، وتصميم السياسات لتحقيق الأهداف المنشودة بشكل كامل.
وقد أكّدت رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28» في دولة الإمارات التعامل كأولوية مع هدف تحقيق التوازن بين الجنسين في العمل المناخي العالمي. وتعيين كل من معالي شما المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع، بصفتها «رائدة المناخ للشباب» في مؤتمر «كوب28»، ورزان المبارك، رئيسة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، بصفتها رائدة المناخ في المؤتمر، يعكس التزاماً إماراتياً نوعياً بحضور مؤثر للمرأة في دبلوماسية المناخ.
وفي ما يقترب موعد انعقاد مؤتمر «COP28»، تصبح زيادة مشاركة المرأة في محادثات المناخ عالمياً أكثر أهمية، لتفادي التداعيات العميقة للتغيّر المناخي ومنع تفاقمها. ويحذرنا العلماء والباحثون من خطر ارتفاع قياسي جديد في درجات الحرارة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهناك توقّع يصل حتى نسبة 66 بالمائة بأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب سيتخطى 1.5 درجة بحلول عام 2027. هذه التوقعات غير المطمئنة سببها زيادة الانبعاثات.
وظاهرة «إل نينو» المناخية التي ترفع حرارة مياه المحيطات والبحار هي نموذج مقلق للحاجة إلى العمل بسرعة وبحزم وفق مبدأ الشمول، ودمج الجميع. ويجب أن يذكّرنا «اليوم العالمي للمرأة في الدبلوماسية»، هذا الشهر بالحاجة إلى تأكيد وتعزيز الدور المحوري للمرأة في تصميم السياسات المناخية. والأسباب التي تدعونا إلى تعزيز التوزان بين الجنسين مناخياً عديدة، ليس أقلها أنهن يمثلن نصف سكان كوكبنا المتأثر بتغيّر المناخ. والنساء قد يكّن الأكثر تأثراً بتداعيات هذا التغيّر.
وتشير بعض الدراسات إلى أن النساء قد يشكّلن أحياناً حتى 80 بالمائة من النازحين بفعل التغيّر المناخي. كما أن حالات الجفاف وتراجع إنتاج الغذاء والظروف المناخية القاهرة تضاعف التحديات الاقتصادية والصحية على النساء بشكل خاص. وفي الدول الأكثر تأثراً بالفقر، وحيث يعيش 1.5 مليار إنسان بأقل من دولار يومياً، تشكل النساء غالبية المتأثرين بهذه الحالة. والسيدات من عمر 25 إلى 34 مهددات بالفقر المدقع بنسبة أكبر بـ 25 بالمائة من نظرائهن من الرجال.
والرابط بين تنامي التغير المناخي وزيادة الفقر وثيق وموثّق. ولا يمكننا تجاهل الحقائق الواضحة. وللتعامل مع هذا التحدي، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الأقرب إلى المشكلة هم الأقرب إلى إيجاد الحلول. وهناك عدد من الأمثلة من التاريخ الحديث التي تؤكد ذلك. ففي بنجلاديش، ابتكرت مجموعة من النساء عام 2008 أساسات منزلية مقاومة للرياح والفيضانات في مجتمعاتهن. وفي ريف السودان، تأسس عام 2005 اتحاد المزارعات السودانيات الأول من نوعه، لتحسين الأمن الغذائي في المجتمعات التي تواجه خطر الجفاف والمجاعة. وعام 1997، أنشأت النساء في مجتمعات السكان الأصليين في نيكاراغوا بنوك البذور لحماية التنوع الحيوي وبناء مجتمعات مستدامة لا تعتمد على الزراعة الصناعية.
وتتنوع الأمثلة من بورتو ريكو إلى جزر المحيط الهادئ، حيث ساهمت المرأة في تشكيل سياسات المناخ والتخطيط لمواجهة الكوارث والاستجابة للطوارئ، وبرهنت عن مهارات متميزة في تحويل المعارف والمهارات إلى منجزات عملية سريعة ومؤثرة. ورغم هذه المعرفة، من الواضح أن مقاربتنا الحالية لدبلوماسية المناخ تحتاج للمزيد من التطوير لمواجهة التحديات الممنهجة لتغير المناخ بشكل أكثر كفاءة، وذلك عبر إشراك مباشر للمرأة في الحوارات وصناعة القرارات المرتبطة بالمناخ.
ومع توقّع فجوة كبيرة يظهرها التقييم العالمي الأول في مؤتمر الأطراف بين الطموحات والأهداف والحلول المناخية العالمية من جهة والآثار المتحققة على الأرض من جهة ثانية، علينا أن نعمل من أجل تمثيل متوازن للجنسين في الدبلوماسية المناخية، وتعزيز الالتزام المشترك بالتنوّع والشمول. والمأمول أن يشكّل مؤتمر الأطراف «COP28» الذي تستضيفه دولة الإمارات منصة للتغيير التحوّلي، وبناء مستقبل مشترك تكون فيه أصوات، ومبادرات وخبرات ومشاركات المرأة حاضرة بقوة في مختلف عمليات العمل المناخي العالمي كرائدة وقائدة.
*المندوب الدائم لدولة الإمارات في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»