الطائرات المسيّرة ليست الحلّ السحري لمشاكل الساحل الأفريقي

النشرة الدولية –

نداء الوطن – جيسيكا مودي –

في تشرين الثاني 2020، أطلق ثوار من «قوات دفاع تيغراي» اعتداءات متزايدة ضد الجيش الاتحادي الإثيوبي بسبب انتشار المخاوف من أن تُهمّش الإدارة سكان تيغراي وأن تُضعِف الإصلاحات السياسية وسائل الحُكم اللامركزية القائمة منذ وقتٍ طويل. في مرحلة لاحقة من الحرب، حين راحت «قوات دفاع تيغراي» تنشر الخراب في أنحاء البلد وتستولي على المدن الاستراتيجية، خاف الكثيرون في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، من وصول تلك الحملة إليهم. سارعت السفارات والشركات إلى إجلاء موظفيها، فيما وجدت الحكومة صعوبة في إبطاء تقدّم قوات تيغراي.

لكن حصل تحوّل سحري بين ليلة وضحاها. استعملت الحكومة الإثيوبية، التي كانت تتكل بشكلٍ أساسي على العمليات الهجومية الميدانية، طائرات مسيّرة إيرانية وصينية وتركية ضد «قوات دفاع تيغراي» وخطوط الإمدادات. كانت النتيجة لافتة. استرجعت الحكومة مدن «ديسي»، و»كومبولشا»، و»شيفرا»، و»شيوا روبت»، و»غاشينا»، و»لاليبيلا»، خلال أسابيع قليلة من أواخر العام 2021، ما دفع «قوات دفاع تيغراي» إلى الانسحاب. بعد مرور سنة، تم التوقيع على اتفاق سلام مع الثوار، بما يتماشى مع شروط إثيوبيا عموماً.

يبدو أن نجاح الطائرات المسيرة اللافت في تلك الظروف يدعم الفرضية القديمة التي تعتبر تلك الطائرات أداة لمضاعفة القوة خلال الحروب، ما يسمح لمستخدميها بتوسيع نطاق المراقبة الجوية، تزامناً مع إطلاق ضربات جوية من دون المجازفة بحياة الطيارين. استخلص عدد كبير من القادة، لا سيما في غرب أفريقيا، هذا الدرس واقتنوا طائرات مسيّرة على أمل أن تساعدهم هذه التقنية على تحسين وضعهم في مستنقعاتهم العسكرية. لكن لن تكون الطائرات المسيّرة حلاً سحرياً في الساحل الأفريقي لمجرّد أنها نجحت في إثيوبيا. من خلال استخدام هذه التقنية، قد تقوي الحكومات الجماعات المتمردة التي تحاول هزمها.

بعد سقوط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في العام 2012، خرج الجهاديون المدججون بالسلاح من ليبيا وأطلقوا اعتداءات في مالي، ووصلت تلك العمليات منذ ذلك الحين إلى بوركينا فاسو، والنيجر، ودول غرب أفريقيا الساحلية في السنوات اللاحقة، بما في ذلك ساحل العاج، وتوغو، وبنين. تشمل منطقة الساحل الأفريقي حوالى 4.1 ملايين لاجئ، وطالب لجوء، ونازح داخلي، بسبب أعمال العنف الجهادية، ما يجعل ظروفها من أسوأ الأزمات الإنسانية المنسيّة في العالم.

تفاقم انعدام الأمان بعد عمليات الاستحواذ العسكرية المتكررة في بوركينا فاسو ومالي، بسبب تصاعد الاستياء الناجم عن الفشل في معالجة التهديدات الجهادية. في حزيران 2022، قال وسيط في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إن 60% من بوركينا فاسو لا يزال تحت سيطرة الدولة. لكن ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة في ذلك الشهر أن مالي تسيطر على 15% من أراضيها فقط.

ليس مفاجئاً إذاً أن يسعى قادة غرب أفريقيا إلى اقتناء طائرات مسيّرة خاصة بهم بعد تغيّر الوضع سريعاً في صراع إثيوبيا مع ثوار تيغراي.

في السنة الماضية، أصبحت بوركينا فاسو ثالث دولة من غرب أفريقيا تشتري طائرات مسيّرة تركية الصنع، أبرزها «بيرقدار تي بي 2»، لدعم معركتها ضد الجهاديين. في الوقت نفسه، أقدمت توغو، ومالي، والنيجر على شراء طائرات مماثلة. حصد هذا النموذج بالذات رواجاً كبيراً في الأشهر الأخيرة نظراً إلى فاعليته في أوكرانيا. حتى أن جنرالاً أوكرانياً زعم أن تلك الطائرات سمحت للقوات المحلية بتدمير الدبابات والأسلحة الروسية (تصل قيمتها إلى 27 مليون دولار تقريباً) خلال ثلاثة أيام في العام 2022. اشتهرت الطائرات المسيّرة لدرجة أن يكتب الجيش الأوكراني أغنية مخصصة لطائرات «تي بي 2».

تكون طائرات «تي بي 2» مزوّدة بليزر يستهدف أربعة صواريخ صغيرة وموجّهة بالليرز، وهي تستطيع أن تبقى في الجو طوال 27 ساعة وتصل إلى علو 25 ألف قدم. في مناطق شاسعة وقليلة السكان مثل الساحل الأفريقي، حيث تكون المراقبة شبه مستحيلة، قد تقدّم قدرات الاستطلاع المتطورة في الطائرات المسيّرة ميزة مختلفة للحكومات الإقليمية على مستوى جمع المعلومات الاستخبارية بشأن الأعداء. كذلك، يناسب سعر طائرات «تي بي 2» ميزانية العملاء في غرب أفريقيا، إذ تساوي كلفتها جزءاً بسيطاً من أسعار الطائرات المسيّرة الأميركية أو الإسرائيلية. لا عجب إذاً في أن يعتبر الكثيرون هذا النموذج حلاً سحرياً لطالما حَلِم به الساحل الأفريقي في خضم معركته اللامتناهية ضد الجماعات الجهادية.

لكن قد لا تكون طائرات «تي بي 2» الحل الشافي بقدر ما توحي به. غالباً ما يشيد الناس بالطائرات المسيّرة بسبب دقتها. هي تسمح للقوات العسكرية نظرياً بإطلاق المزيد من الضربات المستهدفة، من دون تعريض الجنود الميدانيين للمخاطر أو قصف مناطق أكبر حجماً والمجازفة بسقوط الضحايا وسط المدنيين. لكن خضعت هذه الطائرات لتدقيق متزايد، نظراً إلى دورها في انتهاك حقوق الإنسان وقتل المدنيين. في آب 2021 مثلاً، قتلت ضربة أميركية بطائرة مسيّرة عشرة مدنيين في كابول. وفي كانون الثاني 2022، استعمل الجيش الإثيوبي طائرة مسيّرة لإسقاط القنابل فوق مخيم للنازحين داخلياً، ما أسفر عن مقتل 57 شخصاً على الأقل.

في عمليات مكافحة التمرد، حيث يصعب التمييز بين المدنيين والمقاتلين في معظم الحالات، نادراً ما تكون الطائرات المسيّرة أداة فاعلة لهزم الجماعات المتمردة وإنهاء الصراع. ينجم ذلك جزئياً عن صعوبة تفسير المعلومات التي توفرها تلك الطائرات بطريقة صحيحة. قد تكون هذه الطائرات دقيقة التوجيه، لكنها تتطلب مُشغّلاً بشرياً لتقييم البيانات التي تجمعها الكاميرات وأجهزة الاستشعار واتخاذ قرار إطلاق الهجوم أو الامتناع عنه. لكن لا يجيد البشر تفسير البيانات بدقة عالية، ما قد يؤدي إلى إطلاق عمليات مُضلّلة وقتل المدنيين عن طريق الخطأ أو استهداف مواقع خاطئة.

رغم المخاطر التي تطرحها الطائرات المسيرة، تبقى التنظيمات الدولية الراهنة لهذه التقنية محدودة. غالباً ما تبرر الحكومات والجيوش الاستعمال الفتاك للقوة عبر التطرق إلى مبدأ غامض من الناحية القانونية، ونادراً ما تكون صادقة حول ما تنوي فعله لاستعمال تقنية الطائرات المسيرة بعد اقتنائها. من دون آليات المحاسبة الدولية الخاصة باستخدام الطائرات بشكلٍ مسؤول، يظن ويم زويجنينبورغ، رئيس المشروع الإنساني «باكس» لنزع السلاح (منظمة داعمة للسلام في هولندا)، أن شريعة الغاب تطغى على هذا المجال.

يُمهّد غياب المحاسبة للإغفال عن التصرفات المتهورة، حتى أنه يُضعِف أهداف الدول المتعلقة بالتصدي لأعمال العنف الجهادية. كذلك، يُسهّل استعمال الطائرات المسيّرة في الاعتداءات التي تُسبب خسائر جماعية وسط المواطنين في الساحل الأفريقي نشر مشاعر البغض بين السكان المحليين، وقد يستفيد المقاتلون الجهاديون من هذا الوضع لأنهم معتادون على استغلال المآسي لتجنيد أعضاء جدد.

بالإضافة إلى العواقب غير المقصودة، قد يرتفع احتمال أن تصل الطائرات المسيرة إلى الجهاديين في نهاية المطاف بسبب زيادة نزعة الحكومات في الساحل الأفريقي إلى استعمال تلك الطائرات. سبق وبدأت الجماعات المسلحة في شرق أفريقيا، مثل حركة «الشباب»، باستعمال الطائرات المسيّرة على نطاق أوسع. ونظراً إلى تراجع كلفة الطائرات التركية التي تصل إلى غرب أفريقيا، تسود مخاوف من أن يحذو الجهاديون في الساحل حذوها.

من المستبعد أن تبيع تركيا هذه الطائرات إلى الجماعات الجهادية في الوقت الراهن، لأن سمعتها ستتضرر حتماً إذا أقدمت على هذه الخطوة، لا سيما وسط حلفائها في الناتو، لكن ليس غريباً أن تُباع الطائرات المسيّرة إلى جماعات مسلّحة. يتّهم البعض إيران مثلاً ببيع طائرات مسلحة إلى الثوار في اليمن. يقول زويجنينبورغ: «من المتوقع أن تستعمل جماعات غير نظامية في تلك المناطق المزيد من الطائرات المسيرة التجارية والمسلحة خلال السنة المقبلة». في هذا السياق، تشبه الطائرات المسيرة التركية بندقية كلاشنيكوف «إي كي-47»: صُنِع هذا السلاح الرخيص لصالح الجيوش النظامية في الأربعينات، لكنه أصبح منذ ذلك الحين شائع الاستعمال وسط جماعات الثوار حول العالم.

لكن حتى لو عولجت هذه التعقيدات، لم يتضح بعد إلى أي حد تحمل تلك الطائرات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى دول الساحل الأفريقي. في عمليات مكافحة التمرد، تستطيع الطائرات المسيّرة أن تتخلص من أهداف عالية القيمة، لكن يصعب تحديد ارتباط هذا العامل باستراتيجية شاملة تسمح بالفوز في صراع كبير. لم يكن وجود الطائرات المسيرة الأميركية والفرنسية لوقتٍ طويل في الساحل الأفريقي كافياً مثلاً للتصدي للقوات الجهادية. زَعَم الطرفان أنهما نفّذا عمليات قتل أساسية بالطائرات المسيرة (قتلت فرنسا عدنان أبو وليد الصحراوي، رئيس تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» في شمال مالي، خلال ضربة جوية بطائرة مسيرة في آب 2021)، لكنهما لم يعيقا عمليات المجاهدين بطريقة حاسمة.

تبقى الطائرات المسيّرة إذاً طريقة مبهرجة ومغرية ومقبولة الكلفة كي يثبت القادة قوتهم العسكرية أمام عامة الناس، لكن تَقِلّ الحالات التي تثبت تحوّل تلك الطائرات إلى جزء من استراتيجية فاعلة لمكافحة التمرد. يقول زويجنينبورغ: «لا يمكن هزم إيديولوجيا معينة عبر قتل الجميع بكل بساطة».

في هذه الظروف المشحونة، قد تطرح الطائرات المسيّرة حلاً عسكرياً جديداً لمشكلة يصعب حلّها عن طريق الأسلحة المستحدثة دون سواها. قد تسهم تقنياتها المتقدمة في تحقيق الفوز في بعض المعارك، لكنها أكثر ميلاً إلى تخريب جهود الدول في الساحل الأفريقي على المدى الطويل. لإحداث تغيير حقيقي، يجب أن يختار القادة مقاربة أكثر بساطة، فيعملون على تسهيل الوصول إلى البنية التحتية، والوظائف، والتعليم، وتحسين الحوكمة وحُكم القانون في بلدانهم. باختصار، قد تندم دول غرب أفريقيا على شراء الطائرات المسيرة إذا كانت تأمل في استعمالها كطريق مختصر لتحسين المستقبل.

Back to top button