لبنان لا يسعى إلى حلّ مشكلة اللجوء السّوري بل إلى مساعدة نظام الأسد!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لو شاء لبنان الرسمي، منذ بدأ كلامه عن ضرورة تخفيف عبء اللاجئين السوريّين عليه، لكان نصف الأزمة على الأقل، قد وجد حلًّا له، لأنّه ليس جميع السوريّين الموجودين على أرضه تنطبق عليهم هذه الصفة.

وكان يمكن للبنان، في ضوء أزمة اللجوء وانعكاساتها، أن يتّخذ سلسلة تدابير، بعد تنسيق العمل بين وزارات الدفاع والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية، بحيث يوقف تهريب البشر المعروفة معابره غير النظامية والخاضعة بأغلبيّتها الساحقة لـ”حزب الله” وللموالين له، ويجمّد منح رخص العمل للسوريّين الذين لا يحملون صفة لاجئ، ويدقق في الأوراق الثبوتية للعابرين منه وإليه والمقيمين فيه لمعرفة ما إذا كان هؤلاء قد تخطوا الفترة المتاحة لهم للإقامة في لبنان، ويفرض إقامة مختارة على المعارضين الذين يهربون إلى لبنان من حيث يتقدّمون من ممثليات دول “الحماية” بطلبات اللجوء السياسي.

لو فعل لبنان ذلك، ملتزمًا بالمعايير والتدابير المتبعة في الدول التي عانت وتعاني أزمات اللجوء، لكان على أراضيه اليوم، بالحد الأقصى، نحو ثمانمئة ألف سوري، ولم يكن فيه من يتحدث عن رقم يتراوح بين مليون ونصف ومليوني سوري.

لكنّ المسؤولين اللبنانيين المكلّفين متابعة ملف “النزوح السوري” لم يكونوا يومًا في وارد التفتيش عن حلول للمأزق الذي تعانيه “بلاد الأرز”، إذ إنّهم، وجميعهم ممّن يدعمون النظام السوري، كانوا ولا يزالون مهتمين بتوفير أوراق قوة لهذا النظام لتعينه على تحسين مواقعه في مواجهة المجتمع الدولي.

ويكشف دبلوماسي أوروبي طالما عمل على ملف “النازحين السوريين في لبنان”، أنّ هاجس المسؤولين اللبنانيّين، خلال تواصلهم مع الدول الغربية وممثليها وهيئاتها المختصة، يتمحور دائمًا حول وجوب الانفتاح على النظام السوري وتلبية طلباته حتى يتمكّن من استيعاب العائدين إلى مناطق سيطرته.

وهذا يعني أنّ المسؤولين اللبنانيّين عملوا، باستمرار، من أجل تثمير ملف “النازحين السوريين” لمصلحة رفع أعباء العقوبات الدولية عن كاهل النظام السوري.

ووفق الدبلوماسي الأوروبي نفسه، فإنّ لبنان إذا ثابر على نهجه هذا، فهو يربط، بنفسه، مصيره بمصير النظام السوري، إذ إنّ الغرب مصرّ على عدم رفع العقوبات عن هذا النظام وعدم التطبيع معه، قبل التزامه بما هو ملقى على عاتقه من إدخال إصلاحات جذرية بموجب القرار الدولي 2254.

وهذا يفيد بأنّ الدول المعنية بملف الشعب السوري لن توجّه مساعداتها إلى النظام السوري، ولن تعينه على إعادة بناء ما دمّرته حربه على شعبه، قبل أن يختار إصلاح نفسه وإيجاد مواقع آمنة في السلطة لمعارضيه.

وتعرف الدول العربيّة التي قرّرت، في الآونة الأخيرة، تطبيع علاقاتها مع النظام السوري وإعادته إلى جامعة الدول العربية ذلك، إذ ألغى الاتحاد الأوروبي الاجتماع الوزاري الأوروبي – العربي الذي كان مقرّرًا انعقاده هذا الأسبوع، بسبب هذه العودة.

ولم تكن المملكة العربية السعودية، وهي تطبّع علاقاتها مع النظام السوري، تجهل حقيقة الموقف الغربي من النظام السوري، ولذلك تعمّدت في بيان استئناف العلاقات الدبلوماسيّة معه، التركيز على مبدأ ” خطوة مقابل خطوة” الذي وضعه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون للتعامل مع النظام السوري.

الخطوة الأولى التي دفعت السعودية ثمنها تمثّلت في تعهّد النظام السوري العمل على وقف عمليات تهريب المخدرات من أراضيه في اتجاه أراضي المملكة.

وعليه، فإنّ إصرار المسؤولين اللبنانيّين على ربط ملف “النازحين السوريّين”، بانفتاح المجتمع الدولي على النظام السوري وتوفير ما يلزمه من أموال ورفع العقوبات عنه، يعني أنّ هؤلاء يصرّون على مفاقمة المآسي اللبنانية بدل إيجاد حلول تخفّف من حدّتها.

وأسألُ هذا الدبلوماسي الأوروبي: ولكن، ماذا عن التهديدات بفتح المعابر البحريّة أمام اللاجئين السوريين في لبنان لنقل المشكلة منه إلى دول الاتحاد الأوروبي؟

يقطّب حاجبيه ويكتفي بإجابة مقتضبة جدًّا: “هذه مراهقة جيو-سياسية وإنسانيّة وأخلاقية!”.

زر الذهاب إلى الأعلى