توظيف الشغور الرئاسي في لعبة الهيمنة والمصالح
بقلم: رفيق خوري
لولا فرنسا لما كانت أزمة لبنان بنداً في أية محادثات عربية وإقليمية دولية
النشرة الدولية –
لولا فرنسا لما كانت أزمة لبنان بنداً في أية محادثات عربية وإقليمية دولية، لكن موقف باريس المنحاز إلى خيار “الثنائي الشيعي” المؤلف من “حزب الله” و”حركة أمل” أسهم في تعميق الانقسام وإطالة الشغور الرئاسي. وهو موقف تخطت فيه باريس التفويض الممنوح لها أميركياً، والموقف الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السعودي، الصادر في نيويورك ومناخ الاجتماعات الخماسية بين أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر.
ليس من السهل على الموفد الرئاسي جان إيف لودريان وزير الدفاع والخارجية سابقاً الانتقال إلى موقف مختلف انطلاقاً من خلاصة ما سمعه من كل الأطراف في لبنان، فهو بدأ نظرياً من معادلة واقعية: لا يمكن المجيء برئيس جمهورية ماروني تعترض عليه القوى المسيحية الأساسية، ولا برئيس ضد إرادة “الثنائي الشيعي”، غير أن أية خطوة عملية على الطريق تصطدم بعقبات معقدة في الداخل والخارج.
فمن المألوف منذ الاستقلال اللبناني عام 1943 أن يكون للقوى المسيحية رأي راجح في اختيار الرئيس حتى عندما تتولى القوى الخارجية المهمة، لكن من غير المألوف أن يصر “الثنائي الشيعي” على تحدي القوى المسيحية في اختيار الرئيس، ولو دعمته فرنسا التي كانت في نظر الموارنة “الأم الحنون”، ولو كان يملك “فائض القوة”.
والسؤال هو: لماذا يريد “الثنائي الشيعي” الهيمنة على رئاسة الجمهورية بعد رئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة؟ والجواب المعلن هو لتطمين “المقاومة الإسلامية” بوجود رئيس “لا يطعنها في الظهر”، ولا يهم إن كان يؤذي لبنان.
والسؤال الذي لا يزال النقاش فيه شبه مغلق هو: لماذا يجب أن يكون في لبنان مقاومة احتياطية بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي؟ والجواب هو لمجابهة أي اعتداء إسرائيلي يقول خصوم المقاومة إنه احتمال ضعيف أو معدوم لو لا وجودها وصواريخها، بحيث تحمي المقاومة لبنان من خطر قائم بوجودها.
لكن السؤال هو أية مقاومة إذا كان لا بد من مقاومة احتياطية؟ والجواب هو الحاجة إلى مقاومة وطنية، لا حزبية ولا أيديولوجية ولا مذهبية، مقاومة مرتبطة بالشرعية وقرارها، فمن أجل هدف وطني يجب أن تكون بنية المقاومة وطنية.
أما إذا كانت بنية المقاومة مذهبية مرتبطة بولاية الفقيه في إيران، فإن من الطبيعي أن يكون لها هدف غير معلن تحت شعار الهدف الوطني.
ولذلك فشلت كل محاولات الحوار منذ عام 2006 حتى اليوم في التوصل إلى الاتفاق على “استراتيجية دفاعية”، فالمقاومة إسلامية بقيادة “حزب الله”، ولا شريك له في قرار السلم والحرب باسم لبنان، حتى “إعلان بعبدا” الذي تم التوصل إليه في حوار شهده القصر الجمهوري وتبنته الجامعة العربية والأمم المتحدة، فإن “حزب الله” الذي وافق عليه تنصل منه في اليوم التالي. وقال ممثل الحزب رئيس كتلته النيابية محمد رعد “بلوا الورقة واشربوا ماءها”، ولا شيء اسمه المقاومة للمقاومة.
“حزب الله” في لبنان ليس فقط لمواجهة أي احتلال، بل ضمن هدف أكبر وأبعد هو خدمة المشروع الإقليمي الإيراني، وليس العداء المعلن لإسرائيل وتأسيس ميليشيات في لبنان وسوريا والعراق ورعاية “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة والحوثيين في اليمن سوى خطوات على طريق المشروع الإيراني.
فماذا يعني تحويل بلد مفلس منهار ومأزوم مثل لبنان إلى جبهة أمامية في حرب دائمة مع إسرائيل، بصرف النظر عن ابتعاد الدول العربية جميعاً من الاستعداد لحرب مع إسرائيل لتحرير فلسطين؟ وإلى أي حد يتحمل لبنان أن يلعب دور “غزة أخرى”؟ غزة محكومة بالجغرافيا والحق التاريخي، لكن ما يراد للبنان هو أن يكون محكوماً بخدمة مشروع عنوانه العودة إلى الماضي لـ”تصحيح التاريخ” بحجة أن الماضي الذي لم يحدث هو المستقبل.
وليس الإصرار على الهيمنة على الرئاسات والمؤسسات سوى فصل في كتاب إقليمي طويل، كما أن الدور الفرنسي ليس إلا ترجمة لتعدد مصالحها وتبدل قراءتها في كتاب الشرق الأوسط.