لماذا استدعت إيران قيادات حماس والجهاد الإسلامي إلى طهران؟

النشرة الدولية –

حفريات – عمر الرداد –

بعيداً عن خطاب الممانعة وقاموسه الواسع حول وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل والتهديدات الإيرانية التي تنطلق من العاصمة طهران ومن بيروت، التي تحذّر إسرائيل من مغبة القيام بأعمال “حمقاء” ضد إيران ووكلائها في المنطقة، بالتزامن مع “تحذيرات” إسرائيلية، فإنّ زيارة وفدين رفيعي المستوى من حماس بقيادة إسماعيل هنية والجهاد الإسلامي بقيادة زياد نخالة الى طهران، وعقد لقاءات مع القيادات الإيرانية، بما فيها قيادات من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، لم تكن تهدف لتأكيد دعم إيران للمقاومة الفلسطينية، فهذا الدعم ثابت “حسب القيادة الإيرانية” في إطار تحالف عريض لقوى الممانعة، ولا يحتاج لاجتماع عاجل، لكنّ الاجتماع تم بصيغة استدعاء “عاجل” أكثر من كونه لقاءً دوريّاً.

ربما تكشف سياقات هذه اللقاءات، التي تتزامن مع تحولات إيرانية، أنّ هدفها يختلف عمّا يتم الترويج له والإعلان عنه وفقاً للخطاب الإعلامي الإيراني، فالسيناريو المرجح أنّ اللقاءات جاءت لـ “إبلاغ” قيادتي حماس والجهاد الإسلامي رسالة إيرانية جديدة، تعبّر عن التزامات إيرانية جديدة، بعد مؤشرات “ومعلومات “حول تقدّم في المفاوضات بين طهران وواشنطن حول الاتفاق النووي.

فيما يُعدّ مؤشراً على شروع واشنطن وطهران بتنفيذ الاتفاق الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني إلى قطر وسلطنة عُمان، في الوقت الذي يكثف الإعلام الإيراني تغطيته لأخبار المقاومة والممانعة، واكتمال استعداداتها للمواجهة الشاملة مع إسرائيل

وتالياً عرض السياقات الناشئة الجديدة في علاقات طهران مع واشنطن، والتي يمكن أن تفسر زيارة قيادات حماس والجهاد الإسلامي بهذا التوقيت:

أوّلاً: في الوقت الذي تجري فيه قيادة حماس والجهاد مباحثات حول تطوير ودعم المقاومة والممانعة في طهران، يكشف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في لقاء تلفزيوني أنّ “الأطراف الأخرى قالت إنّنا نريد متابعة المسألة (النووية) عبر طريق غير الاتفاق “؛ أي عبر صيغة بديلة للتفاوض، ولا شك أنّ المقصود بالأطراف الأخرى هي واشنطن، وهو ما يعني اتفاقاً ثنائياً بين واشنطن وطهران، يستبعد الصيغة الدولية (5+1)؛ أي استبعاد الصين وروسيا، ومن الواضح وفقاً لتطورات متسارعة أنّ الاتفاق بهذا المفهوم تم إنجازه، وبدأ تطبيقه، وأنّ اللقاء مع قيادة الجهاد وحماس يأتي في هذا الإطار.

ثانياً: فيما يُعدّ مؤشراً على شروع واشنطن وطهران بتنفيذ الاتفاق الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني إلى قطر وسلطنة عُمان، في الوقت الذي يكثف الإعلام الإيراني تغطيته لأخبار المقاومة والممانعة، واكتمال استعداداتها للمواجهة الشاملة مع إسرائيل، فهذه الزيارة جاءت لاستكمال بحث ما تم الاتفاق عليه مع واشنطن، وذلك عبر مفاوضات مباشرة مع وفود أمريكية أصبحت تقيم في مسقط والدوحة، لغاية إنجاز الاتفاق، وزيارة وزير الخارجية الإيرانية هدفها استكمال بحث الإفراج عن سجناء أمريكيين في إيران، وبحث ترتيبات تحويل الأموال المقرر الإفراج عنها، والتي تقدّر بحوالي (20) مليار دولار، وتشير تسريبات إلى أنّ هذه الأموال سيتم تحويلها إلى مسقط والدوحة، ومن هناك سيجري تحويلها إلى طهران وعلى دفعات مشروطة بإنجاز ايران لتعهداتها، بعدم صرف أيّ أموال لدعم ميليشيات تابعة لها في: العراق وسوريا ولبنان بالإضافة إلى اليمن.

تأتي اللقاءات بعد ضربات عديدة وجّهتها إسرائيل لكوادر وقيادات حركة الجهاد الإسلامي بما فيها مراكز تخزين وتصنيع الصواريخ في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية، وقد شهدت هذه الضربات موقفاً غير مسبوق من حركة حماس بعدم التدخل والوقوف إلى جانب الجهاد الإسلامي

ثالثاً: تأتي اللقاءات بعد ضربات عديدة وجّهتها إسرائيل لكوادر وقيادات حركة الجهاد الإسلامي،  بما فيها مراكز تخزين وتصنيع الصواريخ في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية، وقد شهدت هذه الضربات موقفاً غير مسبوق من حركة حماس بعدم التدخل والوقوف إلى جانب الجهاد الإسلامي، رغم الحديث عن تنسيق عبر غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة في غزة، وهو ما تدركه قيادات الجهاد الإسلامي. كما جاءت اللقاءات في طهران بعد لقاءات للجهاد الإسلامي وحماس مع المخابرات المصرية في القاهرة، في الوقت الذي تتعزز فيه دلائل على قرب استئناف العلاقات بين طهران والقاهرة، رغم الاتهامات التي توجه للقاهرة من قبل الجهاد الإسلامي بالعمل لصالح إسرائيل، ومع ذلك فإنّ حدود ما تم إنجازه مع حماس والجهاد الإسلامي في القاهرة غير واضح، رغم أنّ حماس تركز على مطالب تتضمن رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، والحصول على أموال لدعم الإعمار، ومتابعة قضية تبادل الأسرى مع إسرائيل.

رابعاً: إنّ ما تحققه المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عمليات واسعة ونوعية جديدة، من قبل حماس والجهاد الإسلامي في مناطق الضفة الغربية، لا تتطلب عقد اجتماعات بمستوى قيادات الصف الأول في حركتي حماس والجهاد الإسلامي في طهران، وقد تزامن تنفيذ عمليات العبوات الناسفة من قبل الجهاد الإسلامي في جنين، ومقتل (4) مستوطنين في مستوطنة (عليي) قرب نابلس في عملية نوعية جديدة من قبل كتائب القسام التابعة لحماس، مع اجتماعات قيادات الحركتين في طهران.

مؤكد أنّ هناك العديد من السيناريوهات التي تفسّر هذا الاستدعاء العاجل لقيادات حماس والجهاد إلى طهران، لكن لا يمكن عزل أيّ توقعات عن سياقات تطور مباحثات إيران النووية مع واشنطن والاتفاق الذي يبدو أنّه تم إنجازه بين الطرفين، وهو ما يرجح معه أنّ “رسالة” من القيادة الإيرانية أرادت إبلاغها لقيادات حماس والجهاد حول تغير طبيعة الدعم الإيراني لهما، بما فيه الدعم العسكري التسليحي أو الدعم المالي، لا سيّما لحركة الجهاد الإسلامي، الأقرب لطهران من حماس، وربما هذا ما يفسّر تصعيد العمليات في الضفة الغربية، ودون أن يمتد هذا التصعيد إلى قطاع غزة، وستكشف الأيام القادمة مزيداً من أسرار ما تم الاتفاق عليه بين طهران من جهة، وحماس والجهاد من جهة أخرى، وفيما إذا كانت طهران تنظر إلى العلاقة معهما باعتبارهما ورقة تفاوض، حان قطاف ثمارها؟

زر الذهاب إلى الأعلى