مراقبة غير المحجبات في إيران بين الرغبة والتنفيذ

الحكومة ادعت استخدام الذكاء الاصطناعي للتعرف على النساء في الشوارع لكن التطبيق يحتاج بنية رقمية قوية

النشرة الدولية –

“اندبندنت فارسية” – علي رضا منافي –

بعدما أعلن قائد الشرطة في إيران أحمد رضا رادان خطة التعرف على النساء غير المحجبات من خلال كاميرات المراقبة الموجودة في شوارع المدن الإيرانية، انتشر مقطع فيديو كانت الحكومة تحاول من خلاله إظهار دقة هذه التكنولوجيا وأن الأخطاء غير واردة أبداً، إلا أنه سرعان ما انكشف أنه يعود لكاميرا افتراضية (CCTV) وأنتج في وقت سابق.

وقدمت الحكومة الإيرانية ادعاء جديداً على أنها تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على النساء غير المحجبات، أي أصبحت كاميرات المراقبة التي وضعت في الشوارع العامة بمثابة أعين حكومية.

في أحدث مقطع فيديو نشرته وكالة “فارس” للأنباء، التابعة للحرس الثوري، قالت إن الصور التي التقطت لنساء غير ملتزمات بالحجاب سيتعرف عليهن من خلال الذكاء الاصطناعي، وفي بعض الحالات ترفع دعاوى قضائية وتحال إلى القضاء للبت فيها، لكن إلى أي مدى هذا الإدعاء صحيح، وهل من الممكن التعرف على الوجوه من خلال الذكاء الاصطناعي في إيران؟

وفي البداية ينبغي القول إن تطبيق تقنية التعرف على الوجوه في أي بلد ما يتطلب بنية تحتية قوية وذات قدرة عالية جداً، ومن أجل إنشاء نظام قادر على تحديد وجوه النساء غير المحجبات وبدقة، فإنه يجب على النظام الإيراني إنشاء نظام معالجة بيانات قوي يسع لإدارة كمية كبيرة جداً من البيانات.

في الواقع تعتمد تقنية التعرف على الوجوه على خوارزميات معقدة جداً للتعامل مع كمية كبيرة من البيانات بغرض التحليل في الثانية الواحدة، وعندما نتحدث عن تحديد النساء غير المحجبات في الشوارع ومترو الأنفاق لاسيما الأماكن العامة الأخرى وذلك على نطاق الدولة، فإن كمية البيانات التي من المفترض معالجتها هائلة جداً.

معالجة هذه الكمية الهائلة من البيانات تتطلب وجود خوادم ومراكز بيانات حديثة يمكنها إجراء مليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، وتتطلب أيضاً وجود قاعدة بيانات ضخمة للمواطنين وكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية وأنظمة تبريد، وكذلك حاجة هذا النظام إلى شبكة ذات نطاق ترددي عالي وزمن انتقال منخفض لتنتقل البيانات من الكاميرات إلى الخوادم.

إضافة إلى ما سبق فإن تقنية التعرف على الوجوه ليست مثالية ولا يمكن أن تكون خالية من المشكلات أو النقص وأن معدل الخطأ فيها مرتفع، وحتى الأنظمة الحديثة والأكثر تقدماً تعاني اليوم مشكلات اكتشاف الميزات في ظروف الإضاءة المختلفة وتغييرات المسافة والزاوية والمظهر، بخلاف استخدام الأقنعة والنظارات والمكياج، بالتالي فمن المتوقع أن ينخفض أداء هذه الأنظمة بشكل كبير لأن تشكل انسدادات الوجوه وإن كان بسيطاً تحد كبير للتعرف الدقيق عليها.

جنباً إلى جنب مع التعقيدات الفنية فإن التنفيذ الناجح لهذه الخطة يتطلب وجود قاعدة بيانات شاملة لوجوه جميع المواطنين في إيران، وبناء هذه القاعدة ليس بالأمر السهل فحسب، بل إنها عملية ضخمة ومليئة بكثير من التحديات اللوجستية، حتى إذا ما توفرت البيانات كاملة فإن القضايا المتعلقة بجودتها وتحديثها يومياً تبقى مهمة.

هناك عامل آخر يجب مراعاته وهو التصوير المثالي للتشخيص، وفي الفيديو الذي نشرته وكالة “فارس” للأنباء تبين أن التصوير لم يكن احترافياً، بل تخلل الفيلم الذي صور ونشر تغييرات في الجودة والمسافة والدقة، وهذا ما يزيد من تعقيد عملية التشخيص، لذا يجب أن يقارن نظام التعرف على الوجوه بالذكاء الاصطناعي الفيديو بالصور الموجودة في قاعدة البيانات، وهذا بحد ذاته يعتبر تحدياً للأنظمة الذكية، بل أكثرها تعقيداً اليوم.

وأما الأمر المهم الآخر فهو مرونة النظام، إذ إن الازدحام والعوامل البيئية والحركات السريعة، تؤدي من دون أدنى شك إلى تقليل كفاءة النظام بشكل كبير جداً، كما أن إدارة مثل هذه الاختلافات تتطلب وجود نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة للتمييز بين البيانات ذات الصلة والضوضاء المحيطة بالمستهدفين.

تعد إدارة الأخطاء جزءاً حيوياً من عمل أي نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يتطلب خبرة واستثماراً لتحقيقه، واللافت في الأمر أن هذه التكنولوجيا ليس لها تاريخ وجذور في إيران، بل هي حديثة العهد.

ونظراً إلى الموازنة الضخمة التي خصصت لمنظمة الدعاية الإسلامية ومنظمة الأمر بالمعروف والإذاعة والتلفزيون لترويج نمط الحياة الذي ترغب الحكومة في تطبيقه وإرغام المواطنين الإيرانيين على الالتزام به فإنها لم تحقق أية نتائج تذكر، ومن ناحية أخرى وبحسب بعض المصادر هناك 17 مليون قضية منظورة لدى السلطة القضائية، وبالتالي فإنه ليس أمام الحكومة الإيرانية خيار سوى خلق حال من الخوف والرعب، ومثل هذه المزاعم التي تطرحها في ما يتعلق بقدراتها في التعرف على النساء غير الملتزمات بالحجاب بواسطة الذكاء الاصطناعي إجراء يهدف إلى إثارة الرعب أكثر من كونه قريباً من الواقع.

من المؤكد أن المتطلبات الحسابية والتحديات التي تواجه نظام التعرف على الوجوه المفترض إنشاؤه على نطاق واسع في البلاد، شديدة الدقة وربما تتجاوز الطاقة الحالية والقدرات الرقمية للنظام الإيراني.

زر الذهاب إلى الأعلى