الوطن المخطوف.. ومسلسل الأزمات
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
القبس –
مع تشكيلة مجلس الأمة، غير المسبوقة، أصبحت الكتابة السياسية تشبه السير في حقل ألغام..!
***
عاصرت استقلال الدولة وكل أحداث الفترة التالية، ولم أجد تغيُّراً كبيراً في أمور أساسية كثيرة، فربما نكون الدولة الوحيدة في العالم التي تفاجئ مواطنيها، لمرتين على الأقل، بخبر انتهاء مخزونها من لوحات أرقام السيارات، مثلما فوجئ الجميع بانتهاء مخزون الدولة من جوازات السفر، وأيضاً مرتين! والأمر ذاته نراه عند كل تشكيل حكومي، حيث تفاجئ الجهات المعنية أنها بحاجة مستعجلة إلى من يتولى حقيبة وزارية معينة، فيدخل الجميع في مخاض صعب وشد وجذب، وتشتعل بورصة أسماء المرشحين، ثم ليتمخض الجبل، في غالب الأحيان، عن نتيجة متواضعة لم تكن تستحق كل تلك الربكة و«الاعتصار»، وليتكرر الأمر مع بداية كل تشكيل وزاري، والسبب غياب التخطيط، أو بالأحرى عدم الاهتمام بوجوده. فلا جهة سعت، أو بالأحرى رغبت، على مدى 60 عاماً، في أن تكون هناك قاعدة بيانات يمكن الاستعانة بها في أي تشكيل حكومي قادم، وإجراء المراجعات عليها، بالإضافة والشطب، ومعرفة خلفيات أصحابها، و«حقيقة» مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم، بدلاً من الركض في اللحظة الأخيرة، بحثاً عن مرشح شيعي هنا أو وزير قبلي هناك!
هذا الإرباك وضغوط الوقت دفعت المعنيين، غالبا، للقبول بتوزير أيٍّ كان للتخلص من الضغوط، ليتضح تالياً عدم صلاحية من تم اختياره لوجود قضايا أو سوابق عليه، أو عدم جدية الشهادة التي يدعي حملها! وتشكيل الوزارة الحالية لم يكن مختلفاً حيث اضطر سمو الرئيس، للاستعانة بنائب يرقد في المستشفى، وعليه ما عليه، ليكمل به التشكيلة!
***
منذ ما قبل وفاة الأمير صباح الأحمد في سبتمبر 2020 ونحن نعيش في أزمة سياسية تبدو من الخارج أنها نتيجة صراع بين أحزاب وكتل وقوى برلمانية، لكن الحقيقة، مع عدم التقليل من أهمية هذه الصراعات، إن الأزمة هي أزمة بين من يريد للوطن الاستقرار وبين من يسعى جاهداً لتصدر المشهد في مرحلة قادمة، سواء بطريقة مباشرة، إن سمح له بذلك، أو بغيرها.
انعكست هذه الصراعات على أداء، أو بالأحرى على توقف أداء مجلس الأمة، وغياب تام لآلية إقرار مختلف التشريعات المستعجلة والمهمة. لذا، جاء الأمر السامي في أبريل 2023 بحل مجلس 2020، والدعوة لانتخابات جديدة، أملاً في وصول من بإمكانهم انتشالنا من وضعنا المتردي، لكن جاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال من توقع الأفضل، حيث تمكن تحالف التيارين، الديني والقبلي، من حصد أغلبية المقاعد، فيما يشبه المفاجأة للكثيرين.
***
مع كل مظاهر الهدوء الحذر، إلا أن الساحة السياسية تتأهب لصراع قادم، خصوصاً أن طرفاً بدأ بمحاولة تصفية المحسوبين على الطرف الآخر، في حرب إقصاء، ستتسبب ربما في إعادتنا ثانية إلى مربع العجز الحكومي والبرلماني.
***
لأول مرة في تاريخ انتخابات الكويت لم يخفِ فريق سعادته الفائقة بها، ويظهر الفريق الآخر شديد استيائه من نتائجها!
وكان لافتاً التضامن المخفي بين القوى الدينية والقبلية، والذي مكنها من الفوز بأغلبية كراسي المجلس ولجانه. ورأى بعض المراقبين في ذلك إنذاراً باستمرار انحدار الدولة نحو التشدد والغلو، مع زيادة احتمالات تضاؤل هامش الحريات، الضيق أصلاً، وزيادة تعسف الأقلية في فرض رؤاها، وتصوراتها المتعلقة بالآداب والحريات، على الأغلبية الساحقة، الأكثر تعلماً وتطوراً، وهذا سيزيد من اتساع الهوة «الحضارية» بين الكويت وشقيقاتها الخليجيات، دع عنك الدول المتقدمة الأخرى.
صبغة المجلس دينية بامتياز، خصوصاً أن المجاملات، المعروفة عن الشعوب المتخلفة، ستدفع حتى من يدعون الليبرالية، إن وجدوا في المجلس، إلى مسايرة المتشددين دينياً، خصوصاً مع غياب واضح للوجوه التي كان يمكن أن تتصدى للمتشددين بقوة، من أمثال النائب السابق أحمد الفضل.
وإلى مقال الغد.