ما مقومات حياة «إسرائيل»؟
بقلم: د . اسعد عبد الرحمن
النشرة الدولية –
الرأي الأردنية –
إن مقومات الحياة «لإسرائيل» ليست من داخلها فحسب بل ومن خارجها أيضا. وهنا، يوجد عنصران خارجيان، أولهما الدعم الغربي وينقسم لشقين: بدأ بالأوروبي، وما زال متواصلا بشكل أو آخر، وشكّل عاملا رئيسا في نشأة دولة الاحتلال وبقائها، حيث ترتبط «إسرائيل» بشبكة علاقات استراتيجية بأوروبا تمثل فضاء طبيعيا تحتاجه للبقاء، فيما لا يضحي الغرب الأوروبي بانحيازه «لإسرائيل» رغم الخلافات حول الاستعمار الاستيطاني و«حل الدولتين».
أما الشق الثاني من الدعم الغربي، فيتجلى في الدعم الأمريكي المتنوع واللامحدود! «فإسرائيل» بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية امتداد طبيعي للمشروع الاستعماري الغربي، وهي الجسم الغريب الذي يشق الوطن العربي، ويبقي موطئ قدم لواشنطن فيه، ويشغل العرب عن مشروع عروبي قادر على التفوق عليها. وفي السياق، هناك عوامل مساعدة أبرزها الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية، والتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية، ودور اللوبي وجماعات اليهود الأمريكيين.
أيضا، يتألف العنصر الخارجي الثاني من شقين: غياب، أو شبه غياب، الدعمين العربي والإسلامي. عربيا، فإن الصراع الطويل الدائم منذ أكثر من 75 عاما لم يتلق فيه الفلسطينيون الدعم الملموس على الأرض والقادر على قلب الموازين، بل أنه دعم ضعف مع مرور الوقت. فبعد أن كان الصراع صراعاً عربيا/ إسرائيليا، ركز الفلسطينيون على «استقلالية القرار الفلسطيني» فجاءت قمة الرباط 1974 وتبنت قرارا يعترف لأول مرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وتزايد هذا الشعور بعد نشأة «الوطنية القطرية» (المحلية) في مع?م الدول العربية. أما الدعم الإسلامي، سواء على المستويين الرسمي أو الشعبي، فلم يكن كذلك بالمستوى المطلوب. فنحن نرى ردود الفعل العاجزة تجاه ما يحدث في المسجد الأقصى من تقسيم زماني ومكاني وتحويله لمعبد إسرائيلي، وكذلك في مسألة تهويد مدينة القدس، حيث لا يرقى الدعم الإسلامي إلى مستوى فداحة الأحداث.
مع ذلك، «فإسرائيل» القائمة على الاحتلال والظلم والعنصرية نجحت في مأسسة «الدولة»، وهي بالنسبة لليهود كيان مؤسسي من الطراز الأول، استغل كل المقومات فنجم عن ذلك تحشيد طاقات علمية وإبداع في مجال التكنولوجيا والصناعات العسكرية والأمنية وغيرها. والأرقام الأخيرة حول تجارة السلاح تثبت ذلك، حيث تصل إلى (130) دولة بينها دول عربية. ولقد حققت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية أرقاما قياسية، إذ بلغ إجمالي مبيعات السلاح الإسرائيلي (11.6) مليار دولار، وذلك بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «SIPRI»، فضلا عن التفوق التكنولو?ي والصناعي والزراعي الذي يعزز رصيدها في العالم، وهي تصدر خدماتها الزراعية إلى (32) دولة في العالم، وتحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد الشركات المدرجة في بورصة ناسداك للتكنولوجيا (بعد الولايات المتحدة والصين) متقدمةً على دول كبرى مثل فرنسا وألمانيا. كذلك، من بين أكبر 500 شركة في العالم، تمتلك ثمانون منها مراكز رئيسةً في إسرائيل مثل جوجل وفيسبوك وأبل.
إنها دولة بات اقتصادها قويا لا يتأثر كثيرا بأوضاع العالم إلا قليلا. دولة «شفافة» يهوديا إذ تحاسب مسؤوليها الفاسدين وتسجنهم والأمثلة كثيرة. دولة مجتمعها المدني/ السياسي «يقاوم» ما يراه ضارا به كما يجري ضد ما يسمى «إصلاح القضاء”!!! إنها، بذلك، دولة قوية بذاتها….. علينا أن نعترف. هي «دولة عظمى إقليمية» لكنها استعمارية غاصبة وسارقة، وهذا أمر مستقر في «وجدانها» ويهزّ كينونتها. وإذا كانت «دول عظمى عالمية» (اقرأ: امبراطوريات) قد هوت وزالت، فإن ذلك غير بعيد عن «إسرائيل» التي تعيش هذه الأيام أزمة بنيوية حقيقية شط?تها إلى مجتمعين، ناهيك عن تقلص الدعم المتنوع لها بعد ظهور «وجهها البشع» ليس في أوساط العالم فحسب، بل وفي أوساط يهود العالم الذين طالما دعموها!