فايننشال تايمز: صفقات عقار غامضة تكشف ثغرات شفافية المملكة المتحدة

النشرة الدولية –

فايننشال تايمز –

كان بيع أحد مباني المكاتب في ضواحي منطقة مايفير في أيار (مايو)، الذي وصف ذات مرة بأنه الأغلى في العالم، هو الأحدث في سلسلة طويلة من مبيعات العقارات باهظة الثمن في لندن.

كانت الصفقة التي تبلغ قيمتها نحو 100 مليون جنيه استرليني لاستئجار المبنى رقم 77 في شارع جروسفينور، المملوك الآن لمجموعة بروكفيلد الكندية للاستثمار، اعتيادية باستثناء حقيقة واحدة: أن هوية الأشخاص الذين سيستفيدون في النهاية من عملية البيع تبقى سرية، حيث تعتم عليها هيكلية ملكية خارجية معقدة.

وعلى مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من المبنى الواقع في شارع جروسفينور يقع مبنى فخم رقمه 50 في شارع سانت جيمس. حيث تم شراء الكازينو سابقا في أواخر 2021 من قبل عملاق التعدين الأوكراني قسطنطين جيفاجو مقابل نحو 80 مليون جنيه استرليني، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر، دون أن يكون للصفقة ظهور في دائرة تسجيل الأراضي، التي تسجل عادة مبيعات العقارات في إنجلترا وويلز.

لطالما اجتذب الجانب المرموق والسري لسوق العقارات – التجارية والسكنية – في العاصمة البريطانية عديدا من كبار أثرياء المشترين البريطانيين والأجانب.

كما اجتذبت لندن بعض الفاسدين والمجرمين الذين يسعون إلى تبييض مكاسبهم غير المشروعة. إلا أن سوق العقارات تعرضت لزيادة في التدقيق منذ الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، ما دفع المملكة المتحدة إلى تجميد أصول المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.

قدمت الحكومة العام الماضي تشريعات الشفافية التي وعدت بتنفيذها منذ فترة طويلة، التي تلزم الشركات الخارجية التي تملك عقارات في إنجلترا وويلز تسمية مالكها النهائي في سجل الكيانات الخارجية.

عندما يكون مالك الشركة صندوقا ائتمانيا، يشترط القانون إبلاغ الحكومة عن الجهة المستفيدة منه، على الرغم من أن هذه المعلومات لا تظهر دائما في السجل. ويمكن أيضا حجب المالك النهائي للعقار باستخدام ما يسمى اتفاقية المرشح، حيث قد يتم إدراج مستشار كمالك في السجل.

في شهر آب (أغسطس) من العام الماضي، قال وزير الأعمال آنذاك مارتن كالانان، إنه عند إطلاق السجل “سيرفع الستار عن المجرمين الذين يحاولون إخفاء ثرواتهم التي حصلوا عليها بطريقة غير مشروعة”.

لكن على الرغم من تحقيق بعض النجاح، فإن حملة الحكومة لفرض مزيد من الشفافية للعامة حول من يملك العقارات في المملكة المتحدة ما زالت غير مكتملة، كما تظهر اتفاقيات البيع في مايفير. فيما لا يوجد ما يشير إلى ارتكاب مخالفة في كلتا حالتي البيع.

قال بن كاودوك، رئيس الأبحاث في منظمة الشفافية الدولية، وهي مجموعة نشطة: “في حين أن سجل الشفافية الجديد وفر معلومات مهمة للعامة، إلا أنه لا يزال يعاني عديدا من أوجه القصور، بما فيها استخدام كل من الصناديق الائتمانية والمرشحين لإخفاء من يملك فعلا كيانات خارجية. إن سهولة الحفاظ على سرية الهوية يقوض فعالية القانون الجديد”.

منذ منتصف نيسان (أبريل)، 15 في المائة من الشركات الأجنبية التي تمتلك عقارات في بريطانيا والبالغة 32440 شركة، أخفقت في تسجيل مالكها المستفيد، وفقا لسجل وكالة كومبانيز هاوس البريطانية المسؤولة عن سجل الشركات. وتقدر منظمة الشفافية الدولية أن ما يقرب من 6900 شركة في المملكة المتحدة مملوكة من خلال هيكل ائتماني.

كانت الثغرات في القانون الذي أنشأ السجل قد دفعت بعض السياسيين ونشطاء الشفافية إلى اقتراح تعديلات على التشريع من شأنها أن تجبر مالكي العقارات الذين تحجب الصناديق هوياتهم على الكشف عن هوياتهم علنا.

إن الملكية المطلقة، أو الملكية الكاملة للمبنى رقم 77 الواقع في شارع جروسفينور، الذي تبلغ مساحته نحو 60 ألف قدم مربعة، تسيطر عليه شركة جروسفينور، وهي شركة عقارية تعود ملكيتها لدوق ويستمنستر.

بين كانون الأول (ديسمبر) من 2009 وعملية البيع في شهر أيار (مايو)، كان عقد إيجار المبنى ملكا لشركة ويلبور العقارية 5. حيث دفعت الشركة 89 مليون جنيه استرليني للحصول على عقد الإيجار وتم تسجيلها في جزر كايمان، وفقا لملفات الشركات ودائرة تسجيل الأراضي.

كان العقار العام الماضي، الذي تستأجره حاليا مجموعة بلوباي أسيت مانجمنت الاستثمارية، قد تم طرحه للبيع ومعروضا على المشترين المحتملين مقابل ما يصل إلى 100 مليون جنيه استرليني، على حد قول أشخاص مطلعين على الوضع.

تحدد السجلات المودعة بموجب قانون الشفافية الجديد أن مالك شركة ويلبور العقارية 5 هي شركة لانزاك ليميتيد، والمساهم الوحيد فيها هو المزود القبرصي لخدمة الصناديق الائتمانية المسمى بيج تراستيز. لكن شركة لانزاك تم تأسيسها قبل 18 شهرا فقط، أي بعد 12 عاما من حصول شركة ويلبور على عقد إيجار المبنى رقم 77 في شارع جروسفينور. لم تستجب شركة بيج تراستيز لطلب التعليق.

هناك القليل من المعلومات المتوافرة للعامة عن شركة ويلبور ريال إستيت 5. وكانت شركة تحمل اسما مشابها لها في جزر كايمان – ويلبور ريال إستيت 7 – قد شكلت جزءا من مكتب العائلة فيرني كابيتال لرجل الأعمال الكازاخستاني بولات أوتيموراتوف.

ووفقا لما ذكره شخص مطلع على الأمر، فقد شارك مسؤول تنفيذي كبير من شركة فيرني كابيتال في محادثات بيع المبنى.

قال متحدث باسم فيرني كابيتال إنهم ليسوا البائعين. ورفض التعليق على ما إذا كان أوتيموراتوف هو المالك النهائي المستفيد للمبنى رقم 77 في شارع جروسفينور قبل بيعه لشركة بروكفيلد.

كما لم تستجب شركة ويلبور ريال إستيت 5 لطلب بالتعليق تم تقديمه من خلال مجموعة مابيلز التي تعد وكيل الشركة في جزيرة كايمان.

قال المشاركون في عملية البيع إن المشترين المحتملين لمبنى رقم 77 في شارع جروسفينور مطالبون بالتوقيع على اتفاقيات عدم إفصاح تمنعهم من تسمية بائع المبنى.

اشترت شركة بروكفيلد العقار من خلال ذراع إعادة التأمين الخاص بها، وفقا لملفات دائرة السجل العقاري وشخص واحد تم إطلاعه على الصفقة. وامتنعت شركة بروكفيلد عن التعليق. بينما كانت وكالة رآكت نيوز أول من أفصح بأن شركة بروكفيلد هي المشتري.

في حالة المبنى رقم 50 في شارع سانت جيمس، تذكر دائرة تسجيل الأراضي أن المبنى تم بيعه آخر مرة في 2012. وكان آخر مالك له تم تحديده علنا هو المستثمر العقاري الروسي أندريه جونشارينكو، وفقا لتقارير صحافية في 2014.

قال ثلاثة أشخاص على دراية بالصفقة إن جيفاجو اشترى المبنى في أواخر 2021، ودفع نحو 80 مليون جنيه استرليني وفقا لاثنين من الأشخاص الثلاثة.

لا يزال مالك العقار محددا في دائرة تسجيل الأراضي بأنه لاركستون ليميتيد، وهي شركة مقرها جبل طارق (جبرلتار)، التي استحوذت عليه مقابل 70 مليون جنيه استرليني في 2012.

مع ذلك، تظهر سجلات الشركة أنه في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2021، تم بيع شركة لاركستون إلى شركة يسيطر عليها صندوق ائتماني.

والمستفيدون من الصندوق الائتماني هم جيفاجو واثنان من أقاربه، وفقا لملفات الشركة التي قدمتها شركة فيرإكسبو، مجموعة التعدين الأوكرانية المدرجة في لندن. وجيفاجو هو المساهم المسيطر في شركة فيرإكسبو.

وقد تم اعتقال جيفاجو في منتجع للتزلج في فرنسا أواخر العام الماضي بناء على طلب السلطات الأوكرانية في تحقيق يتعلق بالاختلاس وغسل الأموال. لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات تتعلق بالتحقيق، فيما رفض محامو جيفاجو التعليق على صفقة العقار.

في أيار (مايو)، تم تسجيل لاركستون لأول مرة ككيان خارجي لدى وكالة كومبانيز هاوس الحكومية. وأدرجت “مالكها المستفيد” أنه صندوق ائتماني مقره سنغافورة.

حزب العمال يدعم قضية سد ما يعده ثغرات في نظام الإفصاح المعمول به حاليا في المملكة المتحدة، ويريد مراجعة قدرة الكيانات الخارجية على امتلاك الأصول من خلال الصناديق الائتمانية.

قال الحزب: “سيطرح حزب العمال إصلاحات تشتد الحاجة إليها لدائرة الشركات وسيبقي سجل الكيانات الخارجية قيد المراجعة لضمان تحقيق التوازن الصحيح بين الخصوصية والمصلحة العامة”.

وفي نقاش في مجلس اللوردات في نيسان (أبريل)، قال الوزير السابق من حزب المحافظين ثيودور أجنيو إن القواعد الحالية تقتصر على الكشف عن “اسم الوصي”، الأمر الذي يحد من معرفة العامة من يمتلك الصناديق ائتماني والعقارات في نهاية المطاف. وأضاف أنه من المعروف أن “الجهات الفاعلة السيئة” يمكن أن تختبئ وراء ذلك.

يوم الأربعاء، صوت مجلس اللوردات لصالح التعديل الذي طالب به أجنيو على مشروع قانون الجرائم الاقتصادية للحكومة، الذي من شأنه أن يطلب من دائرة الشركات نشر معلومات عامة حول المستفيدين من الصناديق الائتمانية.

قال وزير الشركات دومينيك جونسون لنظرائه إن الحكومة، التي عارضت تعديل أجنيو، قدمت بدلا من ذلك “تعديل الوصول إلى المصلحة العامة” للسماح “للصحافيين الاستقصائيين والكيانات المحددة الأخرى بالوصول وإجراء استفسارات عن الملكية النفعية للصناديق الائتمانية”. وأضاف أن الحكومة ستجري مشاورات هذا العام حول كيفية زيادة تحسين شفافية الصناديق الائتمانية.

قال جونسون أيضا إن بعض المستفيدين من الصناديق الائتمانية هم “أشخاص ضعفاء” وجبت حماية خصوصيتهم. ومن المقرر الآن أن ينظر مجلس العموم في التعديل الذي قدمه أجنيو.

زر الذهاب إلى الأعلى