هذا سرُّ وليد جنبلاط
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
لا يختلف إثنان على أن وليد جنبلاط شخصية سياسية فذّة، قاد حزبه وطائفته في أحلك الظروف، ولعب دوراً أكبر من حجمها العددي، ليتعدّى الشأن اللبناني، إلى القضايا العربية والدولية والإنسانية. وحمل في عقله وضميره دائما، القضية العربية الأساس “قضية فلسطين” فألبس كوفية نضالها إلى نجله تيمور.
لن أتحدث عن دور ومآثر وليد جنبلاط السياسية، بل عن جانب آخر في شخصيته، حيث استطاع أن يكون زعيماً وطنياً، ومواطناً عادياً في نفس الوقت.
في موسم الانتخابات يحجُّ أغلبية النواب والزعماء اللبنانيين إلى القرى، ويجولون في كُلّ الأزقّة والزواريب، يشحذون أصوات المواطنين، يدخلون بيوت الفقراء ويتظاهرون بالتواضع، ويتحدّثون بلطف، وما أن يتمَّ إعلان النتائج، حتى يديرون ظهرهم لأقرب الناس إليهم، فلا يردّون على اتصال، أو على رسالة واتس أب صغيرة، حتى ولو كانت للمعايدة أو المجاملة، فكيف إذا كانت طلباً للمساعدة!!!
وهم يتذرّعون دائماً بكثرة انشغالاتهم وضيق الوقت، مع العلم أنّ المجلس النيابي معطل منذ سنوات، وهم عاطلون عن العمل النافع والمفيد، والوزارات غالباً تصريف أعمال، أو بالأصح تصريف وقت.
يتلقى وليد جنبلاط آلاف الرسائل على هاتفه، وهناك عشرات الآلاف، لا بل ربما مئات آلاف الأشخاص، يعرفون رقم هاتفه الخاص، الذي لم يكن يوماً، خاصاً بل متاحاً لكل صديق وكل محتاج.
لا يُهمل وليد جنبلاط أي رسالة تصله من أي شخص كان، حتى أنه لم يُطفئ في هاتفه على واتس آب خاصية read receipts, كما يفعل بعض المتعمشقين على المسؤولية والمناصب، بل يجعلك تعلم أنّه قرأ رسالتك، وغالباً يرد على الرسائل.
يُدهشك وليد جنبلاط بقدراته، حتى يخالُ إليك بأنه رجل لا ينام!
متابع للأحداث وللعديد من الصحف والمواقع والاخبار العالمية، وقارئ دائم لأحدث إصدارات الكتب، وتراه يختار، يوماً صورة معبّرة، أو مقطع فيديو، أو أغنية، أو حتى فيلماً سينمائياً، يتشاركه مع بعض أصدقائه ومتابعيه، وفي خِضمّ كل هذا، يجد وقتاً كافياً ليتواصل مع جمهوره ومحبيه.
لا تنتهي مفاجآت وليد جنبلاط عند هذا الحد، فقد تجده يقود سيارته بنفسه، قربك على الطريق، ويمكن أن يتوقف في مكان شعبي، وهو على ثقة تامة بقدرته على التصرف كزعيم وكمواطن عادي.
لا ينتظر وليد جنبلاط موسم الانتخابات، ولا هي تُشكّل، معيار علاقته مع الناس. ففي أي وقت، فجأة قد تجده يزور هذا الشخص أو ذاك، من الذين يكنُّ لهم الود والتقدير، وهم طبعاً يبادلونه هذا الحب والوفاء. يعود المرضى، يدخل إلى بيوت الفقراء والمحتاجين، يواسيهم ويساعدهم ويُبلسم جراحهم، فيشعرون بقربه وكأنه واحدٌ منهم.
جاء وليد جنبلاط إلى السياسة دون أن يخطط لذلك، ولم يكن راغباً بها. وكان عليه منذ اليوم الأول، في آذار ١٩٧٧ أن يكتم ألمه وحزنه، ويتغلب على العاطفة، فيُحكّم العقل، ويردع عاصفة غضب اجتاحت أنصاره، بعد اغتيال والده المعلم الشهيد كمال جنبلاط. عاصفة أخذت بدربها أناساً أبرياء، لا ذنب لهم، تحولوا إلى ضحايا رد فعل طائش، وفتنة طائفية، خطط الجناة لإحداثها في الجبل .
بعد أن تخلّى عن النيابة، ها هو اليوم يتخلّى عن رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، طائعا مختاراً، ويُسلّم الأمانة إلى تيمور جنبلاط، ليلقي عن كاهله عبء سنوات طويلة، كان له خلالها مواقف وانجازات، سيفتخر بها حزبه وأنصاره وطائفته لأمد طويل.
استطاع وليد جنبلاط أن يُزيل كل الحواجز، بينه وبين الناس، فجمع شخصية الزعيم والقائد الفذ، مع شخصية المواطن العادي المتواضع، تراه يبادلك الود والاحترام، يغفر يسامح ويعطي دون منّة، وهو القائل : “لن يجوع درزيٌ في لبنان طالما المختارة موجودة”.
لا أحد يستطيع أن يكون كوليد جنبلاط، فهو رجل استثنائي بكلِّ المقاييس، ولذا فإن حُبه استثنائيٌ، في قلوب أصدقائه ومناصريه، خاصةً من عاشره منهم عن قرب.
يترك وليد جنبلاط اليوم رئاسة حزبٍ قاده وحمل رايته مدة 23 عاماً في القرن العشرين، ومثلها في القرن الواحد والعشرين، فاسحاً المجال أمام تيمور وجيل الشباب للتجديد، واستكمال مسيرة النضال، مُعطياً المَثل والمِثال في التخلي عن الألقاب والمناصب، أولاً لرفاقه في الحزب، وثانياً لكل السياسيين في لبنان، وهو يعلم جيداً أن من يسعى إلى منصب، فالمناصب زائلة، ومن يعمل للمبادىء، فالمبادئ باقية لا تزول.
إن استقالة وليد جنبلاط من رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، لا تعني أنه ترك رفاقه ومحبيه، بل هي خطوة نحو المستقبل، وسيبقى في قلب الحدث وقرب رفاقه وأهله، فلن تجدوا من هو أكثر من وليد جنبلاط، وفاءً وتقديراً لتضحيات رفاق الدرب. وقمة الرُقي والتواضع تجسّدت في قوله نهار الأحد الماضي إلى نجله تيمور: “الرفيق الرئيس تيمور الكلمة لك”
يقول أنصاره: هذا هو سرُّ وليد جنبلاط نحفظه في قلوبنا، فلا تسألونا لماذا نحبه.