شمعة ابداع محلي عالمي تنطفئ برحيل فلاح ابراهيم

النشرة الدولية –

تتجدد مرارة ولوعة الأحزان في عراقنا الجريح على الفقدان المتواصل لمبدعي العراق من مختلف الأجيال في متوالية من الخسارات التي لا تتوقف، فبينما نودع مبدعاً في مقتبل عمره حتى نودع مبدعاً آخر من جيل الوسط وقد سبقهم مبدعون آخرون من جيل الرواد..

وهاهو الفنان الكبير فلاح إبراهيم يرحل عنا وهو لما يزل في قمة عطاءاته المتنوعة في السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون عن عمر ناهز الواحد والستين عاماً في ديار الغربة، وتحديداً في مدينة اسطنبول التركية، بعد خضوعه لعملية جراحية وتدهور حالته الصحية إثر مضاعفات تعرض لها بعد العملية…

الراحل فلاح إبراهيم لايختلف إثنان على أنه ترك بصمات لا غبار عليها في التمثيل والإخراج والسينوغرافيا ستظل راسخة على مر الزمن، لما تميزت به من أصالة وحضور وتأثير في صورها الإبداعية المتنوعة حيث كان العشق لفن التمثيل ديدنه ويلاحقه من أيام صباه، ومنذ أن حط رحاله في ساحات الفن عام 1977 سعى الى صقل موهبته الفنية بالدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة، إذ تتلمذ على أيادي كوكبة من عمالقة الإبداع المسرحي العراقي الذين لا يشق لهم غبار، ليصبح الإبن الشرعي لهذه الكوكبة حين سار على نهجهم وثباتهم على مبادئهم وإصرارهم على تأكيد وترسيخ وتعميق حضورهم دون أن تعيقهم تلك التحديات المتنوعة وغير المحدودة، ليخرج بحصيلة وافرة من المنجزات الإبداعية، فانشغل في بداياته بالتمثيل وكانت حصيلته في هذا المضمار أكثر من خمسين عملاً مسرحياً، ولم يبدأ تجربة الإخراج إلا في العام 2000 حيث أخرج أكثر من عشرة أعمال مسرحية مهمة ومتميزة، وأنجز عشرين عملاً كمصمم سينوغرافي يشار له بالبنان، ناهيك عن العديد من المشاركات المميزة في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية.

وكان آخر أعماله الدرامية في التلفزيون مسلسل “بنات صالح”.

وتمخضت هذه المسيرة الإبداعية الرصينة عن حصده لعديد الجوائز، كانت أولاها جائزة أفضل ممثل واعد في العام 1988 عن مسرحية “الغوريلا” بطولة الراحل عبد الخالق المختار، وجائزة أفضل مخرج في العام 2000 عن مسرحية “بياض الظل” بطولة شقيقه الفنان يحيى إبراهيم، وجائزة الدولة للمحترفين في العام 2002 عن مسرحية “الهجرة إلى الحب” تأليف الكاتب أحمد هاتف، حيث كان متسلّحاً بمقولة أحد أساتذته البريطانيين: “المخرج الذي لا يحلم، لا يرتقي بالممثل” ليحلق عالياً في فضاءات الإبداع، لاسيما حين تولى مسؤولية قسم المسارح في دائرة السينما والمسرح بنجاح مؤسساً لعلاقات أخوية وإبداعية بين فناني الدائرة.

لكن جائزته الكبرى هي التي تحققت عبر مشاركاته المتنوعة في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي عالمي نقلته من المحلية الى العالمية فخاض غمارها وعرف خفاياها وأسرارها وفك شفراتها بوعي ومهنية واقتدار، ونال عن جودة أدائه شهادات من المخرجين الأجانب الذين عمل بمعيتهم بأنه ممثل مهم ومقتدر وعارف بما يؤديه، ولهذه الأسباب وغيرها بات أول ممثل عراقي يحصل على هذا التميز وهذه المشاركة العالمية الفريدة والنادرة في تاريخ الفن العراقي وفي تاريخ نظرائه من الفنانين العراقيين، وكانت أسعد لحظة في حياته عندما إنتهى من لعب دور البطولة في فيلم الديكودراما “معركة من أجل حديثة” وقدموه بطلاً له، وكان أول فيلم سينمائي لفلاح ابراهيم، وهو من إخراج البريطاني نيك بروم فيلد  ويعرض عمليات القتل البشعة لـ 24 مدنياً عراقياً بينهم نساء واطفال قام بها جيش الاحتلال الاميركي في مدينة حديثة العراقية، وتم بثه على القناة 4 في المملكة المتحدة يوم 17 آذار/مارس  عام 2008  والتي شاركت في انتاجه شركة “لافايد” والمخرج ذاته، الذي اختار فلاح ابراهيم بالمصادفة بعد أن أجرى الاختبار على أكثر من مئة ممثل عراقي وعربي، فقد كان ضمن الوفد العراقي المشارك في مهرجان المسرح الأردني في أحد فنادق عمان، وكان وقتها يحضر المهرجان لاختبار ممثلين منه، وقد شاهده وعرض عليه أن يؤدي الاختبار الذي نجح فيه واختاره للتمثيل في هذا الفيلم، ونجح فلاح ابراهيم في أن يقدم الممثل العراقي بالشكل اللائق الذي يستحقه وأثبت أن الممثل العراقي غير بعيد عن العالمية، لاسيما أن الفيلم حقق حضوراً طيباً عند عرضه في مهرجانات دبي والقاهرة وتورنتو وبرلين واسبانيا، وأهم نجاح حققه الفيلم كان في لندن لأنه عرض لأكثر من شهر في صالات العرض السينمائي وعرض كذلك في لوس أنجلوس.

كما خاض فلاح ابراهيم تجربة المشاركة في الفيلم الإيطالي “زهور كركوك” الذي تدور أحداثه حول قصة حب بين شاب كردي وفتاة عربية بين روما واربيل تجمعهما ظروف العراق في الثمانينيات بإيطاليا.

والفيلم من إنتاج ايطالى وإخراج فاريبورز كمكارى، ولعب فلاح إبراهيم أحد أدوار البطولة الى جانب الممثلة المغربية الفرنسية مورجانا علاوي، والممثل التركي إرتم إسر، والممثل المصري أشرف حمدى، والممثل التونسى محمد زواوى، والممثلة الهولندية المغربية مريم حسونى، بالإضافة إلى النجم الفلسطيني محمد بكرى ضيف شرف الفيلم.

وتعد هذه التجربة هي الثالثة على المستوى العالمي بعد تجربتين سينمائيتين واحدة إنكليزية المتمثلة بفيلم “معركة حديثة”، ومسرحية أميركية بعنوان “حكاية جندي” التي عرضت في مسرح “أولد فيك” حيث كان معه في العمل كل من الفنانين العراقيين ضياء الدين سامي وعلاء حسين.

كما اشترك في مسرحية “ألف ليلة وليلة” من تأليف الكاتبة اللبنانية حنان الشيخ، وإخراج المخرج البريطاني تيم سابل، وانتاج شركة داش ارت، وتمثيل مجموعة من الممثلين من عشر جنسيات ومثل فيها ببراعة تامة 14 شخصية بين رئيسية وثانوية، ليقدم أنموذجاً راقيا للفنان العراقي ومثالاً إبداعياً يعبر بقدراته الذاتية الإبداعية الأصيلة من المحلية الى العالمية..

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى