الشيخ أحمد الفهد.. أحضان الرياضة وأشواك السياسة
بقلم: عبدالله بشارة
النشرة الدولية –
في الأسبوع الأول من فبراير 1991، كنت في الرياض في مكتبي في الأمانة العامة لمجلس التعاون، عندما اتصل بي المغفور له الأمير فيصل بن فهد رئيس رعاية الشباب في المملكة العربية السعودية، يستفسر عن صحة الأخبار عن استشهاد الشيخ فهد الأحمد الجابر، في الكويت، كان جوابي التأكيد على صدق الخبر عن وفاته التي حدثت عند أبواب قصر دسمان برصاص من مجموعة عراقية متجهة إلى داخل القصر، فجاء رد الأمير فيصل بأنه سينشر في الصحافة السعودية عزاء للأسرة وللكويت وللرياضة في الخليج وآسيا، ثم طلب مني عقد اجتماع طارئ لرؤساء اللجان الأولمبية في دول مجلس التعاون لتأكيد اختيار ابنه الشاب الرياضي أحمد فهد الأحمد ليكون مرشح الخليج ليترأس اللجنة الأولمبية الآسيوية..
ولكي لا يضيع الوقت، اتصلت في الحال بالشيخ عيسى بن راشد آل خليفة في البحرين، والشيخ سعود آل ثاني في قطر، وأحمد بوحسين في الإمارات، والسيد الغامري في السلطنة، واتفقنا على الاجتماع في منتصف شهر فبراير في مقر الأمانة في الرياض.
جاء الشيخ أحمد الفهد إلى الرياض، بالتصميم على استعداده لحمل العبء الذي اختاره والده، ورغم أن أجواء الاجتماع كانت مشحونة بأحزان لفقدان الشهيد فهد الأحمد، فإن اليقين الجماعي بأن الشيخ أحمد الفهد خير من يخلف والده في مأموريته في آسيا، أدخل الارتياح لأجواء اللقاء..
وانتهى الاجتماع بالمبايعة الخليجية الجماعية، وتحولت مسؤولية فوز مرشح الخليج لتكون برعاية الأمير فيصل بن فهد، العارف بالقواعد التي تحمل المرشح إلى الفوز دون جدل، وقادها سمو الأمير فيصل بن فهد بنجاح كمتعهد ملوكي له خبرة واسعة في ممرات النجاح داخل الشبكة الآسيوية.
وباركنا للشيخ أحمد بالثقة المتأكدة من جدارته ولإيمانه بحسن التصرف مع الآسيويين، وبسرعة اتسعت الاتصالات لعقد اجتماع عاجل للجنة الآسيوية، وبحضور خليجي مكثف، تمت المباركة للشيخ أحمد الفهد رئيساً للجنة الآسيوية، وانتقلت حيوية اللجنة من وسط آسيا إلى غربها، حيث استقرت في الكويت، حيث وفر لها الشيخ أحمد مقراً معتمداً جديداً في مجمع خاص في السالمية في شرق مدينة الكويت، مع ضمان دخل لمسار العمل يطمئن الرئيس على متانة ميزانيته.
كان الشيخ أحمد، وسط هذا التحول، واثقاً من النجاح وراسماً خطوات الطموح بهدوء، معتمداً على أسلوب التدرج في الارتفاع المسالم إلى أعلى المنصات، محافظاً على وقار المكانة التي يشغلها، فلم يتسرع بأسلوب القفز المفاجئ، وإنما مشى بخطوات مرسومة يضع خريطتها شخصياً بمشاركة الأشقاء، ومن أبرز خيوط هذه الخريطة الوجود القوي داخل نادي القادسية الرياضي، الذي تولى قيادته الشقيق الشيخ طلال، الذي يحمل مؤشرات واسعة في فضاء الطموح، ويتناغم مع ما يفكر فيه الأخ الأكبر الشيخ أحمد الفهد.
ومن الملاحظ بأن الشقيقين، أحمد وطلال، التزما بطيب المفردات في التعامل وبنغمات التواضع في التواصل مع الحفاظ على الحميمية الدائمة مع المساعدين والمقربين، ليس مع الكويتيين المقربين فقط، وإنما ظل هذا النهج لصيقاً مع مساعديه الآسيويين ومع رجال الرياضة في القارة الآسيوية.
قابلته في إطار الاجتماعات الرياضية لمجلس التعاون، حيث ساعدته طباعه في نيل الاحترام من الآخرين، كما كانت روحه المرحة عاملاً إيجابياً في تقدير المجتمعات له، ليس في الرياضة فقط، وإنما في جميع المواقع، وليس في الكويت وحدها وإنما في كل مكان يوجد فيه.
كانت خطواته في سكة الطموح الذي تسيده فيها الكثير من النعومة على عكس والده المرحوم الشيخ فهد الأحمد، الذي كان دائماً على عجلة في خطواته، كما كان يعبر عن مواقفه بأدب خالياً من تأثيرات الأحلام التي كانت تداعبه في كل درب من دروب حياته، فوضع خريطة عمل أهمها الحفاظ على مقعده الذي تحول إلى موقع الانطلاق تجاه الرياضة ومحطات السياسة، فجاء وزيراً للإعلام في فبراير 2001، وكنت من الذين ارتاحوا لاختياره.
جاء اختياره لوزارة الإعلام انعكاساً لعلاقاته الواسعة مع الشباب الكويتي، واتساع اتصالاته الاجتماعية وتفوقه في بناء صداقات مع مختلف ألوان المجتمع الكويتي ولقدرته على استحضار الحميمية مع الآخرين، وكان، رغم ارتفاع أمواج طموحاته، إلا أنه كان قادراً على تطويقها وصد آثارها، وكان أيضاً شاطراً في كتم أنفاس ذلك الطموح وإبقائه صامتاً إلى أن يحين انطلاقه.
صار الشيخ أحمد الصوت القوي للشباب الكويتي، عارفاً بما يريد، ودارساً لما يحتاج، وأصبح وفق تقديرات الرأي العام الكويتي، المؤتمن على تحقيق أحلام الشباب، والجسر الآمن بين هؤلاء الشباب وبين القيادة العليا.
كان أداؤه كوزير للإعلام خلال عامي 2001 – 2003 خالياً من التأزمات، كان واعياً لضرورة الحفاظ على حرية التعبير والانفتاح على المستجدات الفكرية وتقليص الممنوعات من المطبوعات، كان وزيراً ناجحاً يملك الكاريزما الاجتماعية، محافظاً على المقام، موجوداً في مختلف الساحات الكويتية، ومتفاهماً مع التنوعات السياسية والاجتماعية، ويراعي في ذلك حساسية الرأي العام الكويتي.
تخلى عن الإعلام متنقلاً إلى وزارة الطاقة التي جمعت النفط مع الكهرباء، كان ذلك في عام 2003، وظل وزيراً لها حتى عام 2006، حيث لم يسلم من سهام الاستجوابات، فكان التباعد مع تقديم استقالته، وكثرة الاتهامات بمؤشرات بأنه رجل تأزيم، وغاب عن المشهد السياسي ثلاث سنوات ويعود في شهر مايو 2009، نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد، وزير الدولة لشؤون الاسكان، وزير الدولة لشؤون التنمية، ويواصل نشاطه في ترابطه مع خيوط الرياضيين في مختلف اللعبات والأندية، وتمكن الإشارة إلى أن الرياضة بدأت تتعرض لتموجاته السياسية وبالطبع لم يكن نادي القادسية محصناً منها.
ظهرت مؤشرات التغيير في حياته في عام 2011، مع تصاعد التباعد في الاجتهادات، ويرتفع ضجيج الصواعق في خلافات سياسية مع بعض المراكز مع تراكم الإشاعات، ومع التحليلات حول الأهداف السياسية التي يريد الوصول إليها.
ومثل الآخرين، لم أتوقع تصميمه على العبور من ذلك التلاطم السياسي الإعلامي، مع بعض التجمعات المؤثرة، وتذكرت قدرة الإنسان على التناغم مع التبدلات، وكان أمامي الملك سيهانوك، ملك كمبوديا، الذي لم يرض بملكية دستورية، وصار أميراً يتولى رئاسة الوزارة، ثم وقع في خلافات أبعدته لسنوات في بكين، وفجأة يعود ممثلاً لكمبوديا في مجلس الأمن، في الوقت الذي كنت فيه ممثلاً للكويت، وانخرط في صدام مع ممثل موسكو، منتقدا سلوكه بأسلوب ساخر، ودعاني للقاء خاص لبحث قضيته، واستمعت له مبهوراً بمرونة عظامه، وقدرته على ترويض المخاطر، وأقدر أن أقول بأن الشيخ أحمد الفهد من أفضل مروضي مخاطر السياسة.
في يوم 21 يونيو 2023، يعود الشيخ أحمد الفهد نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للدفاع، بعد اثنتي عشرة سنة من الغياب، واستمع إلى نبرات صوته في حلف اليمين، واثقاً من مستقبله، ومتأكداً من قدرته على ترويض العواصف.