لطفًا لا أمرًا؟!
بقلم: د. بشار جرار

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية –

يمر علينا بين الحين والآخر صديق افتراضي ينهي منشوره أو تغريدته بعبارة «لطفا لا أمرا» يريد بها حثنا على تلبية رغبة تتراوح من إعادة نشر منشوره إلى ضغط زر الاشتراك وتفعيل الجرس!

والناس في هذا الأمر فريقان: مطاوع يقول لم لا، فلن أخسر شيئا! وفريق أكثر حيطة وحذرا، يتساءل وما مكسبي أو مجازفتي بذلك، بل ما لي وشأنه؟ أقرّ أنني من فريق آخر مختلف كليا، أختار التريّث علّ في بعض التعليقات ما قد يأخذنا جميعا إلى اتجاه آخر لا لطف فيه بتاتا!

جميل أن يفترض الناس التعاون، والأجمل حسن الظن بالاستجابة. لكن أقوى أدوات الاستجابة تتمثل دائما إما بالمثال أو العائد. بمعنى القيادة بضرب المثل سلوكا لا قولا، عملا لا تصريحا ولا تلميحا. وقدرة ذلك المثال أو صاحبه على توضيح العائد الإيجابي المنفعي الذي سيعود على المستجيب للطلب حتى وإن كان أمرا، الربح ولو كان قليلا!

يحكم السلوك البشري والمخلوقات كافة بما فيها غير العاقلة وحتى وحيدة الخلية، يحكمنا جميعا منطق الربح والخسارة، النفع والضرر وفي ذلك تتجلى حكمة الله ورحمته في خلقه كافة.

وكما تأبى النفس البشرية، الحرة بالفطرة، الجبر والانقياد، تنقاد عن طيب خاطر وتصبو إلى النور إلى كل فكرة نورانية إلى كل فكر متنور تتم الدعوة إليه في النور. تثبت دراسات جرت على البشر والحيوانات لا بل وحتى النباتات، انجذابها للنور وللضوء وللدفء إلا من جبلت طينتها «جيناتها» على غير ذلك ضمن ترتيب إلهي رباني محكم بعمارة الكون وفلاحة الإنسان -الذي سخرت له الأشياء كلها- فلاحه في الأرض وتعميرها وإعمارها.

في حياتنا الشخصية والمهنية، ثمة ميادين وساحات أهم من المنصات (التواصل الاجتماعي) والمساحات (التشات)، هناك هو «الميدان يا حميدان».. حميدان يأمر ويمون إن اعتمد تلك الآلية بالقيادة بالمثال.

لطالما سمعنا وطربنا لوصف البعض للبعض الآخر بأن فلانا ذو شخصية قيادية. خير وبركة. فماذا نحن فاعلون؟ أضعف الإيمان دعمه وعدم التشويش عليه، فما بالكم بالتنمّر. وليت المتنمرين قياديون عرفنا ميادينهم أو تعرفنا على تابعيهم بمن فيهم الحامدون الشاكرون لهم.

التسحيج كما يقال أو التطبيل أمر ممجوج، وأكثر المتضررين منه والرافضين له هم المستهدفون نفاقا -خوفا أو طمعا.. لكن الإنصاف يقتضي محاربة ظاهرة لا تقل تدميرا للمعنويات العامة وليس فقط اغتيالا للشخصيات العامة، تلك هي ظاهرة التنمّر والتي كرست لها مقالات عدة على منابر عديدة ربطت بينها كثقافة وكسلوك وبين التندّر فالتذمر.. لا براءة أبدا في أي من تلك الدرجات التي تفضي إلى بعضها بعضا ولا تخلّف إلا انعدام الثقة وتبديد ما تبقّى من رصيد المحبة والاحترام بين الناس، الناس أجمعين.

فأمرا لا لطفا، يجب أن يتم نهر -وتعزير إن لزم الأمر- كل تلك الأصوات المسيئة للفضاء العام باستلطاف نفسها وكأن في الأمر استخفافا بالأمر أو بالناس. من يسيء الأدب يسيء الظن بنا جميعا، وصدق عبدالله بن المقفّع القائل: من أمن العقوبة أساء الأدب.. قالها -رحمنا وإياه الله- في ترجمته إلى العربية من الفارسية «كليلة ودمنة»، وحديثه كان عن الأفعى!

زر الذهاب إلى الأعلى