كاساريس الجميلة والتلوث البشع
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لقد علقت في ضميري، منذ طفولتي، الرؤية القاتمة لعمال المياومة. رأيتهم يسيرون جوعى في شوارع المدينة، يخلطون بين عذابهم وعذاب فترة ما بعد الظهر، خصوصاً في فصل الشتاء.

«بلاس أنفانتي»، من كتاب «الأندلس المثالي» (1915).

***

نصحني صديقي فيليب، وأنا في أسبانيا، بزيارة مدينة كاساريس، Casares، الجبلية القريبة من إستيبونا، والتابعة لبلدية ملقا، من مقاطعة أندلوسيا، التي تتمتع بالحكم الذاتي.

اكتشف الفينيقيون كاساريس، ثم جاء بعدهم الرومان. وقيل إن يوليوس قيصر، الذي أعطى اسمه للمدينة، عُولج في مياهها المعدنية الشهيرة من مرض الكبد الذي كان يشكو منه.

جذبني وزوجتي جمال المدينة، بشوارعها الضيقة والمتعرجة، ومقبرتها الفريدة والساحرة التي تقع في أعلى نقطة فيها. كما لفت نظري وجود سياح في شوارعها، وموقف سيارات من 5 طوابق، وتساءلت عن السر وراء كل ذلك؟

تبين بالسؤال أن لهذه المدينة الناعسة على جبل صغير، القليلة السكان، والتي لا ترتفع عن البحر أكثر من 435 متراً، أهمية عاطفية للأندلسيين، فهي مسقط رأس ومدفن ومتحف المفكر والكاتب الأندلسي والسياسي بلاس أنفانتي (1885 ــ 1936)، والذي وقع في غرام حضارة العرب والمسلمين في بلاده، فسعى إلى تحقيق حلم استقلال الأندلس عن أسبانيا، وجعلها مرتبطة ثقافياً وفكرياً مع دول المغرب، وهذا دفع الدكتاتور فرانكو، خلال الحرب الأهلية الأسبانية، إلى القبض عليه وإعدامه رمياً بالرصاص في أغسطس 1936، لكن ليس قبل أن ينجح في وضع بذرة تميّز المنطقة عن بقية أسبانيا، وحصولها تالياً على الحكم الذاتي.

قصة حياة بلاس جديرة بالقراءة، فبعد انتهاء دولة الإسلام، عاش الأندلسيون، أو الموريسكيون، حياة صعبة جداً على يد رجال محاكم التفتيش، لكنهم ظلوا متمسكين بحقوقهم، وثاروا على السلطات الأسبانية عام 1568، وانتهت ثورتهم بالفشل بعد ثلاثة أعوام، لكنها كانت كافية لوضع الأمور في مسار مختلف، وبعث الروح الأندلسية من آن لآخر على مدار القرون، لتشكل الهوية الأندلسية الجديدة، البعيدة عن الإسلام، لكن المختلفة عن باقي أسبانيا، فهي أندلسية قبل أن تكون أسبانية!

فيا زائري ماربيا، لا تنسوا زيارة كاساريس.

***

تجمع جهات عدة، ومنها السفارة الأميركية، على ارتفاع نسبة التلوث في جو الكويت، وتحذّر مواطنيها، بين الفترة والأخرى، من الخروج من البيت إلا للضرورة. كما تضع مؤشرات عالمية الكويت بين الدول العشر الأكثر تلوثاً في العالم، ولا تسبقنا في ارتفاع نسبة تلوث الهواء إلا تشاد والعراق وباكستان والبحرين. كما أن نسبة التلوث في الهند ومصر وطاجيكستان أقل منا!

تركت الكويت لماربيا قبل شهر تقريباً، وكان ذلك كافياً لشعوري بتحسّن صحتي، حيث ساعدت نظافة الهواء، مقارنة بالكويت، في قلة شخيري، كما قلت نسبة المخاط لدي ونسبة جفاف الفم، وأصبح بإمكاني المشي لمسافات أطول، كما قلت حساسية الجلد لدي بشكل ملحوظ.

مع كل هذه التحذيرات والمخاطر الصحية الحقيقية في الكويت، لم تتحرك لا وزارة الصحة ولا البيئة، لكشف حقيقة الأمر، وهذا بحد ذاته جريمة، علماً بأن هناك عقوبة كبيرة لمن ينشر أخباراً غير صحيحة عن الطقس، لكن لا أحد يعاقب الجهات المعنية على سكوتها عن بلوغ التلوث هذه الدرجة الخطيرة. كما لم أسمع عن أية جهة تقدمت بمقترحات لعلاج الوضع المهترئ لكل هذا الكم من الأبخرة والسموم التي تطلقها مداخن عشرات المصانع ومحطات توليد الكهرباء، وتكرير النفط، وتقطير المياه، وكل ذلك ضمن كيلومترات قليلة!

وإلى مقال الغد.

Back to top button