هل يخشى بوتين ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية وكيف خدمه بريغوجين؟
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –
يجد كثير من المحلّلين السياسيّين صعوبة في اضفاء جديّة على قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي بملاحقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية في اوكرانيا.

لا يعود سبب هذه الصعوبة الى قناعة ببراءة بوتين أو نظرًا الى قوته على رأس النظام الذي يحكم هذه الدولة العظمى، بل الى شكوك كثيرة وكبيرة في فاعليّة “العدالة الدولية” حيال المدعومين والأقوياء. وهذا مبرّر، بكثير من التجارب…المرّة!

لكنّ بوتين نفسه لا يقاسم هؤلاء رأيهم ، وهو يرى تتابع الاجراءات في لاهاي الخاصة بملاحقته، لأنّه من خبرته الطويلة، يعرف عن كثب أنّ فاعلية العدالة الدولية لا تتضاءل مجّانًا بل بعد ثمن كبير يدفعه المستهدَفون بالملاحقة، الأمر الذي من شأنه تهميشهم في صناعة القرار الدولي، بكل الاحوال، لأنّه، في حال استمرت ملاحقتهم بهتت قيمتهم، وفي حال دفعوا الثمن تضاءلت مواقعهم.

وثمّة من يعتقد، في ضوء مواقف وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف، في أوّل اطلالة له بعد انتكاسة “ثورة فاغنر العابرة”، أنّ القيادة الروسية تأخذ الملاحقة القضائية الدولية لبوتين على محمل الجد، اذ إنّ لافروف، مستفيدًا من صراع بوتين مع “طباخه السابق” يفغيني بريغوجين، “فتح سيرة” ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لبوتين، ساخرًا من اتهاماتها ومذكرة التوقيف التي أصدرتها.

واذا كان البعض يعتبر أنّ بوتين باعترافه أنّ الدولة الروسية قدمت التمويل الذي كانت تحتاج اليه “فاغنر”، يكون قد تبنّى جرائمها “الموصوفة” بأنّها جرائم حرب، من جهة وجرائم ضد الانسانية، من جهة أخرى، وبالتالي قدّم الأدلّة الضرورية ضد نفسه، اذ إنّ “الاعتراف سيّد الأدلّة” في هذا النوع من الجرائم وما تقتضيه من مسؤوليات هرمية، فإنّ خبراء القانون الدولي يعتبرون أنّ بوتين، بقرار حل “فاغنر” الذي أدّى الى تمرّدها “على عينك يا تاجر”، ولو لساعات، قدّم الأدلّة على براءته من كل ما ينسب اليها من جرائم ضد الانسانية.

كيف ذلك؟

وفق تسلسل المسؤوليات في الجرائم ضد الانسانية فإن الرئيس مسؤول عن أفعال مرؤوسيه، اذا كان هناك دليل على أنّه أعطاهم أمرًا بارتكاب جرائمهم، أو إذا عرف بأمر ما اقترفوه من جرائم ولم يحرّك ساكنًا ضدهم وتركهم يمعنون في ارتكاباتهم.

واذا كان يستحيل اثبات “الأمر التسلسلي”، فمن السهل أثبات عدم تحرك الرئيس ضد مرؤوسيه “المجرمين”.

في حالة بوتين و”فاغنر” عمومًا وبريغوجين خصوصًا، فإنّ التطورات التي أعقبت قرار بوتين حلّ هذه الميليشيا الروسية، سمحت للرئيس الروسي بأن يقدّم أدلّة علنية لا يمكن دحضها، في حال اضطر للدفاع جنائيًّا عن نفسه، بأنّه، عندما أصبح متأكدًا من “انحرافات” فاغنر ورئيسها تحرّك بقوة وجرّ على نفسه تمرّدًا مكلفًا!

وهذا يعني أنّ بوتين، سواء خطط لذلك أو لم يفعل، فصل مسؤوليته الجنائية عن كل ما ما هو منسوب من جرائم الى “فاغنر”، وبالتالي أضعف، وقائيًّا، الدوافع التي وقفت وراء انطلاق الملاحقة بحقه.

وبوتين مثله مثل أي زعيم اختار “أحاديّة القيادة”، يعرف أنّ سلطته ليست أبديّة، وبأنّ ما هو مضمون اليوم قد يكون مجرّد سراب، غدًا، وبالتالي، فإنّ الحصانة التي توفّرها له قوته اليوم قد تنتهي ، غدًا، اذا ما تعرّض، في غفلة منه، لانقلاب سبق أن عانى منه بعض من طاردتهم العدالة الدولية، سواء كانوا من أصدقائه في يوغوسلافيا السابقة أو ممّن دعمهم في السودان.

وعليه، فإنّ الاعتقاد بأنّ بوتين يحارب على جبهة المحكمة الجنائية الدولية ليس خائبًا، وهو، اذا كان من الصعب ان يحقق الانتصار المنشود في اوكرانيا، لن يستكين لهزيمة محتملة في …لاهاي!

زر الذهاب إلى الأعلى