“تيك توك” فرنسا:من تحديات كسر البيض..إلى تحدي إحراق المدينة

النشرة الدولية –

المدن – نور عويتي –

عندما يحلّ الليل، تبدأ عروض البث المباشر المرعبة في منصة “تيك توك” في فرنسا، يصورها مراهقون يتجولون في الشوارع التي فُرض فيها حظر التجول، ويعيثون فساداً، فيحرقون السيارات ويدمرون المحلات التجارية.

الأمر يبدو أشبه بحلقة من مسلسل Black mirror. فالمَشاهد التي نتابعها في “تيك توك”، لا يمكن أن نصفها سوى بأنها تجسيد واقعي لمخاوفنا من التكنولوجيا، التي تستفحل مع تزايد فيديوهات البث المباشر التي ينشرها مراهقون يطلقون التحديات بين بعضهم البعض، ولكن ليس لكسر البيض على رؤوسهم كما كانوا يفعلون من قبل، وإنما لحرق المدينة.

الحكاية بدأت مع مقتل الشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، نائل، الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، على يد أحد رجال الشرطة الفرنسية، لتجتاح الشوارع الفرنسية موجة من الاحتجاجات السلمية عقب الحادثة، سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب وعنف سادت شوارع المدن الفرنسية ليلاً. ورغم أن المحكمة الفرنسية وجهت تهمة القتل العمد للشرطي الذي أطلق النار على نائل، إلا أن ذلك لم يكن له دور فعال في التهدئة.

بمراقبة التحديات وعروض البث المباشر في “تيك توك”، يُلاحظ أن معظم المشاركين في أعمال الشغب، مراهقون لم يبلغوا الثامنة عشرة من عمرهم بعد، وأنه ليست لديهم أي مطالب حقوقية، ولا يظهر انتماؤهم لأي تيار سياسي في البلد؛ بل إن غالبيتهم لا تبدو متأثرة حتى بمقتل الشاب نائل، بل يبدون ميالين للاستعراض أمام الكاميرا ومتابعيهم في “تيك توك”.

المتابعون من خلف الشاشات، يساهمون بشكل مباشر أيضاً في عمليات التخريب؛ فالبعض منهم يملي على أبطال المشهد الموجودين في الشارع مجموعة من المهام التخريبية، فيطلبون منهم إحراق سيارات المدنيين، أو تدمير متاجر معروفة بالمدينة وسرقتها، أشهرها ربما كان تدمير متجر “زارا” في العاصمة باريس، حيث تم توثيق الحادثة بعدسات القنوات الفرنسية أيضاً.

كما يطلقون تحديات لابتزاز رجال الشرطة من خلال رميهم بالمفرقعات النارية، والاشتباك معهم. وعندما يتم تنفيذ المهمة، يقوم المتابعون بإرسال “ستكيرز” الهدايا عبر التطبيق، والتي تساوي مبالغ مالية كبيرة في بعض الأحيان.

الأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية الفرنسية، يوم الأحد، تؤكد خطورة الموقف. فحصيلة الأضرار بعد خمسة أيام على مقتل نائل، بلغت 4576 سيارة محروقة، و946 مبنى متضرراً، و567 شرطياً جريحاً، كما تم القبض على 3160 شخص أثناء أعمال الشغب.

وقد وجهت الشرطة الفرنسية تعليماتها قبل أيام إلى الأهالي في فرنسا، لتحثهم على مراقبة أولادهم وإبقائهم في المنزل ليلاً، في الساعات التي تكثر خلالها عمليات الشغب، وذلك بعدما قامت الشرطة باحتجاز ما يقارب 900 شخص خلال الاحتجاجات في البلاد، وكان ثلث المحتجزين أعمارهم أقل بكثير من السن القانونية.

إلا أن تلك التعليمات لاقت رداً غير متوقع، فظهرت حملات جديدة في “تيك توك” تدعو الشباب إلى التنكر بملابس الشرطة خلال عمليات التخريب، إضافة إلى تقديم نصائح مختلفة حول كيفية شراء هذه الملابس من المتاجر الإلكترونية، إضافةً إلى إطلاق تحديات لسرقة ملابس الشرطة! وكان الوضع في طريقه ليصبح أكثر خطورة، عندما قامت مجموعة من الشباب في مدينة مرسيليا بالسطو على متجر لأسحلة نارية وسرقة بنادق الصيد.

خطورة “تيك توك” في الأحداث الفرنسية، دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى فتح تحقيق في دور وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض على العنف، إضافةً إلى ذلك طلبت الحكومة الفرنسية من تطبيق ” تيك توك” حذف الفيديوهات الحساسة التي تستعرض أعمال عنف في الشارع، وتحديد المستخدمين الذين يستخدمون التطبيق للدعوى إلى العنف والفوضى. لكن “تيك توك” لم يفرض، حتى اليوم، أي ضوابط، وما زالت تُطلق عبره التحديات العنيفة، ولم تُحظر فيديوهات البث المباشر لمرتكبي أعمال الشغب، وما زال الشباب متقدمون بخطوات على الحكومة من خلال إخفاء هوياتهم الحقيقة عبر تلك المنصات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى