أبو فهد.. ستعود موفور الكرامة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
أية دولة تحترم عقول مواطنيها تتصرف بحكمة وعناية بكل ما له علاقة بمواردها، وتحرص على التيقن من صحة وطبيعة كل ما يصرف من المال العام. والدولة، كأية شركة محترمة، لها مكتب يدقق حساباتها ويراجع مصاريفها ويضع ملاحظاته على كل عملية صرف، ويتم التيقن من أن ما يتم إنفاقه يتصف بالكفاءة الاقتصادية والقانونية، بعيداً عن سوء الاستخدام. وعندما تعزل الشركة، أو الدولة، مدقق حساباتها، من دون سبب واضح ومعروف، تنهار سمعتها وتدور الشكوك حول الهدف من العزل، وأن أموراً مالية خطيرة يراد التغطية عليها، أو أن ما يراد صرفه مستقبلاً سيصبح صعباً، بوجود المدقق أو المراجع الحالي!
***
قدّم رئيس ديوان المحاسبة، ذراع الأمة في التدقيق على مصاريف الحكومة، السيد فيصل الشايع، كتاب استقالته إلى رئيس مجلس الأمة. ويشاع بقوة أنه أجبر عليها، من دون أن يكون هناك ما يدينه، أو نتيجة تقصير منه، ولو وجد لكان من الضروري عزله وتقديمه للتحقيق أو المحاكمة.
قرأت نص استقالة السيد الشايع، وتألمت بالفعل من مضامينها، ومن كم الشعور بالظلم الذي شعر به وتعرّض له، لغير سبب منطقي، حيث ذكر حرفياً: «.. بعد أن ساءت النوايا وانحرفت المقاصد، وبات بنيان ديوان المحاسبة، الذراع الرقابية الدستورية لمجلس الأمة، مهدداً بالتحطيم والتخريب، تحت سندان السياسة المتطرفة ومطرقة المنفعة الخاصة، وهنا تتضاعف مسؤولياتي الوطنية، فلا بد من أن أقرع جرس الإنذار، فإن كانت الاستقالة من منصب رئاسة الديوان ضرورة لتصحو بها الضمائر الوطنية دفاعاً عن جهاز الشعب لحماية أمواله، فأنا أضعها اليوم أمامكم، لعل فيها تنبيهاً قبل أن يفوت أوانه..!».
***
كان لافتاً الموقف السلبي الذي وقفه سعادة رئيس مجلس الأمة من الاستقالة، وهو الذي طالما شدد على احترامه للشخصيات الوطنية، ذات الإرث السياسي النظيف، لكن يبدو أن حساباته الشخصية ربما تغلّبت على حسابات تاريخه السياسي! إن الاستقالة المسببة التي تقدّم بها رئيس الديوان تفضح طبيعة المرحلة القادمة، وتنذر بأمور سنندم غالباً على سكوتنا عنها، كما سكتنا عما قبلها وما بعدها. ونذكر بالتحديد الظروف التي مرت بها استقالة النائب العام السابق ضرار العسعوسي.
إن الدفع باستقالة أو إقالة رئيس ديوان المحاسبة – إن صحت الإشاعة – يعني أننا مقبلون على فترة مختلفة، غارقة في السياسة، وأبعد ما تكون عن الاحتراف والدقة في تنفيذ الواجبات الملقاة على كاهل كبار رجال الدولة. فالخلاف السياسي، الذي تمت الاستقالة على أساسه، سيسود غالباً، ويشمل كل أعمال الديوان مستقبلاً، وهذا ما لم تعرفه الكويت منذ تأسيس الديوان، قبل ستين عاماً.
أعرف ما يكفي عن السيد فيصل فهد الشايع، وأدرك تماماً مدى وطنيته ونزاهته، وفوق ذلك كفاءته، كسياسي وإداري ونائب سابق، لكن يبدو أن عليه اليوم أن يدفع ثمن مواقفه الوطنية السابقة في مجلس الأمة، وانتقاداته لبعض رموز المرحلة الحالية، وهذا أمر يدعو إلى الحزن والأسى على مستقبل وطننا الصغير والجميل!
فيصل الشايع لم يخسر الكثير، بل خرج من الديوان مرفوع الرأس، موفور الكرامة، بل نحن الذين خسرنا الكثير باستقالته، وربحت جهات ربما لا تريد الخير لهذا الوطن.
كما رسخت الإقالة أو الاستقالة مبدأ خطيراً، يتمثل في أن من حق مسؤولي كل مرحلة سياسية أن يأتوا بمدقق أو رئيس ديوان محاسبة يمثل فكرهم، وهذا يمثل انحرافاً كبيراً في العمل البرلماني، وتعدياً صارخاً على طبيعة عمل الديوان، الجهة الرقابية التي لها كامل الاستقلالية، ويبدو أننا مقبلون على مرحلة انتهت فيها تلك الاستقلالية، ربما إلى الأبد!