حصار تعز.. الملف الإنساني الأبرز منذ ثمان أعوام في اليمن 

أحياء تعز السكنية أشبه بغابة تغطيها الأشجار ويحاصرها الموت.. وإنهاء معاناة سكانها الأربعة ملايين أولوية ملحّة

يعد ملف حصار تعز أهم الملفات الإنسانية في اليمن، كونه يمثل معاناة ومأساة قرابة 4 ملايين نسمة، رغم ذلك تكتفي الأمم المتحدة بالتصريحات والادانات الغير مجدية، والتي جعلت سكان المدينة يشككون بمصداقية القيم والمبادئ الإنسانية التي تنشدها وتدعي أنها تدافع عنها.

مع بداية الصراع في اليمن ونتيجة للمواجهات العسكرية بين طرفي الصراع، قُسّمت مدينة تعز – أكبر المدن اليمنية من حيث عدد السكان- إلى جغرافيتين مختلفتين، إحداها تسيطر عليها القوات الحكومية (المعترف بها دوليا) وهي المساحة المحاصرة والمتمثلة بمديريات وسط المدينة، فيما الجغرافية الأخرى تقع تحت سيطرة قوات أنصار الله الحوثيين، والتي من خلالها تتصل المدينة بجميع محافظات الجمهورية اليمنية.

ثماني سنوات منذ أن أغلقت الشوارع الرئيسية للمدينة بالألغام ونصبت القناصة على المرتفعات والمباني المطلة عليها، تتربص الأماكن المفتوحة، لتتحول الأحياء السكنية المتاخمة للمنطقتين إلى أشبه بغابة تغطيها الأشجار ويحاصرها الموت.

بحسب إحصائية خاصة حصلت عليها من المركز الإنساني لحقوق الإنسان فإن أعمال القنص في محافظة تعز منذ بداية الحرب وحتى نهاية العام 2021، أسفرت عن مقتل (983) مدنيا بينهم (443) طفلا و (180) امرأة و (134) مسنا، إضافة إلى إصابة ( 8996) آخرين بينهم (2245) طفلا و (794) امرأة، و(495) مسنا.

أُجبر السكان في مدينة تعز خلال السنوات الماضية على سلك طريق جبلية بديلة عبر مركبات دفع رباعي، يحتاجون فيها 6 ساعات، كلما اضطروا للتنقل بين شارعين كانت مدة التنقل بينهما لا تحتاج إلى 15 دقيقة مشيا على الأقدام.

لكم أن تتخيلوا حجم معاناة السفر لمدة 6 ساعات عبر طريق ترابية جبلية مزدحمة بالشاحنات والمركبات كونها الطريق البديل الوحيد التي تربط بين شارعين لا تتجاوز المسافة بينهما قبل الحصار سوى بضع دقائق مشيا على الأقدام، فضلا عن حوادث السير التي تتكرر يوميا ويذهب ضحاياها الأبرياء وعن تكاليف السفر التي أصبحت تتجاوز 15$ بدلا من أن كانت لا تتجاوز دولارا واحدا.

وبحسب إحصائيات رسمية خاصة بضحايا طريق “هيجة العبد”،- شريان تعز الوحيد-، فإن الحوادث في هذا الطريق تسببت بوفاة 32 مسافرا، وإصابة 152  آخرين  في 21 حادث سير، فقط منذ 2017م وحتى 2021م.

لم يكن تقييد حُرية التنقل والحركة هو الضرر الوحيد الذي لحق بالمدنيين في تعز جراء الحصار، وإنما برزت عدد من المآسي التي فاقمت من حدة المعاناة، وحوّلت حياة السكان إلى جحيم، ماديا ومعيشيا و إنسانيا وصحيا وخدميا.

ما زلت أتذكّر السنوات الأولى من الحصار، عندما كانت الطريق البديلة أيضا مغلقة بسبب المواجهات العسكرية بين طرفي الصراع، حينها كانت المواد الغذائية والأدوية وأسطوانات الأكسجين تنقل إلى داخل المدينة على ظهور “الحمير” وعلى أكتاف النساء والرجال عبر السلاسل الجبلية الممتدة.

ما يتعرض له سكان مدينة تعز جراء الحصار، أشبه بحرب إبادة جماعية، فإلى جانب قطع الطرقات، حرم سكان المدينة من المياه، كون الآبار التي تغذي المدينة بنحو 80% تقع في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله الحوثيين.

مدير مؤسسة المياه بمحافظة تعز حسن المجاهد أفاد، بأن الحصار الحوثي أدى إلى انقطاع 80% من المياه، التي كانت تغذّي المدينة، إضافة إلى تهالك شبكتي المياه والصرف الصحي”.

وبحسب المجاهد، فقد “كانت تعز تعتمد على آبار المياه الواقعة في الحيمة – الحوبان – حبير -الحوجلة -العامرة – حذران (الضباب)، بعضها باتت على خط النار، مثل: العامرة، وحذران، والأخرى تقع تحت سيطرة الحوثيين”.

وقال” إن “الكمية، التي كانت تنتجها المؤسسة من هذه المصادر بحدود 20 ألف متر مكعب تضاءلت، الآن ننتج فقط 3 آلاف متر مكعب من الآبار الواقعة داخل المدينة، هذا مع إضافة 3 آبار جديدة دخلت الخدمة”.

الحصار قطع حبال الوصل بين المدنيين في مدينة تعز والقاطنين في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين.

قبل أن أكون صحفيا فأنا أحد سكان هذه المدينة، وأحد المتضررين من شبح الموت. هل يمكنني إخباركم أنني مشتاق جدا إلى أمي التي تسكن على بعد نصف ساعة فقط من وسط المدينة حيث أعيش أنا وحيدا، -بتوقيت ما قبل الحصار- لكنني لم أتمكن منذ سنوات من زيارتها بسبب معاناة ومأساة الطريق التي تحتاج إلى أكثر من 6 ساعات إلى جانب المخاطر الأمنية التي قد أتعرض لها فقط لكوني صحفيا.

يحمل ملف حصار تعز الكثير من المآسي ولا يمكن حصرها في مقال أو كتاب، وعلى الرغم من تعدد المفاوضات بين الأطراف اليمنية المتصارعة التي ترعاها الأمم المتحدة إلا أنه ظل غائبا عن اهتمامات الأمم المتحدة بحجم المأساة التي يعيشها السكان.

فيما يلي عرض لأبرز ما مر على اليمن من مفاوضات ومشاورات منذ بدء الحصار على مدينة تعز في العام 2016 وفقا لموقع الجزيرة نت:

مشاورات الكويت 2016

انطلقت في العاصمة الكويتية في 21 أبريل/نيسان 2016، وجرت في أربع جولات وأسدل الستار على أطول رحلة مشاورات في 7 أغسطس/آب 2016، دون نتائج.

جنيف3 – 2018

في 8 سبتمبر/كانون الأول 2018، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث رسميا فشل مفاوضات جنيف بسبب عدم حضور وفد الحوثيين، الذين تذرعوا بعدم الحصول على ضمانات كافية لعودتهم إلى صنعاء عقب انتهاء المشاورات.

اتفاق ستوكهولم 2018

“انطلقت مشاورات السويد بين الحكومة والحوثيين في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، بالعاصمة ستوكهولم، واختتمت في 13 من الشهر نفسه ورغم قصر المدة، فإنه تم التوصل إلى ما سمي اتفاق ستوكهولم الذين تضمن ثلاثة ملفات، إعادة الانتشار في الحديدة، وتبادل الأسرى، وفك الحصار عن مدينة تعز، لكن لم يتم تحقيق أي إنجاز حقيقي في الملفات الثلاثة”. على الرغم من أن ملفي حصار تعز وتبادل الأسرى من أهم الملفات الإنسانية التي يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الضغط على الأطراف لتنفيذها.

اتفاق الهدنة 2022

في الثاني من أبريل 2022، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ موافقة الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله «الحوثيين» على هدنة إنسانية لمدة شهرين والتي تم تمديدها حتى مطلع أكتوبر من العام ذاته وتتضمن الشروط التالية:

– وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض.

– دخول 18 سفينة من سفن المشتقات النفطية خلال شهري الهدنة إلى موانئ الحديدة.

– تشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعياً إلى صنعاء ومنها خلال شهري الهدنة إلى الأردن و مصر.

– فور دخول الهدنة حيز التنفيذ، سوف يدعو المبعوث الخاص الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتنقلاتهم بالاستفادة من الجو الذي تهيَئه الهدنة.

– تعاطي الأطراف مع المبعوث الخاص بشأن مقترحات حول الخطوات القادمة نحو إنهاء الحرب.

خلال الستة الأشهر من سريان الهدنة الأممية تم تنفيذ جميع بنود الهدنة ماعدا ملف حصار تعز الذي ما يزال معلقا حتى الآن وما تزال التصريحات الأممية تتحدث على أنه أولوية بالنسبة لها.

في الثاني من أكتوبر 2022 أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن “هانس غروندبرغ” عدم توصل أطراف الهدنة إلى اتفاق على تمديد الهدنة التي استمرت 6 أشهر وكان المبعوث قد قدم مقترح لتمديد الهدنة شمل:

– دفع رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية.

– فتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى.

– تسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من والى مطار صنعاء.

– ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق.

– وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية

– الالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين.

– الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة.

وظل ملف حصار تعز الإنساني معلقا في كل الاتفاقيات وسط تعنت واضح من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين التي مع كل مفاوضات أو اتفاق تضع اشتراطات تعجيزية مقابل رفع حصارها عن مدينة تعز  وتستخدم ملف الحصار كورقة ضغط سياسية وعسكرية.

يتساءل أبناء محافظة تعز اليمنية عن أسباب الدور الأممي الغير منصف في ملف حصار تعز الذي يعاني منه قرابة 4 ملايين نسمة، على الرغم من أنه الملف الإنساني الأبرز؟

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى