ربع سكان دول النزاعات العربية مصابون بصحتهم النفسية

تأتي المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والتمييز لتفاقم تلك الأمراض التي لا تلقى أي عناية جدية

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

يحذر تقرير لـ”منظمة الصحة العالمية” نشر في مارس (آذار) 2022، بعنوان “الصحّة النفسيّة في حالات الطوارئ”، أنه من بين الأشخاص الذين شهدوا حروباً أو نزاعات أخرى خلال السنوات العشر الماضية، سيُصاب واحد من كل خمسة أي نحو 22 في المئة بالاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب الكرب، أو اضطراب ما بعد الشدة النفسية، أو الاضطراب الثنائي القطب، أو الفصام. كما أن الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية شديدة معرّضون للخطر بالأخصّ أثناء الطوارئ، ويجب أن تُتاح لهم رعاية الصحة النفسية وأن تُلبّى حاجاتهم الأساسية الأخرى.

سوسن مهنا

أنواع المشكلات

ويحدد تقرير “المنظمة” من أنواع عدة من المشكلات الاجتماعية والخاصة بالصحة النفسية في أي طارئة كبرى. المشكلات الاجتماعية، أي: المشكلات الموجودة أصلاً: مثل الفقر والتمييز ضد الفئات المهمّشة. المشكلات المترتّبة على الطوارئ: مثل الانفصال الأُسري، وانعدام الأمان، وفقدان أسباب الرزق، واختلال شبكات النسيج الاجتماعي، وانخفاض درجة الثقة والموارد. المشكلات المترتبة على الاستجابة الإنسانية: مثل الاكتظاظ، وفقدان الخصوصية، وتقويض الدعم المجتمعي أو التقليدي. مشكلات الصحة النفسية: أي المشكلات الموجودة أصلاً، مثل الاضطرابات النفسية من قبيل الاكتئاب أو الفُصام أو تعاطي الكحول على نحو ضار.

وتشير الأبحاث الصادرة من “الكلية الملكية للأطباء النفسيين” البريطانية، إلى أن أعراض الاضطراب النفسي بعد الحروب تظهر بعد أسابيع أو في غضون ثلاثة أشهر، من بينها أعراض فيسيولوجية مثل ألم العضلات والإسهال وعدم انتظام النبض، والصداع واضطرابات في الشهية. وتتزامن الأعراض الفيسيولوجية مع أخرى نفسية تسيطر على المصاب مثل نوبات الفزع والخوف والاكتئاب والقلق والشعور بالذنب، وقد تصل إلى الأفكار والميول الانتحارية.

ماذا عن تأثير النزاعات على النساء والأطفال في المنطقة العربية؟

تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق في العالم تعرضاً للنزاعات المسلحة، وأشدها حساسية وافتقاراً للاستقرار. فقد شهدت تطورات كثيرة في الوضع السياسي في السنوات العشرين الأخيرة وتفاقمت الحروب والنزاعات الداخلية و”الاستعمارات الجديدة”، كالحرب الأهلية في الجزائر، والنزاعات في السودان، والحرب على العراق، وحرب اليمنيين، والحروب والنزاعات في لبنان وسوريا، واستمرار الحرب والاحتلال في فلسطين. ومع تطور التكنولوجيا والآلات الحربية، فإن الضرر الاقتصادي والبشري يزداد فداحة، وبالتالي تتفاقم معاناة المرأة بشكل خاص. وفي الحروب تصعب المطالبة بالتغيير وإعمال حقوق المرأة إذ يحظى الوضع العام ومصير البلد بالأولوية. على رغم ذلك لا تزال المنطقة العربية بعيدة من الأخذ بالمبادئ والحلول التي تضمنتها التشريعات الدولية، على سبيل المثال قرار مجلس الأمن رقم 1325 (المرأة، السلام، الأمن) عام 2000.

ويرصد تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016، والصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان “الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير”، آثار الحرب والنزاع العنيف على الشباب. ويشير التقرير إلى أن المنطقة العربية شهدت خلال العقد الماضي أسرع ازدياد في الحرب والنزاع العنيف، وصارت موطن أكبر أعداد اللاجئين والنازحين في جميع أنحاء العالم، ما ترتب على ذلك نتائج ومفاعيل منها، الآثار في الصحة العقلية، حيث يتّسع انتشار اضطرابات الاكتئاب.

ووفقاً لدراسة نشرها برنامج “العبء العالمي للمرض” عام 2011 أنه خلال عام 2010 عانى من الاكتئاب ما يزيد على خمسة في المئة من الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن الناس يفقدون أكثر من 1.3 في المئة من سنوات حياتهم بسبب الاكتئاب. ويقول تقرير التنمية الإنسانية العربية، إنه بسبب الحروب والنزاعات تتضرر البنية التحتية ما يساعد على انتشار أمراض معدية، بما فيها المستأصلة سابقاً، كشلل الأطفال في سوريا، وتمنع الناس من الحصول على الرعاية الصحية، ما يؤدي إلى ارتفاع في الأمراض غير السارية.

والمشكلة الأكبر وفقاً للتقرير هي أنه تحدث وفيات وإعاقات من انتشار الأمراض المعدية في أعقاب الحروب أكثر بكثير من حدوثها كنتيجة عنف حربي مباشر. ويعود ذلك جزئياً إلى انهيار المعايير الاجتماعية والنظام السياسي أثناء النزاع وبعده. وكذلك، يُضعف الموت الزائد والعجز على نطاق واسع النمو الاقتصادي والتنمية.

ويتابع التقرير أنه يمكن الإلمام بآثار الحرب والنزاع في الصحة من خلال مؤشرات صحية مثل متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومعدلات وفيات الرضع، ومتوسط العمر الصحي المتوقع، وانتشار سوء التغذية، والتقزّم. ويزيد أنه بسبب تلك النزاعات يتضرّر التعليم وفرص العمل، على سبيل المثال، يظهر التحيّز الطائفي في المناهج الدراسية للدين في العراق، ويهيمن الشقاق في تطوير برنامج تعليمي خاص لمنطقة الحكم الذاتي الكردية، كما أن “داعش” يدرّس مناهج خاصة في مناطق سيطرته.

الآثار على النساء

يهدد العنف الجنسي والنزاع والعسكرة حريات المرأة في نواح كثيرة. فتُحدد عسكرة الأماكن العامة وانتشار العنف تغييراً عميقاً في الحياة اليومية التي يسيطر عليها مظهر الجندي الذكر. ويؤدي انتشار التنظيمات العسكرية غير الحكومية إلى تهميش المرأة في المجال العام، وتُسيطر أيديولوجيات أدوار الجنسين التقليدية. وتحدث مستويات متزايدة من الاعتداء الجنسي داخل مخيمات اللاجئين بسبب الفوضى، وانهيار الروابط المجتمعية العادية. وفي مخيمات اللاجئين، تتعرّض النساء للعنف القائم على نوع الجنس وبخاصة الشابات غير المرافقات، ونساء الأقليات العرقية، هذا عدا انتشار الدعارة والزواج المبكر.

ويشير تقرير لمنظمة اليونيسف نشر عام 2021، إلى أن من تأثير الحروب والنزاعات التي تطاول الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع بالعالم، ويقعون تحت نير القصف بصورة مروعة، القتل والتشويه والاختطاف والعنف الجنسي والتجنيد في الجماعات المسلحة وهجمات موجهة للمدارس والمستشفيات وكذلك مرافق المياه الأساسية.

السودان

وأشار تقرير اليونيسف في مايو (أيار) الماضي، إلى أن النزاع في السودان يترك 13.6 مليون طفل في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية. ويستمر العنف في تعطيل حياة الأطفال والأسر الذين هم في خضم كارثة، وتناشد اليونيسف للحصول على 838 مليون دولار للتعامل مع الأزمة، بزيادة قدرها 253 مليون دولار منذ بدء النزاع الحالي في نيسان (أبريل) الماضي. وفي تقرير آخر لمنظمة الأممية عينها، وفي نفس التاريخ يقول تلقي الحرب الجارية حالياً في السودان بتأثير مدمر على المدنيين ولا سيما النساء اللاتي يخاطرن بالخروج من المنزل لتلبية حاجات أسرهن وبالتالي يتعرضن للكثير من المخاطر منها احتمال فقدان حياتهن.

وتسبب الصراع وفقاً لمنظمة الصحة العالمية في مقتل أكثر من 400 شخص وإصابة أكثر من 4000 سوداني بجروح. وحيث أن النساء تقف في الصفوف الأمامية لتقديم اقتصاد الرعاية، فإنهن يخاطرن بالخروج من المنزل لتلبية حاجات أسرهن، وبالتالي يتعرضن لمخاطر فقدان حياتهن. ويضيف التقرير أن النساء بحاجة إلى ملاجئ ومساحات آمنة وأدوية وخدمات أساسية، بخاصة أن 61 في المئة من المستشفيات لا تعمل وأن 23 في المئة منها تعمل بأقل من طاقتها.

ليبيا

ووجدت الباحثة في منصة الشرق الأوسط في جامعة “لويس” للحوكمة بإيطاليا ريم إبراهيم في كتاب مشترك بشأن العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا، وتأثير حلقات العنف المتتالية على العلاقات بين المكونات الاجتماعية المختلفة على دور المرأة في المجتمع الليبي، وتأثرها بجولات العنف منذ الثورة عام 2011، أن الصراع في ليبيا له تأثير مزدوج على المرأة، من حيث الأزمة الاقتصادية وانعدام الأمن. مشيرة إلى أن “التحول الاجتماعي جعل المرأة تبحث عن أدوار جديدة، وعن كسر الأنماط الاجتماعية، أو العمل للتكيف مع أدوارها المقيدة حالياً”. كما ذكرت أن “انعدام الأمن خلق لدى المرأة الليبية الحاجة إلى الحماية الاجتماعية في وجود المؤسسة الأمنية الرسمية، وهذا مكن دور الفصائل المسلحة والفصائل المتشددة، الذين يُعتبرون من وجهة نظر المجتمع “الحامي الرئيسي للعائلات”.

وتصنف الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ في حديث إعلامي أطفال ليبيا ما بعد عام 2013 بـ”أطفال الحرب”، لافتة إلى “مخاطر سوف تتهدد من يعاني من جرّاء صدمات الحرب على مدى سنوات”. وتضيف، أن “ثمّة سلوكيات رُصدت في المدارس لدى بعض الأطفال، هي من دون شك أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، من قبيل جنوح تلاميذ وميلهم إلى تحطيم كلّ شيء والاعتداء على زملائهم”. لكنّ الأشدّ خطورة بحسب الشيخ هو “استجابة أطفال الحرب في المرحلة الإعدادية لتعاطي المخدرات. وقد ضبطت الشرطة بالفعل معدّات لها علاقة بتعاطي المخدرات بين مستلزمات مدرسية تعود إلى بعض تلاميذ هذه المرحلة”، عدا عن نجاح مجموعات مسلحة ميليشياوية في اجتذاب الأطفال في سنّ المراهقة للانخراط في صفوفها هو من تأثير الحرب على نفسيّة هؤلاء.

سوريا

يشير تقرير لمنظمة اليونيسف صادر عام 2020 إلى أن هناك أكثر من خمسة ملايين طفل بحاجة إلى المساعدة داخل سوريا، وأن العديد من الأطفال وُلدوا في الحرب، وكثيرون منهم لا يعرفون إلّا الحرب. وقُتل حوالى 900 طفل في سوريا العام الماضي (2019)، وأكثر من 70 في المئة منهم قُتلوا في منطقة الشمال الغربي. وتعتبر المرأة السورية من أكثر الشرائح تضرُّراً من اندلاع الحرب.

وفي تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” يوليو (تموز) 2014 قال إن السيدات في سوريا تعرضن للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والأذى البدني، والتضييق، والتعذيب أثناء النزاع السوري، من جانب القوات النظامية، والميليشيات الموالية لها، والجماعات المسلحة المعارضة للحكومة. وتؤكد “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، مارس 2022، أن ما لا يقل عن 9774 سيدة سورية ما زلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري، كما قُتلت 16228 سيدة، من بينهن 11952 قتلنَ على يد قوات النظام السوري، و977 على يد القوات الروسية، فيما قتل تنظيم “داعش” 587 سيدة، وقتلت جميع فصائل المعارضة المسلحة 882 سيدة، وقتلت “قسد” 165، كما سجل مقتل 658 سيدة على يد قوات التحالف الدولي، و930 سيدة على يد جهات أخرى.

العراق

وفقاً لدراسة أعدها موقع “الحوار المتمدن” بمناسبة يوم المرأة العالمي، الثامن من مارس 2017، يصف واقع النساء في العراق، بالإضافة إلى المعاناة من جراء الدمار والقتل والفقر والبطالة التي هي من معالم الحروب بشكل عام، ببعض المعطيات والمعادلات الخاصة بالواقع العراقي الحالي. وتتلخص هذه الأمور في النقاط التالية: القتل العبثي بالصدفة، والاعتداءات من قبل جنود الاحتلال، والاعتداءات من قبل الجهات المسلحة داخلياً التي تتخذ من المعايير الخلقية والدينية ذريعة لقتل النساء والاعتداء عليهن. ووفقاً لتقرير صادر عن اليونيسف، يونيو (حزيران) الماضي، يتعرض أكثر من تسعة آلاف طفل للقتل أو التشوه (3119 قتيلاً و5938 مصاباً) منذ عام 2008 حتى نهاية عام 2022، بمعدل طفل أو أكثر يومياً. ولأن هذه هي الحالات التي تم التحقق منها فقط، فمن المرجح أن تكون الخسائر الحقيقية أكبر بكثير.

اليمن

وصفت الأمم المتحدة الكارثة الإنسانية التي تمر بها البلاد بأنها واحدة من الأسوأ في العالم، إذ إن هناك 21.6 مليون يمني يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات عام 2023. ووفقاً لإحدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة في اليمن، فإن أكثر من 10 ملايين سيدة وفتاة كنّ بحاجة إلى تلقي المساعدات عام 2021. وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن ما يقرب من 600 امرأة يمنية فقدن حياتهن، وإصابة نحو 900 أخريات، منذ انطلاق الحرب الدائرة منذ 2014، إضافة إلى آلاف الانتهاكات، وحالة التهميش باستثنائهن من المشاركة في الحكومة أو وفود المفاوضات. وقال تقرير اليونيسف لعام 2019 عن أطفال اليمن إنه “يعيش حوالى 1.2 مليون طفل في اليمن في 31 منطقة مشتعلة بالنزاع، بما في ذلك الحُديدة وتعز وحجّة وصعدة، في أماكن تشهد عنفاً شديداً بسبب بالحرب. وأضاف أنه “منذ اتفاق استوكهولم في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018، لم يحدث تغيير كاف بالنسبة للأطفال في اليمن. فمنذ ذلك الحين، يُقتل أو يُصاب ثمانية أطفال يومياً. قُتل معظم هؤلاء الأطفال أثناء اللعب مع أصدقائهم خارج منازلهم، أو في طريقهم من وإلى المدرسة.

فلسطين

أما في فلسطين، فإن آثار الحرب متشابكة ومترابطة بسبب طول المعاناة التي دامت أكثر من 58 عاماً. ومن مظاهر الاحتلال الإسرائيلي التي تؤثر بشكل قوي في واقع النساء في فلسطين، عمليات العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين، كما أن الجدار الفاصل الذي ما زالت إسرائيل تبنيه لتفرق بين الفلسطينيين وتقطع أوصال الوطن هو بمثابة تنفيذ استراتيجية عنصرية خطرة جداً. وتؤثر سياسة التفريق هذه بشكل أساسي في المرأة التي تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الروابط بين العائلات وخلق شبكات التعاون من أجل ضمان الاستمرارية.

Back to top button