أسئلة توماس فريدمان.. التباس العلاقة المتوترة بين بايدن- نتنياهو!
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

قديمة تلك المحاولات التي يلجأ إليها الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان  لدرجة الحقائق السياسية الراهنة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، “بالطبع- الصهيونية المتطرفة”.

صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت  للكاتب، افتتاحية خطيرة، ملتبسة، قد تكون كاشفة لمراحل من طبيعة الأحداث التي تشهدها المنطقة والإقليم، تحديدًا مع وجود حكومة المتطرف بنيامين نتنياهو، وهنا كان  “فريدمان”، يتأرجح في تناول العلاقة المتوترة، سياسيًا وأمنيًا بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل – دولة الاحتلال، وتحديدًا شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف نتنياهو وأغلب الإدارة الأمريكية، التي عاشت جولات مكوكية لتوضيح مستقبل العلاقات، بالذات في الوضع العالمي الراهن، مع توسع الحرب الروسية الأوكرانية، وتركها أزمات تشل العالم بالتدريج.

* الصحفي.. وحوار داخل مقالة!

للكاتب تاريخ إعلامي واسع الطيف، وهو يلجأ إلى وضع أسئلة ملتبسة، قد يكون حصل على إجاباتها من مصادر عديدة، في هذه الحالة، أراد توماس أن يعلم الإدارة الأمريكية، والرئيس جو بايدن، أنه يحاور الأطراف بذات القدر من عرض الملتبس من الواقع على الأرض في إسرائيل، وحكومتها التي تعترف الولايات المتحدة، أنها تضم نخبة من عتاة التطرف والإرهاب الصهيوني، وجاء في المقالة الأسئلة، التي تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي، أن تجعلها مشجبًا لمستقبل العلاقة مع الإدارة الأمريكية، وصولًا إلى انتخابات أمريكا 2024.

 

*السؤال الأول: لماذا تحاول الحكومة الإسرائيلية سحق المحكمة العليا في البلاد؟.

*السؤال الثاني: لماذا قال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” (CNN) إن حكومة نتنياهو هي أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفًا على الإطلاق؟

*السؤال الثالث: لماذا صرح السفير الأمريكي في إسرائيل بأن أمريكا تعمل على منع إسرائيل من “الخروج عن السكة”؟.

الكاتب، هو موظف كبير وكاتب  “نيويورك تايمز”، إحدى إمبراطوريات الإعلام الأمريكي، وهو الآن في العقد السابع من عمره، (مواليد 1953) ، تخلل عمله مواكبة الرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، بل كان عرابًا سياسيًا، أسهم في وضع مبادرة السلام العربية التي تبنتها المملكة العربية السعودية في عام 2002، وتم الإعلان عنها  في القمة العربية في بيروت.

فريدمان، وضع عنوانًا مهمًا لمقالته في  نيويورك تايمز، هو: “بدأت إعادة التقييم الأمريكية لحكومة نتنياهو”، أو دلالة: “حكومة نتنياهو تجعل إعادة التفكير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل حتمية”.. وفيه لفت إلى أن: “إدارة بايدن تعتقد أن التحالف الإسرائيلي يستخدم الإصلاح القضائي كغطاء لسلوك راديكالي غير مسبوق … يقوض مصالحنا المشتركة”؛ ذلك أن “إدارة بايدن تعيد تقييم علاقاتها مع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسط قلق أمريكي متزايد بشأن تصرفات الائتلاف الإسرائيلي اليميني المتشدد”.

وبعيدًا عن لغة الحوار والأسئلة، قال فريدمان إن الرئيس الأمريكي  يعتقد أن حكومة- إسرائيل المتطرفة- تستخدم دفعها الإصلاحي القضائي كستار من الدخان للانخراط في “سلوك راديكالي غير مسبوق”، وهو بالتالي “يقوض مصالحنا المشتركة مع إسرائيل، وقيمنا المشتركة والخيال المشترك المهم للغاية حول مكانة الغرب- البنك الذي أبقى آمال السلام هناك بالكاد على قيد الحياة”. لجأ فريدمان إلى تشديد الإشارات والتنبيهات على استياء الإدارة الأمريكية، عبر عدد من التعليقات العامة ضد الحكومة الإسرائيلية التي أدلى بها مؤخرًا كبار المسئولين الأمريكيين، بما في ذلك الوصف الذي أطلقه الرئيس الأمريكي بايدن بأنها  حكومة تمتلك “واحدة من أكثر المواقف تطرفًا التي شاهدها على الإطلاق”.

ومما ورد عن فريدمان قوله: “هناك شعور بالصدمة اليوم بين الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يتعاملون مع نتنياهو ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة ورجل- بحسب نص المقال- يتمتع بذكاء كبير وموهبة سياسية”، تابع فريدمان، رافضًا حجة رئيس الوزراء بأنه يسيطر من بعيد على حلفاء اليمين مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفيرو ديلي إديشن.

*جدل المخاطرة

“هم فقط يجدون صعوبة في تصديق أن بيبي [نتنياهو] سيسمح لنفسه بأن يقوده أشخاص مثل بن غفير، وسيكون مستعدًا للمخاطرة بعلاقات إسرائيل مع أمريكا ومع المستثمرين العالميين، وسيكون مستعدًا للمخاطرة بمواطني الحرب في إسرائيل لمجرد البقاء في السلطة مع مجموعة من الأصفار والقوميين المتطرفين”.

هنا يتأرجح-كما قلنا-في الرأي، مدركًا- أي فريدمان- أنه يُفهم، عمليًا أن بايدن يعي قراءة أعمدته عن كثب، أرجع “انهيار القيم المشتركة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى جهود الحكومة للدفع من خلال تغييرات بعيدة المدى لإضعاف القضاء، “الضابط المستقل الوحيد للسلطة السياسية” في النظام البرلماني أحادي المجلس الذي لا يتضمن دستورًا في إسرائيل، لأنه يطرح الائتلاف حاليًا مشروع قانون يمنع المحاكم من ممارسة المراجعة القضائية بشأن “معقولية” قرارات المسئولين المنتخبين كجزء من التغيير القضائي.

في جدل المخاطرة، يعتقد الكاتب أن ما يحدث في دولة الاحتلال، من حالات التقلب السياسي، للكيان المدعوم استراتيجيًا من الغرب، والولايات المتحدة، يقول في ذلك: “مثل هذا التغيير الهائل في النظام القضائي الإسرائيلي الذي يحظى باحترام واسع، والذي قاد ظهور اقتصاد مبتدئ رائع، هو أمر لا ينبغي القيام به إلا بعد دراسة من قبل خبراء غير حزبيين وبإجماع وطني واسع”، متابعًا: “هكذا تفعل الديمقراطيات الحقيقية هذه الأشياء، لكن لم يكن هناك شيء من هذا في حالة نتنياهو. ويؤكد أن هذه المهزلة برمتها لا علاقة لها بالإصلاح القضائي وكل شيء له علاقة بالاستيلاء العاري على السلطة من قبل كل شريحة من ائتلاف نتنياهو”.

بين المخاطرة الإعلامية والواقع، حذر فريدمان من أن “الإصلاح الشامل يهدد “المصالح المشتركة” بين إسرائيل والولايات المتحدة، مشيرًا على سبيل المثال إلى “التخيل المشترك بأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية كان مؤقتًا فقط وفي يوم من الأيام يمكن أن يكون هناك اثنان حل الدولة”.

*خيال شراء الوقت.. كيف؟

يحتمي فريدمان بالكتابة، وهو يؤكد أن إسرائيل، التي يعي العالم تطرفها، وعنصريتها وعدم احترامها للقرارات والمواثيق الدولية الأممية، والمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة، ويقول متناسيًا عنف الأشهر الأخيرة في محاولات التطرف الصهيوني تهويد القدس، وبناء المستوطنات واقتحام وغزو مخيم جنين وغزة وغيرها في فلسطين المحتلة؛ هنا فريدمان قال: “هذه الحكومة الإسرائيلية تبذل قصارى جهدها الآن لتدمير خيال شراء الوقت”، مشيرًا إلى المقطع السريع الذي تتم فيه الموافقة على بناء المستوطنات وإقرار قانون يهدف إلى إعادة إنشاء العديد من مجتمعات شمال الضفة الغربية التي كانت إلى جانب الانسحاب من غزة عام 2005”.

في التناول لآراء فريدمان، نراه يغامر متهمًا الحالة الإسرائيلية الراهنة بالتأكيد على أن: “تدمير نتنياهو المستمر لهذه الرواية المشتركة يطرح الآن مشكلة حقيقية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية المشتركة الأخرى، مثل استقرار الأردن المجاور والجهود المبذولة لإبرام صفقة تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية”.

في ذلك قال فريدمان: “إذا كانت حكومة نتنياهو ستتصرف كما لو أن الضفة الغربية هي إسرائيل، فسيتعين على الولايات المتحدة الإصرار على شيئين”، داعيًا إلى اتفاقية إعفاء محتملة من التأشيرة لتطبيقها على فلسطينيي الضفة الغربية، وتساءل عن سبب وجوب قيام الولايات المتحدة بذلك، مشيرًا إلى الدفاع – من الإدارة الأمريكية- عن إسرائيل في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

يصل فريدمان إلى نتيجة غير جدلية، بقدر ما هي شكلية عندما يقول: “إن رحلة الرئيس إسحاق هرتزوغ إلى واشنطن الأسبوع المقبل تعني إشارة من بايدن أن مشكلته ليست مع الشعب الإسرائيلي ولكن مع حكومة نتنياهو المتطرفة”، وأنه “ليس لديّ أدنى شك- بحسب فريدمان – في أن الرئيس الأمريكي سوف يسلح الرئيس الإسرائيلي برسالة – من الحزن وليس الغضب-  فعندما تتباين مصالح وقيم الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية إلى هذا الحد، فإن إعادة تقييم العلاقة أمر لا مفر منه”.

* السجن.. والسجن

يرسم الكاتب، بظرفية خاصة، كيف يرى الواقع، يلفت إلى أنه: “أنا لا أتحدث عن إعادة تقييم تعاوننا العسكري والاستخباراتي مع إسرائيل، والذي يظل قويًا حيويًا؛ إنني أتحدث عن نهجنا الدبلوماسي الأساسي تجاه إسرائيل التي تحبس بلا خجل في حل الدولة الواحدة: دولة يهودية فقط، مع مصير وحقوق الفلسطينيين، مطالبًا: [يتعين تحديدها]”.

ويلجأ إلى الالتزام تنبيهات منها أن: “استعداد بايدن للوقوف في وجه نتنياهو قبل انتخابات 2024 في أمريكا يشير إلى أن رئيسنا يعتقد أنه يحظى بدعم ليس فقط من معظم الأمريكيين، ولكن من معظم اليهود الأمريكيين وحتى معظم اليهود الإسرائيليين”.

 

* ماذا عن اليمين المتطرف الصهيوني  اليهودي؟

يختم فريدمان، نهاية مقاله الملتبس، مع أسئلته الأكثر التباسًا، بالخلاصة التي، قد لا تعجب الأطراف كافة:

 

1- احتمالية التوسع السريع في المستوطنات في الضفة الغربية وضمها.

2- التحالف غير مبالٍ أيضًا بانهيار الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يقود الاقتصاد.

3-الرفض المعلن والمخطط لأعداد كبيرة من جنود الاحتياط الحيويين للخدمة في بلد لم يعد ديمقراطيًا بشكل يعتمد عليه.

4- تلاشي أمل التطبيع مع السعودية.

5- توتر العلاقات مع حليف إسرائيل الرئيسي، الولايات المتحدة بعد أن أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأحد عن أسفه من وجود بعض “الأعضاء الأكثر تطرفًا” في الحكومة الإسرائيلية على الإطلاق، أحدهم بن غفير، بازدراء متوقع ولا يمكن تحمله: “يجب على الرئيس بايدن أن يستوعب أن إسرائيل لم تعد نجمًا آخر في علم أمريكا علَم”.

 

6- كان بإمكان رجل واحد أن يتجنب المأساة الوطنية التي بدأت تتكشف في الأشهر الستة الماضية – الرجل الذي بدأها، بنيامين نتنياهو، لكن لديه أجندة أيضًا: الحفاظ على السلطة – مع أي شخص يدعمه.

 

 

* إشارات عن مبادرة السلام العربية

في الواقع والرؤية التاريخية، المبادرة عمرها الآن 21 عامًا، وهي مبادرة أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية، للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين.

تهدف المبادرة إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وكانت في عام 2002. وقد تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية في بيروت، بعد أن نالت، دبلوماسيًا،  تأييدًا عربيًا.

يقول النص الحرفي لمبادرة السلام العربية: “مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته الرابعة عشرة، إذ يؤكد ما أقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في يونيو 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزامًا مقابلًا تؤكده إسرائيل في هذا الصدد”.

 

وبعد أن استمع إلى كلمة عبدالله بن عبدالعزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، التي أعلن من خلالها عن مبادرته داعيًا إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذًا لقراري مجلس الأمن (242 و338) واللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى