الأثرياء وعقاقير الهلوسة… “جرعة” بين العبقرية والزومبي

هوس الترقيات والنجاحات المبهرة سيطر على رواد الأعمال حول العالم دافعاً إياهم لاستخدامها بغرض التحفيز

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية​​​​​​​- نيرمين علي –

“يتم تشخيص حالات الاكتئاب بشكل مفرط في الولايات المتحدة، لكن عند بعض الناس   في كيمياء الدماغ، وبحسب ما رأيته فإن تناول (الكيتامين) من حين لآخر هو خيار أفضل”، تغريدة نشرها الرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا” إيلون ماسك منذ أيام، مستشهداً بتجربة أحد أصدقائه في استعمال نوع محدد من العقاقير المهلوسة، بينما انتقد مثبطات استرداد “السيروتونين” الانتقائية SSRI، وهي فئة من المركبات تستخدم عادة كمضادات اكتئاب، ملمحاً إلى أنها تحول الناس إلى “زومبي”.

والحقيقة أن ما أشار إليه الرجل الأغنى في العالم منتشر منذ زمن بين رواد الأعمال، فقد نوه تقرير نشره موقع “فوربس” في وقت سابق من عام 2020، إلى تقديم جرعات صغيرة من الفطر السحري لرواد الأعمال في وادي السيليكون لتعزيز حياتهم المهنية وجمع ميزات تفضيلية تزيد قيمة أعمالهم وموهبتهم في محيطهم الأحمر.

لكن على ما يبدو أن هوس الترقيات وصناعة النجاحات المبهرة سيطر على رواد الأعمال حول العالم، دافعاً بهم نحو انتهاج تناول عقاقير الهلوسة بغرض التحفيز وزيادة التركيز، وبعد أن كان الغرض الأساس منه تحسين المزاج والراحة النفسية بعد يوم حافل بالعمل، أصبحوا يرون في مواد الهلوسة مثل “السيلوسيبين” و”الكيتامين” والـLSD محفزات لإحراز تقدم واختراق في مجال الأعمال.

المواد الكيماوية

وتضم العقاقير المخدرة أنواعاً مختلفة من المواد الكيماوية، بما في ذلك ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك LSD والمواد الكيماوية المستخرجة من النباتات، ولهذه الأدوية قدرة على تغيير أو تعزيز الإدراك الحسي وعمليات التفكير ومستويات الطاقة وتسهيل التجارب الروحية، ولها تطبيقات واسعة النطاق في علاج الاكتئاب الشديد واضطراب ما بعد الصدمة والهلع والاكتئاب المقاوم للعلاج وإدمان المواد المخدرة الأفيونية، ويمكن أن تسبب أنواعها الهلوسة والتنبيه المكثف للشعور، إذ تظهر الهلوسة على شكل مدخلات غير واقعية على الحواس كرؤية أو سماع أو شم أو إحساس بطعم أو ملمس شيء لا وجود حقيقياً له على أرض الواقع، وذلك بسبب التأثير المباشر لهذه المواد على الشبكات العصبية والاتصال في ما بينها، والتحكم المباشر بمواضع النشاط داخل المخ كتركيز النشاط في مناطق معينة من الدماغ من دون غيرها، وتكون هذه المناطق هي المتخصصة في توليد الشعور بالذات في الدماغ. وفي حال التوتر والاكتئاب يؤدي تفكيك الاتصال بهذه المناطق إلى تخفيف الإجهاد على الدماغ.

ويعد LSD أحد أكثر المواد الكيماوية فاعلية في تغيير الإدراك والأحاسيس، إذ يحتمل أن يشعر الواقعون تحت تأثيره بعديد من المشاعر في آن معاً، أو يتأرجحون بسرعة من عاطفة إلى أخرى، كما يمكن للتجارب أن تبدو كما لو أنها تتخطى الحواس.

يحتوي الفطر السحري magic mushrooms على مادة “السيلوسيبين” psilocybin، التي توجد في ما يقرب من 190 نوعاً من الفطر الصالح للأكل، بكمية أقل من 0.5 في المئة، إضافة إلى كميات ضئيلة من مادة مهلوسة أخرى (السيلوسين).

وأثبتت الأدلة في وقت سابق تأثيره في الحال النفسية وقدرته على تحسين المزاج وتخفيف التوتر، وسجل له تأثير ناجح على مرضى الاكتئاب الذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية، وخصصت له مجلة GEO WISSEN الألمانية غلافها لشهر مارس (آذار) الماضي، وأفردت ملفاً كاملاً على صفحاتها يثبت قدرة الفطر السحري والمواد المخدرة الأخرى على علاج الاكتئاب والإدمان.

وادي السيليكون

في وادي السيليكون “عاصمة التكنولوجيا”، والمكان الذي صنع نصف مليارديرات العالم في هذا المجال، أصبح تناول المواد المهلوسة شائعاً بين الرواد والمديرين التنفيذيين، حيث المنافسة محتدمة على من هو الأذكى والأكثر موهبة وإبداعاً وإنتاجاً في العالم، وتسود أجواء من الضغط والقلق والخوف من الفشل وضرورة الحفاظ على المنافسة، إضافة إلى هاجس الإبقاء على مظهرهم ليبدو أصغر سناً بالصيام المتقطع أو العلاج بالتبريد (استخدام البرودة الشديدة في الجراحة أو أي علاج طبي آخر) والاعتزال بغرض التأمل الطويل في أماكن بعيدة وغريبة و”البوتكس” وشد الوجه.

يتناول بعض رواد الأعمال جرعات صغيرة من المواد المهلوسة لجني فوائدها على أمل تخفيف القلق أو زيادة التركيز، بينما صرح آخرون من العاملين في مجال التكنولوجيا بتناولهم جرعات كبيرة كمحفزات محتملة لإنتاج أفكار عمل مبتكرة أثناء محاولتهم الوصول إلى مستوى عال من الإبداع.

ووفق تقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية، فإن وسائل إعلام أميركية كشفت عن استخدام إيلون ماسك “الكيتامين” بجرعات صغيرة بغرض تخفيف الاكتئاب. مشيرة إلى هوس سيرجي برين المؤسس المشارك لـ”غوغل” بالفطر السحري، وإلى استضافة شركة Founders Fund، المعروفة باستثماراتها في “سبيس أكس” و”فيسبوك”، حفلات تضم عقاقير مخدرة، وإعلانها في وقت سابق دعمها لجهود جعل هذه الأدوية متاحة بطريقة آمنة وقانونية.

يشار إلى أن هذه الممارسات شائعة بين أصحاب الشركات في وادي السيليكون طلباً لرفع مستوى الأدرينالين لديهم وزيادة التركيز والإبداع وتحسين أدائهم العملي بشكل أفضل وأسرع، استناداً إلى تقارير ودراسات حول فوائد هذه المواد في علاج الاكتئاب وتحسين الصحة النفسية، وبحسب مقال نشر حديثاً على “بلومبيرغ” الأميركية، فإن كل فرد تقريباً في وادي السيليكون يتناول العقاقير المخدرة، إذ تحول الاستخدام الروتيني لهذه المواد من نشاط ما بعد ساعات العمل إلى جزء لا يتجزأ من ثقافة الشركة.

البحث عن الاستثناء

كما صرح سبنسر شولم، الرئيس التنفيذي لشركة “بيلد بيتر” Build Better الناشئة، باستخدامه عقار LSD في فترات متباعدة ليزيد تركيزه وإبداعه، إذ يأخذ أحياناً جرعة منخفضة بما يكفي بعد العمل بمفرده لساعات، وفي أوقات أخرى جرعة أكبر، ويتواصل مع الطبيعة في نزهة على الأقدام. ويقول شولم إن التوقعات الكبيرة لشركات رأس المال الاستثماري والمستثمرين بشكل عام يمكن أن تدفع المؤسسين إلى اللجوء للمخدر من أجل الحصول على ميزة أو صفة غير اعتيادية، وبحسب كلامه “فهم لا يريدون شخصاً عادياً أو شركة عادية بل يريدون أشياء خارقة، وأنت كشخص لم تولد بشكل استثنائي، لكن إذا تناولت ما يكفي من العقاقير ستعتقد أنك غير عادي، وستقر بذلك فعلاً”.

 

لكن الأمر لا يقتصر فقط على رواد وادي السيليكون، إذ بدأ عدد متزايد من الشخصيات العامة يروون قصصهم وتجاربهم في تناول أنواع مختلفة من العقاقير المخدرة، على سبيل المثال وصف لاعب كرة القدم الأميركية غيتس آرون رودجرز تجربته مع مشروب “آياهواسكا” Ayahuasca المهلوس بأنها “تغيير جذري للحياة”، وبحسب مجلة “فورتشن” وجد رودجرز حباً أعمق لنفسه واكتشف حقيقة سبب وجوده على الأرض، وهو بحسب قوله التواصل وإنشاء الروابط وإلهام الناس.

سوق الأدوية المخدرة العالمي

من جهة أخرى، حققت الأدوية المخدرة شعبية كبيرة خلال العقد الماضي عقب انتشار استخدامها في ممارسات التشافي والعلاج عندما تنبه العلماء والباحثون إلى قيمتها العلاجية وقدرتها على الشفاء النفسي، وبخاصة كخيار علاجي جديد للأشخاص المصابين بالاكتئاب، وأدت نتائجها هذه إلى زيادة استخدامها والطلب عليها، إذ كانت هذه العوامل بمثابة محركات لنمو السوق بعد أن تحدثت توقعات سابقة عن احتمالية أن يحقق سوق الأدوية المخدرة العالمية نمواً في الفترة بين 2022 إلى 2029.

وبحسب شركة أبحاث السوق “داتا بريدج” Data bridge فإن السوق ينمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 13.3 في المئة، ومن المقدر أن يصل إلى ما يزيد على 6 ملايين دولار أميركي بحلول عام 2029.

وفي سياق متصل، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA بداية 2019 على استخدام “الإسكيتامين” Esketamine المشتق من “الكيتامين”، كعلاج للاكتئاب الشديد لدى المرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات الأخرى (من جربوا نوعين آخرين من العلاج على الأقل من دون الحصول على نتيجة)، وكان العلاج الأول الذي حظي بالموافقة الرسمية، كما بدأت في ذلك الوقت دراسة تركيبات “السيلوسيبين” كعلاجات طبية محتملة أيضاً.

واليوم أصبح تناول “الكيتامين” أمراً قانونياً في حال تناوله بوصفة طبية وبغرض علاج الاكتئاب، إلا أن استخدامه خارج الإطار الطبي يعد غير قانوني.

وعلى رغم أن معظم الروايات تنتصر لهذا الاتجاه، فإنها تتقصد عدم الإشارة إلى سلبياته، فالصحيح أن دراسات عدة أظهرت تسجيل درجات أعلى من المعتاد في الإبداع والتركيز والسعادة والإنتاجية والرفاهية، لكن الدراسات نفسها نوهت إلى أن نتائجه لا تستمر طويلاً، وهذا يتعارض مع الحجة القائلة إن جرعة واحدة ستستمر لفترة طويلة أو حتى يمكن أن تغير حياتك إلى الأبد، إضافة إلى حدوث زيادة في سمة العصابية مما يعني تضخيم المشاعر والمواقف وكثافة الاستجابة، وبالتالي فإنه وفي حالات كثيرة سيزداد الأمر سوءاً عما هو عليه، لكن يرد المؤيدون هنا بأن احتمال حدوث النتائج السيئة لا يتعدى الواحد في الألف.

وبكل الأحول فعلى رغم مرور السنوات لا يزال من السابق لأوانه تأكيد فوائده، بخاصة الطويلة المدى، فقد نكون أمام مجرد اتجاه سائد يدعمه ويروج له ثلة من المؤثرين ممن تترصدهم أنظار الطامحين إلى بناء مسيرة مهنية مختلفة، لذا من الممكن أن يستبدل في أي وقت بنزعة جديدة أخرى تبعاً لمقتضيات السوق.

زر الذهاب إلى الأعلى