تعنيف الأطفال… والخطيئة الأصلية
بقلم: بشارة شربل

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

لحسن الحظ، لا تزال هناك أمور يجتمع حولها اللبنانيون. وهم وإن فقدوا الحس بالتضامن وباتوا يتحدثون بـ»أبغض الحلال» بسبب المنظومة الغاشمة التي أفسدت في البلاد، فإنهم اتحدوا بالألم عند رؤية تعنيف الأطفال في إحدى حضانات جبل لبنان.

 

ربَّ قائل ان حوادث من هذا القبيل ممكنة إذا ضَرَب الاضطراب النفسي شخصاً موكلاً بمسؤولية العناية بالأطفال أو كبار السن، أو حرَّكته قلة الأخلاق، وأن حوادث الاعتداء الجنسي أو الجسدي أكثر من أن تحصى في كل أرجاء العالم. لكن صور الفيديو الفظيعة أدخلت الحدث الى كل بيت وقلب كل أم وأب ونبهتنا الى أننا لسنا في لبنان محصنين إزاء هذا النوع من الارتكابات التي نراها في الأفلام.

 

من سوء طالع المعتدية ظهور شاهد ملك على الجريمة النكراء، وهو كاميرا الهاتف النقال التي حوَّلت حدثاً كان يمكن أن يبقى طي الكتمان وخلف الجدران الى فضيحة مكتملة الأركان.

 

وبعيداً عن تخلف الذين لاموا الأمهات اللواتي لم يلازمن البيوت مع الأطفال، لم توفر مواقع التواصل مرتكبةَ الجرم من الأوصاف. وبين المنددين بعض الذين لا يرف لهم جفن إذا اعتُدي على خصم سياسي ويمجدون أساطين الاستبداد وإخفاء الناس في المعتقلات. لكن يبدو ان الجريمة في حق الطفولة مسَّت أعمق مشاعر الكائن الحي، فجعلت ردَّة الفعل الغريزية تتفوق على أي تفسيرات ومعتقدات.

 

بديهي التحقيق في كفاءة من يدير الحضانة ومن يعمل فيها وفي اجراءات السلامة المتبعة، وكيفية إعطاء التراخيص ورقابة وزارة الصحة المعنية بالحضانات، علماً أن الإدارات مشلولة والانهيار لم يوفر أي مرفق عام. لكن لا مفر من إضافة عنوان «الإفلات من العقاب» الى مسببات الجريمة. ذلك ان الناس لمسوا في السنوات الأخيرة فشل القضاء في فرض هيبته وتمتع المرتكبين بالحرية وتفاخرهم على الشاشات، و»مَن أَمِنَ العقوبة أساء الأدب». هذا ما حصل في جريمة 4 آب، وما يحصل في السرقات الموصوفة للمال العام وأموال المودعين. فلا مشتبه به يدخل السجن أو يذهب الى التحقيق. ولا متسبب بهدر جامعاً ثروات مشبوهة يحاسب. هو الشعور المتفشي بغياب الدولة ما يشجع على جرائم القتل التي باتت يومية واستباحة المشاعات وسرقات «صيرفة» وسائر أنواع الرذائل التي بات يرزح تحتها المجتمع اللبناني.

 

من جديد. شيء وحيد لا غنى عنه هو الدولة. هنا المشكلة والحل. كلما ضعفت وتآكلت تراجعت البلاد على كل المستويات. وليس انفلاش الجريمة إلا انعكاساً للخطيئة الأصلية المتمثلة بضرب هيبة المؤسسات وجعلها مستتبعة للسياسة والسياسيين وأصحاب الغايات، وفي ذلك ما ينسحب على ضرب القيم الأساسية المتعلقة بحقوق الطفل والانسان والتي لا يكفي لحمايتها الإجماع على استنكار التعرض لها. ولعل اللبنانيين يتعلمون من هزَّة حادثة الحضانة أن كل المكاسب والانتصارات والمقدسات لا قيمة لها إذا تساهلنا بوجع طفل للحظة من اللحظات.

زر الذهاب إلى الأعلى