«روق وروّقنا»
بقلم: بشار جرار

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية –

لم أدرس العلوم الإدارية في حياتي، إلى أن شاء الله أن يرزقني في بداية مسيرتي المهنية بعمل إضافي -طبعا بعد حصولي على الموافقات والبركات اللازمة -في قراءة وترجمة وثائقيات تدريبية في مجال التطوير الإداري والمهني. لكن الحياة العملية في الوطن والمهجر كانت الأصدق توثيقا والأدق تفصيلا في وصف نموذج فذّ من القيادات الإدارية.

بشيء من تأنيب الضمير، أخط هذه السطور علّها تشفع لي وتعذر جهلي بذلك النموذج غير واسع الانتشار للأسف. كنت غير راض عنه لدرجة التذمر الذي تفاقم إلى حد التظلم. لكنها الأيام قد أثبتت صدق مقولة: من لا يعرفك يجهلك. تلك المعرفة التي لا تتجلى في العشرة وإنما في القياس بنماذج إدارية وتجارب مهنية ووظيفية أخرى. حديثي هنا عن تلك القيادة المتهمة جهلا بالضعيفة، المترددة إلى حد اتهامها بالمرعوبة كما وصفها يوما طيب الذكر عبد الرؤوف الروابدة أول رؤساء حكومات عهد سيدنا عبدالله الثاني الزاهر. وقد لخص بحكمته ودرايته كثيرا مما يشكو منه الناس من حيث منشأ القضايا كلها لا يعدو عن كونه أزمة إدارة أو بالأحرى أسلوب بعض شاغري المناصب في القطاعين العام والخاص. وخلافا للمزاج العام «التقليدي» الشائع ليس بالضرورة أن تكون المشكلة بأعلى الهرم أو القاعدة، كثير من الإشكاليات أو المشاكل تنحصر في القيادات الوسطى بمعنى الوسيطة في تعاملها المباشر مع الجمهور.

أخط هذه السطور ويتماثل إلى ذهني مديرين لا أسمح لنفسي بذكرهما حتى لا يؤخذ المحتوى إلى غير مقصده، فالله من وراء القصد دائما وأبدا. وبشيء من التوضيح، أشير إلى القواسم المشتركة والفوارق بينهما. كلاهما أكثر ما اتهما به هو الشرود والبرود والتردد وأحيانا التفادي والهروب والخوف الضعف. زاد من رموا شجرتهما بالحجارة، اتهام كل منهما بقضاء الدوام كمدراء خارج المكتب وخارج قاعات الاجتماعات، بمعنى إما في الدهاليز «الكرادورات» أو المقاصف «الكنتين» و»استراحة» المدخنين، وكلاهما من غير المدخنين ومن مكافحيه بعناد وجلد..

أحدهما كان في القطاع العام والآخر خاص. من قارتين وجنسيتين ودينين مختلفين واختصاصين متباعدين كليا! لكن الشبه بينهما متطابق وكأنهما توأم، فحدّثت من أثق به ذات مرة هاتفيا: ودّعت فلانا في الأردن وظننته الخلاص، فوجدته بوجهي كالقدر بأمريكا؟!

ليس في الأمر «مؤامرة»! اتضح أنهما من ثقافة إدارية واحدة، الأولى بريطانية والثانية أمريكية، وكان ذلك الفارق الوحيد بينهما فيما يخص الإدارة أو بالأحرى القيادة..

أعظم رسالة، قيمة، سلوك عبّر عنهما هذا المديران القياديان بارك الله في عمرهما، كانت الهدوء.. سلام داخلي عميق، كفيل بالمرور الآمن وسط العواصف. سلام وهدوء فيه رويّة وحكمة، قد لا تسر الناظرين وكثيرا ما تغيظ الشكّائين خاصة أصحاب الرؤوس الحامية والأنوف المتورّمة. هذا النموذج القيادي «الرايق» من الإدارة، العالم كله في أمس الحاجة إليه. علّ عالم اليوم «يروق» مما يتخبّط فيه..

زر الذهاب إلى الأعلى