ما الفارق بين البرهان و”حميدتي”؟
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

ليس هناك ما يشير إلى نهاية قريبة لعذابات السودان والسودانيين. ماذا إذا انتصر عبد الفتاح البرهان على محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان؟ لا فارق بين جنرالين يمتلك كلّ منهما جيشه، لكن لا يمتلك أيٌّ منهما مشروعاً سياسياً، باستثناء السعي إلى ممارسة السلطة، على غرار ما فعله عمر حسن البشير.

 

حَكمَ البشير، الذي ينتمي إلى مدرسة “الإخوان المسلمين”، البلد طوال ثلاثة عقود، وتركه في حال يُرثى لها، بعدما قضى على المجتمع المدني، وبعدما قسّم السودان من أجل البقاء، إلى ما لا نهاية، في الحكم.

 

تختزل المواجهة بين الجنرالين مأساة السودان، الذي بات صعباً التكهن بمستقبله السياسي، باستثناء التساؤل عن عدد الكيانات التي ستولد من رَحَم المواجهة الدائرة حالياً، وهي مواجهة ليس معروفاً لماذا بدأت، إذا وضعنا جانباً الحزازات والطموحات والمصالح الشخصية، وإلى أين يمكن أن تنتهي.

 

كلّ ما يمكن قوله، إنّ هناك دولاً في المنطقة دخلت نفقاً لا خروج منه في المدى المنظور. كانت البداية في الصومال. كان اليمنيون يخشون، منذ العام 1991، تاريخ انهيار الصومال، من صوملة اليمن. باتت الصوملة عبارة لطيفة لوصف ما آل إليه الوضع اليمني!

 

قليلون هم العسكريون الذين امتلكوا مشروعاً سياسياً. إذا وضعنا شارل ديغول في فرنسا جانباً، لم يوجد في أوروبا ضابط مستنير، إلّا في ما نَدَر. تظلّ الولايات المتحدة، حيث مؤسسات الحكم قويّة وثابتة وحيث أمضى الجنرال دوايت ايزنهاور ثمانية أعوام في البيت الأبيض، حالةً خاصة، بل خاصة إلى أبعد حدود.

 

إذا استثنينا فؤاد شهاب، يبدو ما شهده لبنان بعد العام 1958 وأحداثه، أقرب إلى معجزة. معجزة لم تستمرّ طويلاً. في المقابل، تسبّب العسكر بسلسلة من الكوارث على صعيد العالم العربي كلّه… من المحيط إلى الخليج. يكفي للتأكّد من الضرر الذي تسبّب به العسكر في المنطقة، ما فعله معمّر القذافي بليبيا، التي لا يمكن أن تقوم لها قيامة يوماً، وما فعله الحكم العسكري المستمر منذ العام 1965 في بلد مثل الجزائر لا ينقصه، نظريّاً، شيء من أجل أن يكون بلداً مزدهراً.

 

يمكن في كلّ وقت تعداد ما فعله الضباط بسوريا، وذلك منذ انقلاب حسني الزعيم في العام 1949… وصولاً إلى وجود النظام الأقلّوي الحالي، الذي لا يزال قائماً منذ العام 1970. أوصل النظام السوري إلى وقوع سوريا تحت خمسة احتلالات دفعة واحدة.

 

لا يجوز، في طبيعة الحال، تجاهل ما فعله العسكر في العراق عندما نفّذوا، بتأثير من الضابط الريفي جمال عبد الناصر، انقلابهم الدموي على العائلة المالكة الهاشميّة في مثل هذه الأيّام من العام 1958. كان الرابع عشر من تموز (يوليو) 1958 اليوم الأبيض الأخير الذي عاشه العراق. تسلّم العسكر السلطة وما لبث أن ورثهم حزب البعث بمدنييه وعسكرييه. تكفّل البعث بتدمير النسيج الاجتماعي للبلد، تمهيداً لتسليمه إلى ايران وميليشياتها المحليّة على يد إدارة جورج بوش الإبن.

 

أخطر ما يجري في السودان وجود صراع بين عسكريين لا يمتلكان أي ثقافة سياسية أو مشروع مستقبلي ذي طابع حضاري من أي نوع. ما الذي يريده البرهان وما الذي يريده “حميدتي”، وما الفارق بينهما؟ السؤال محيّر، خصوصاً أنّ ما يجمع بينهما يتمثل في غياب الاهتمام بمصير السودانيين الذين انتفضوا في العام 2019 في وجه نظام عمر حسن البشير وأجبروه على الخروج من السلطة.

 

منذ إطاحة البشير، دخل المجتمع السوداني في غيبوبة. لم يعد السؤال الآن، هل ينتصر أي من الجنرالين على الآخر، بمقدار ما أنّ المطروح مصير السودان نفسه. الأهم من ذلك كلّه، ما انعكاسات الحدث السوداني على دول المنطقة كلّها، بما في ذلك مصر وإثيوبيا؟ لدى السودان، الذي يمرّ فيه نهر النيل، وهو شريان الحياة لمصر، حدود مع دول عدّة. لديه حدود مع مصر وليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا. ستتأثر كل دولة من هذه الدول بما يجري في السودان. سيكون للحدث السوداني، في المدى الطويل، انعكاساته على منطقة القرن الإفريقي والأمن في البحر الأحمر.

 

يبدو السودان جزءاً لا يتجزّأ من مخاض يمرّ فيه العالم العربي كلّه، حيث لا يمكن تجاهل وجود دول مستقرّة تمتلك مؤسسات قويّة، خصوصاً الدول التي تحكمها الأنظمة الملكيّة في الخليج والأردن والمغرب، وهي أنظمة متصالحة مع شعوبها وتستمد شرعيتها منها. هذه أنظمة عرفت دائماً كيفية تفادي الوقوع في فخّ العسكر وانقلاباتهم.

 

في ما بقي من العالم العربي، تدفع دول مثل السودان، ثمن استيلاء العسكر على السلطة في مرحلة معيّنة. ما عجز عنه العسكر، في أماكن معيّنة، قامت به ميليشيات مذهبيّة مثل ميليشيا “الإخوان المسلمين” في اليمن أو ميليشيا “حزب الله”، وقبلها المنظمات الفلسطينية، في لبنان…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى