هل يسحب الذكاء الاصطناعي البساط من مدربي اللياقة البدنية؟
سيتمتع المدرب الافتراضي بدور مطابق تماماً لدور نظيره البشري على أرض الواقع
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نيرمين علي
أصبح موضوع اللياقة البدنية والوصول إلى الوزن المثالي واحداً من الهواجس الرنانة التي تشغل بال الغالبية من البشر في العصر الحديث، نظراً إلى نوعية الطعام السائد المكتظ بالسعرات الحرارية والدهون، والذي يروج له بشكل مكثف في الإعلام بنوعيه الحديث والتقليدي، إضافة إلى نمط العمل الطويل والذي يكون في غالبه مكتبياً، الأمر الذي جعل من إضافة مساحة للتمارين الرياضية اليومية واتباع نمط غذائي معتدل أولوية في البرنامج اليومي.
حضرت تطبيقات اللياقة البدنية بقوة كأداة فعالة للوصول إلى الأهداف المرجوة وتسهيل ممارسة التمارين الرياضية، لكن ضمن حدود بسيطة ولوقت قصير فقط، فالموضوع لا يقف عند هذا الحد، إذ إن التمارين والأنظمة الغذائية تتطلب شرطاً أساساً لتحقيق النتائج وهو الاستمرارية، لذا وبعد محاولات عدة توصل الساعون إلى نمط الحياة المطلوب هذا، إلا أن الانضمام إلى النوادي الرياضية والالتزام مع مدرب خاص هو واحد من الطرق الأكثر نفعاً لتحقيق الاستمرارية.
لكن لسوء الحظ مع زيادة الأعباء والالتزامات العملية وتوالي الأحداث العالمية الصحية منها والأمنية، ظهرت مشكلة جديدة، إذ بدأ البعض يجد في الذهاب إلى الصالات عبئاً وضغطاً إضافياً، يضاف إليه ضياع مزيد من الوقت.
محاكاة للتدريب الشخصي
لكن خلال العامين الماضيين دمجت تطبيقات اللياقة البدنية مزيجاً أكثر تعقيداً من الأدوات لإنشاء تجربة تمرين جديدة يتضمن معدل ضربات القلب وعدد الأميال المقطوعة والسعرات الحرارية المحروقة، كما حاولت الشركات القابعة خلف هذه التطبيقات محاكاة عملية التدريب الشخصي على أرض الواقع، من خلال دمجها عديداً من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي نهض بهذه الصناعة وأسهم بزيادة الإقبال على منتجاتها.
هذه شركة “أميزفت” (Amazfit) الصينية المتخصصة بالأجهزة الذكية القابلة للارتداء تطلق أول وجه ساعة “watch face” في العالم مدعوم بأداة (ChatGPT Conversational AI) مكنت فيها ولأول مرة التفاعلات المستندة على “تشات جي بي تي”، إذ وبمجرد إعداد واجهة الساعة ستساعد الميزة في إظهار استجابات مستندة على الذكاء الاصطناعي شبيهة الإنسان، ويمكن أن تجري محادثة بسيطة مثل أن تسأل المستخدم عن يومه أو حتى تحييه بكلمة “مرحباً”، إضافة إلى معلومات الصحة واللياقة البدنية مثل عدد الخطوات والسعرات الحرارية المحروقة وغيرها.
مدرب الذكاء الاصطناعي
تنشئ تطبيقات تدريب اللياقة البدنية القائمة على الذكاء الاصطناعي برامج تدريب مخصصة بناءً على أهداف المستخدم ونوع التدريبات التي يحتاج إليها والمعدات المتوفرة لديه، وبخلاف “تشات جي بي تي” الذي يستخدم كمية هائلة من البيانات للتنبؤ بالكلمة التالية في جملة، تأخذ هذه التطبيقات بيانات المستخدم وتستخدم الخوارزميات لإنشاء تدريبات مخصصة، بناءً على تجارب مستخدمين آخرين.
ولأن الهدف الأساسي من المتابعة مع المدرب الخاص هو الحصول على المساعدة المباشرة والتحفيز والمتابعة إضافة إلى الإحساس بوجود شخص معنا يجعلنا نعيد حساباتنا كل مرة نتخلف فيها عن أداء تماريننا، سيقوم التطبيق في كل مرة ينجز المستخدم التدريبات المكلف بها بتخصيص وتصميم جلسات تدريب جديدة اعتماداً على الملاحظات التي يقدمها المستخدم حول شعوره وأدائه والمدة التي استغرقها وكم العمل الذي قام به أو مقدار الوزن الذي رفعه، وتدمج عديد من التطبيقات أيضاً بيانات من أجهزة اللياقة البدنية القابلة للارتداء أو الساعات الذكية.
وكانت مجموعة من التطبيقات قامت أخيراً بدمج الذكاء الاصطناعي في برامجها مع كلفة اشتراك أقل من 100 دولار في السنة لتطبيقات مثل Fitness AI وAaptiv وFitBod، أما التطبيقات المتقدمة مثل Juggernaut AI، الذي يركز على تدريبات القوة ويوفر مدرباً خاصاً بتمارين رفع أثقال، فقد تصل كلفته إلى 350 دولاراً في السنة.
كما كلفت شركة “آبل” مجموعة عمل متكامل تضم فريق “سيري” والذكاء الاصطناعي والخدمات والصحة للعمل على ميزة جديدة لتطوير مدرب لياقة بدنية خاص مدعوم بالذكاء الاصطناعي أطلق عليه (موقتاً) اسم كوارتز.
وبحسب تقرير لـ”بلومبيرغ” فإن دور المدرب الافتراضي مطابق تماماً لدور نظيره البشري على أرض الواقع، إضافة إلى ميزات أخرى عدة لتتبع النشاط اليومي والتمارين ودورة النوم والعادات الغذائية وغيرها من جوانب الحياة الصحية، كما سيزود المدرب الافتراضي بمعلومات كاملة عن المستخدم تخوله تقديم نصائح مباشرة تعمل على الحفاظ على الصحة وتحسينها باستمرار، علماً أن الميزة ستكون مدفوعة باشتراك شهري، ومن المرجح أن تضاف العام المقبل إلى الإصدار التاسع Apple Watch Series 9 من ساعتها الذكية.
من جهة أخرى، توفرت في السنوات الأخيرة معدات رياضية منزلية ذكية توفر تجربة تمرين أكثر احترافية مثل Tonal وTempo، وهي عبارة عن ناد منزلي ذكي يتضمن مستشعرات للحركة تستخدم الذكاء الاصطناعي وكاميرات مصممة لتتبع حركة المستخدم وتزويده بالملاحظات.
وكما يبدو هذه ليست سوى البداية، إذ إن قطاع الصحة والرياضة باشر بقوة الانضمام إلى ثورة الذكاء الاصطناعي واللحاق بالركب، والأكيد أن مزيداً من العلامات التجارية الشبيهة ستتبنى هذا النهج في المستقبل القريب، كما ستبتكر طرقاً وخدمات صحية جديدة للاستفادة من قوة الأداة ومواكبة أحدث التقنيات، ومع الوقت ستتمكن التطبيقات من جميع بيانات أكبر لاستثمارها ودمجها في عملية تصميم التمارين وتقديم ملاحظات أكثر وأشمل، لكن السؤال هل مزيد من البيانات تعني تعليمات ونصائح أفضل؟
مستقبل المدرب البشري
يروج العاملون في مجال اللياقة إلى أنه في حال كنت على دراية بالحركات والتمارين التي يقترحها التطبيق مع وجود دافع ذاتي يمكنك من المتابعة والاستمرار، سيكون المدرب الافتراضي وسيلة فعالة من حيث الكلفة للحصول على خطة تدريب مخصصة وتغيير روتين التمرين التقليدي.
والحقيقة أن الجزء الأهم في التدريب الشخصي وتدريبات القوى على وجه الخصوص يتركز على تقديم برامج متدرجة تتضمن عدد مرات تأدية التمرين أو التكرارات وعدد المجموعات وكيف يجب أن تتغير هذه الأرقام مع التقدم في التمرين، وهذا الأمر قد ينجح بتأديته المدرب الذكي بشكل أو بآخر، لكن تظل الغلبة في نجاح عملية التدريب للعامل نفسي، إذ يعتبر العنصر الحاسم بمقارنته مع العامل الجسدي، فالأصل أن التدريب يعتمد بشكل أساس على التفاعلات الاجتماعية، وهذا ما لا تستطيع التطبيقات الافتراضية (حتى الآن) توفيره بشكل متغير ومتجاوب تبعاً للحالة.
لكن هذا لا يعني أن جميع البشر يحتاجون إلى هذا النوع من التحفيز، فالبعض بخاصة من مضى عليه وقت في التزام التمرين لن يحتاج إليها بالشكل الكبير، مقابل المبتدئ الذي يعتمد التزامه في السنوات الأولى على مدى تزويده بالدعم الخارجي الدائم.
جدير بالذكر أن شركات التطبيقات لن تقدم على تكليف التطبيق بوضع أنظمة غذائية للمستخدمين، تجنباً للمساءلة في حال وجود مشكلات صحية مخفية لدى المستخدم، وما يلحق بها من تبعات قد تفضل الشركات أن تظل بعيدة عنها.