وسط غياب عربي… إيران تخترق المجتمعات الأفريقية بالمساعدات وتوظف الاستقطاب الديني

النشرة الدولية –

تعكس الجولة التي يقوم بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في عدد من الدول الأفريقية دخولا إيرانيا على خط سباق النفوذ الدولي على أفريقيا، والذي أُثير بشأنه الكثير من الجدل في ظل التنافس الأميركي – الصيني، وتزايد التأثير الروسي في مناطق من القارة من بوابة مجموعة فاغنر.

 

ويأتي التوجه نحو أفريقيا بعد أن نجحت إيران في إرساء تهدئة مع محيطها العربي، وذلك عقب الحوار مع السعودية والتفاهمات بشأن تهدئة التوتر بين البلدين خاصة في اليمن، بالرغم من أن هذه التفاهمات لم يتم اختبارها بعد.

 

وتراهن إيران على دخول هذا التنافس مستفيدة من شبكات مذهبية نجحت في خلقها ببعض الدول الأفريقية المهمة مثل نيجيريا، وكذلك على شبكات أرساها حليفها حزب الله داخل الجالية اللبنانية في أفريقيا، والتي تتمتع بعمق تاريخي.

ويرى مراقبون أن إيران تبحث عن بناء شراكات اقتصادية ولو محدودة تمهد لتركيز نفوذها العلني في القارة، وهو ما سيسمح لها لاحقا بالتمدد عبر تكوين ميليشيات وتدريبها ومدها بالسلاح وتحويلها إلى أذرع شبيهة بما تمتلكه في الشرق الأوسط مثل الميليشيات الحليفة في العراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

وكانت إيران قد سعت لوضع نواة لهذه الميليشيات في بعض الدول الأفريقية؛ مثل الحركة الإسلامية النيجيرية التي تلقت من طهران دعما عسكريا وتدريبات على حرب العصابات، فضلا عن الدعم المباشر للدعاية الدينية وسفر قياداتها إلى إيران لتلقي التكوين الديني.

وباستثناء المنافسة التركية ستجد إيران أن مسعى بسط نفوذها في أفريقيا صار أكثر سهولة بسبب غياب الوجود العربي المؤثر، سواء كان ذلك في شكل استثمارات أو من خلال عناصر النفوذ الدينية والثقافية بصفة عامة، خاصة من مصر التي تراجع تأثيرها الأفريقي تحت وقع أزماتها الداخلية.

ولا ترى مصر في التمدد الإيراني في أفريقيا أي حرج أو إزعاج لها، وسط إشارات متبادلة بين القاهرة وطهران تلمّح إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية وتنشيط السياحة الدينية ضمن مسار عربي أشمل يتجه إلى التهدئة مع طهران وتبريد الخلافات معها.

وبالتوازي مع الحياد المصري تجاه النفوذ الإيراني تمد الجزائر لطهران يد العون للتمدد في شمال أفريقيا والتسلل إلى دول الساحل والصحراء وتهديد الأمن القومي لدول شمال أفريقيا وخاصة المغرب.

وتجد إيران صعوبة في تركيز نفوذها في هذه المنطقة باعتماد الاستقطاب الديني في ظل النفوذ الديني التاريخي للرباط في غرب أفريقيا والعلاقات الوثيقة مع الحركات الصوفية التي ترى في المغرب مركزا روحيا. لكن المجال مفتوح في بقية مناطق القارة.

ويعتقد المراقبون أن إيران يمكن أن تستفيد من صراع القوى الكبرى على القضايا الاقتصادية وتبحث عن دور ثانوي تدعمه بروافد مذهبية وشبكة علاقات حزب الله، وهو ما يمكنها من التأثير على المدى البعيد واختراق المجتمعات عبر المساعدات والمدارس الدينية.

ويزور رئيسي في جولته الأفريقية كينيا وأوغندا وزيمبابوي، في أول جولة أفريقية لرئيس إيراني منذ 11 عاماً.

وبعد أن التقى الرئيس الكيني وليام روتو توجّه رئيسي الأربعاء إلى أوغندا لإجراء محادثات مع نظيره يويري موسيفيني، ثم يلتقي رئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا الخميس.

ووصف رئيسي زيارته إلى كينيا بأنها “منعطف في تنمية العلاقات بين البلدين”.

وقال إن محادثاته مع روتو “تعكس عزم البلدين وتصميمهما على توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، والتعاون السياسي، والتعاون الثقافي”.

من جهته وصف روتو إيران بأنّها “شريك إستراتيجي مهمّ لكينيا”، وقال إن “حكومتي البلدين وقّعتا خمس مذكرات تفاهم تركّز على قطاعات من بينها تكنولوجيا المعلومات وتعزيز الاستثمار ومزارع تربية الأسماك”.

وأضاف “هذه المذكّرات ستعزز وتعمّق بدرجة أكبر علاقاتنا الثنائية من أجل النمو المستدام والتنمية بين بلدينا”.

وصرح روتو أمام الصحافيين بأنّ رئيسي قدّم إلى كينيا أيضا خططا لإقامة منشأة في مدينة مومباسا الساحلية “لتصنيع عربة إيرانية أطلق عليها الآن بلغة كيسواهيلي اسم كيفارو، أي وحيد القرن”.

ويقوم رئيسي بجولته على رأس وفد يضم وزير الخارجية ورجال أعمال كبارا، بحسب وكالة الأنباء الرسمية إرنا.

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبداللهيان إن “هناك قواسم مشتركة ومجالات تعاون بين طهران والدول الأفريقية”، مؤكدا أن القارة السمراء تحرص على الحفاظ على الاستقلال السياسي، وقد وصفها بأنها “قارة الفرص” لكونها تتمتع بفئة سكانية شابة وأناس طيبين.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني عبّر الإثنين عن تفاؤله بأن تسهم الجولة التي تستمر ثلاثة أيام في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول أفريقية.

وقال إن طهران والقارة الأفريقية تتقاسمان “آراء سياسية مشتركة”.

وكثفت إيران نشاطها الدبلوماسي في الأشهر الأخيرة لتقليص عزلتها والتخفيف من تداعيات العقوبات التي أعيد فرضها عليها منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من اتفاق نووي تم التوصل إليه بعد جهود شاقة.

واستقبل رئيسي السبت وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف لتعزيز العلاقات مع الجزائر.

وأصبحت إيران الأسبوع الماضي عضوًا في منظمة شنغهاي للتعاون التي تضمّ خصوصا روسيا والصين والهند.

وتوصلت إيران في مارس إلى اتفاق بوساطة الصين لاستئناف العلاقات بينها وبين منافستها في المنطقة السعودية. ومنذ ذلك الحين تتطلع إيران إلى إعادة العلاقات مع دول أخرى في المنطقة بما في ذلك مصر والمغرب.

وقام رئيسي في يونيو الماضي بجولة في أميركا اللاتينية شملت فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، قبل أن يزور إندونيسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى