القرار الوزاري واختراع العجلة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
قرّر مجلس الوزراء، وغالباً بأوامر مباشرة من سمو الرئيس، طباعة 100 ألف نسخة من القرآن الكريم، بعد ترجمتها إلى اللغة السويدية، وإرسالها إلى السويد، رداً على الفعل الحقير الذي قام به مهاجر عراقي، عندما قام علناً بحرق نسخة من المصحف.
انتشرت في شوارع الكويت، فور نشر الخبر، لوحات لحملة إعلانية تشيد بالقرار، وتعتبره نصراً كبيراً.
لم أجد في القرار أي معنى حقيقي أو رد فعل حضاري سليم على حادثة الحرق، بل قد تترتب عليه ردود أفعال سلبية عدة، حيث قمنا بطباعة هذا الكم الضخم من نسخ القرآن، من خلال استخدام كم هائل من الورق، والتي غالباً لن يستفاد منها، وستنتهي إلى أرفف المساجد، من دون أن تصل إلى يد من يجب أن تصل إليه، وهو المواطن السويدي العادي.
كان من الممكن، بسهولة كبيرة، وأتمنى ألا يكون الوقت قد أصبح متأخراً، توفير الكثير من الجهد والمال وسرعة تنفيذ القرار من خلال الاستخدام الأفضل لما وصلت إليه التكنولوجيا، وليس التفكير في تنفيذ الأمر بصورة تقليدية بائسة بالفعل.
تكلفة طباعة 100 ألف نسخة وإرسالها إلى السويد ليست عالية كثيراً، وهذا ليس هدف المشروع، بل الهدف هو إيصال النسخ إلى أيدي المواطنين السويديين، الذي ينتشرون على مساحة تزيد على 528 ألف كلم2، وهذه عملية ستتكلف عشرات الملايين، وفترة تنفيذ طويلة، وغالباً لن ينتج عنها أثر إيجابي واضح! علماً بأن «مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف» يقوم، منذ سنوات، بوضع ترجمات متقنة للمصحف بمئات اللغات الأخرى، وبتصرف الكل مجاناً.
كما أن السويدي، الذي سبق أن رغب، أو سيرغب في معرفة شيء عن القرآن، قد قام بذلك من خلال البحث على الإنترنت، ولن يكون حتماً بحاجة إلى نسخة ورقية من القرآن. وبالتالي، لا يوجد سبب منطقي يدفع «حكومتنا الرشيدة» إلى الصرف على ترجمة وطباعة وتوزيع عشرات آلاف النسخ، من دون جدوى، فأغلبية السكان لا يستخدمون المطبوعات الورقية إلا في أضيق الحدود.
كما يمكن الاطلاع والاستماع إلى القرآن بكل اللغات الأوروبية وغيرها من خلال الموقع التالي:
وكل هذا يغني عن الحاجة إلى مشروع مجلس الوزراء، الذي من الممكن تنفيذه بتكلفة أقل بكثير، من خلال حفظ النص كاملاً على «الشب»، أو شريحة الذاكرة الحافظة، الفلاش ماموري، بشكل أنيق وجذاب، وتوزيعه على الراغبين في اقتناء المصحف، وتطبيق ذلك سيحقق وفراً كبيراً في المال والوقت، وسيجنبنا أية إهانات أخرى نحن في غنى عنها. فقد تفكّر الجهة التي ستتولى توزيع المصحف الورقي بوضع منصات في الشوارع الرئيسية، وأمام المساجد وتقديمها مجاناً للمارة، الذين قد يتقبلونها، أدباً، ولكن الكيفية، التي سيتصرفون بها مع النسخة الورقية الثقيلة وزناً، غير معروفة!
***
وأخيراً، كيف يمكن الوصول إلى عقل وقلب المواطن السويدي بتصرفنا هذا على ضوء البيان الذي أصدره مجلس الأمة، والذي حذر فيه السويد، وغيرها، من تكرار الفعل، طالباً من التجارة منع بيع السلع التي تصنعها السويد والدول المسيئة لرموزنا الدينية، ونتدخل في شؤونها الداخلية وسياساتها، طالبين منها بقوة رفض طلبات اللجوء السياسي لمن يسب الدين والرب والرسل والقرآن!
***
من السخرية أن نلطم السويدي على خده الأيمن بتهديداتنا، ونطبطب، في الوقت نفسه، على خده الأيسر طالبين منه قبول هديتنا «المجانية».