مشكلتنا مع «المستغربين» لا المستشرقين!
بقلم: بشار جرار

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية –

رحم الله أستاذنا العلّامة الدكتور عصام سلمان الموسى. مما تعلمه جيلي من نجل ذلك المؤرخ الأردني الكبير العلاقة بين المتلقي والمرسل في وسائل الاتصال الذي كان يصر على ضرورة إبقائها اتصالا وتواصلا مستدامين لا إعلاما موجها ولا تلقينيا.

 

لن أخوض في المزيد، لكني أتوقف عند مصطلح واحد تعلمناه من أ.د. الموسى وهو «الانسحاق»، ذلك الشعور المترتب على مقاطعة أو غياب المتلقي عن المرسل. بكلماته، مالم تخنّ الذاكرة: يشعر الإنسان (المتلقّي) ألا قيمة له وأنه غائب عن محيطه وعن الدنيا كلها.

 

مشكلتنا في ظل الثورة المعلوماتية والاتصالية هي انسحاق من نوع آخر ليس جراء الغياب وإنما نقيضه: الإغراق والاستحواذ الذي أقرب ما يكون الحال فيه إلى ما يعرف بالأخذ أو الخطف بالمعنى الروحي والنفسي. يصير المتلقي مأخوذا إلى حد التبعية والهوس بالمرسل ومن يمثله من قيم وأشخاص وأشياء، فيصير الانسحاق واقعا من أسباب ونتائجه الإحلال التدريجي فالكامل لكل ما في جعبة المرسل لدى المتلقي (سليب الوعي ومن ثم الإرادة).

 

أرى في أولئك المنسحقين جماعة في غاية الخطورة. إنهم المستغربون كتسمية مقابلة للمستشرقين الذي تعلموا العربية ودرسوا لغتها ولهجاتها وتاريخ دول وشعوب الشرق الأوسط والدول العربية لغايات يراها البعض أكاديمية محضة، وأراها قطعا مرتبطة بترس ما متوارٍ عن الأنظار في ماكينة الأمن والاقتصاد والسياسة. هذا ليس تحليلا أو تنظيرا، هذا ما رصدته بشكل مباشر منذ زهاء ثلاثة عقود في الوسطين الأكاديمي والإعلامي أو من خلالهما في ضفتي الأطلسي، بريطانيا وأمريكا.

 

لا أذيع سرا ولا أتحرج من الدعوة إلى ضرورة الاشتباك الإيجابي مع المستشرقين، فيما أقولها وبالفم المليان، إن الفريق المقابل «المستغربين»، هم خطر حقيقي على طرفي المعادلة: المرسل والمتلقي، الغرب والشرق. وقد كان فيما سمي زورا وبهتانا «الربيع العربي» المشؤوم المذموم، دليل صارخ على دور أولئك «المستغربين» وهم حفنة من المرتزقة بكل معنى الكلمة، صاروا يتاجرون بالأوطان والأديان بما يقدمونها على أنها أبحاث ودراسات ومحاضرات ومداخلات إعلامية دعائية مضللة أو مفبركة.. واجهت بعضهم وحرضت صراحة على ضرورة مقاطعتهم والحذر منهم، فبضاعتهم فاسدة وتضر بالممول أكثر من المستهلك أو المستهدف..

 

للأسف معظم ما لم يكن جميع مراكز صنع القرار «الناعم والخشن» توظف أو تتعاقد لشراء خدمات أولئك «المستغربين». وبفضل الوعي ودور الخيّرين وبرحمة من الله، انكشف أمر كثير من «المستغربين» وبارت تجارتهم! ومن خلال منبر الدستور الغراء، أسأل الله أن ينبري للـ «مستغربين» جهد اتصالي تواصلي وآخر دبلوماسي وربما قانوني أيضا لكشف تلك الحفنة من التجار الغشاشين الذين يلعبون بـ»البيضة والحجر»، ويستدرجون العطاءات من المنظمات وأحيانا السفارات بما يعرف بالـ «ليب سيرفيس»، تجارة أو دبلوماسية الشفاه، التي تحكي وتكتب ما يطرب لسماعه «السماسرة والمقاولون» ومن بينهم المستشرقون أو أربابهم، أولياء نعمهم!

زر الذهاب إلى الأعلى