هل أهداف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050 و2060 واقعية؟
بقلم: أنس بن فيصل الحجي

"الحقيقة المرة هي أن استهلاك الطاقة العالمي في زيادة مستمرة خلال العقود الماضية وبمعدلات عالية وستستمر كذلك لعقود طويلة"

النشرة الدولية –

حدث تغير كبير في مواقف الحكومات والناس ووسائل الإعلام تجاه سياسات التغير المناخي، لاحظوا هنا أن الحديث ليس عن “التغير المناخي”، ولكن عن السياسات المتبعة لمحاربة “التغير المناخي”. هذا التغيير مع مواقف الدول النفطية والصين والهند والدول الأفريقية التي تدعو إلى التروي في الأمر، قد يجعل قمة المناخ المقبلة “كوب 28” في الإمارات قمة تاريخية إذا تمكنت هذه الدول مع الشركات كمجموعة من تغيير المواقف والأخذ بزمام الأمور، لأن السياسات الأوروبية أثبت فشلها وكلفت الحكومات الأوروبية مئات المليارات، وهبطت بمستويات المعيشة فيها. كما أن مخاطر نقص إمدادات الطاقة ما زالت موجودة، خصوصاً في الشتاء المقبل. التغير ملحوظ في عودة شركات النفط الأوروبية الكبيرة، خصوصاً “شل” و”توتال”، وتصاريح عديد من المسؤولين حول العالم وتشكيكهم في جدوى الإسراع بسياسات التغير المناخي، لدرجة أن جريدة “الفايننشال تايمز” المشهورة بدأت بتغيير سياستها التحريرية ونشرت مقالة منذ يومين ضد مزارع الرياح البحرية، وبدأت بالحديث عن سياسات التغير المناخي بشكل أكثر موضوعية.

وكما ذكرت في الماضي أكرر أن العالم بحاجة إلى كل مصادر الطاقة، بما في ذلك الشمسية والهوائية والجوفية والهيدروجين الأخضر، وكل أنواع التقنية التي تحسن من الكفاءة في الاستخدام، وكل تقنيات المواصلات بما في ذلك السيارات المزدوجة الوقود والكهربائية والغازية والهيدروجينية.

حماة البيئة ومتطرفي التغير المناخي منقسمين على أنفسهم في أمور عدة، الأمر الذي يعني أن “العلم” الذي يعتمدون عليه هو مجرد نظريات، وأن بعضاً منهم، خصوصاً الشركات، تستغل هذه الظروف والإعانات الحكومية، للترويج للتغير المناخي والطاقة المتجددة، لجني مزيد من الأموال.

مثلاً حماة البيئة منقسمون بين مؤيد للطاقة الشمسية في الصحاري وبين معارض لها، ومنقسمون حول توربينات الرياح البحرية، ومنقسمون حول الوقود الحيوي، ومنقسمون حول التنقيب عن المعادن اللازمة للتحول الطاقي، ومنقسمون حول الهيدروجين، ومنقسمون حول دور السيارات الكهربائية، إذ يرى بعض منهم أن السيارات المزدوجة الوقود أفضل بيئياً. فهناك حاجة إلى هذه المصادر، ولكن هذه المصادر لها آثارها البيئية السلبية أيضاً. ويقول مؤيدو الطاقة المتجددة أن آثارها أخف من الوقود الأحفوري، لذا يطالبون الطرف الآخر بأن يتجاهلوا الأثر البيئي السلبي للمناجم. ولكن المشكلة هنا أن المتأثرين بالآثار السلببية لمشاريع الطاقة المتجددة يختلفون تماماً عمن ينتجون مصادر الطاقة الأحفورية.

أضف إلى ذلك مشكلة أخرى وهي أن توليد الكهرباء والآثار السلبية في دولة أو ولاية، والاستهلاك يجري في دولة أو ولاية أخرى. وهذا يزيد من حدة المعارضة لهذه المشاريع. أضف إلى ذلك اللوبيات والفساد الإداري، فتجد أن حدة المعارضة تزاد يوماً بعد يوم. طبعاً ما زال الحديث هنا عن أوروبا والولايات المتحدة، وليس عن الدول النامية.

 

واقع التحول الطاقي والحياد الكربوني

 

الحقيقة المرة هي أن استهلاك الطاقة العالمي في زيادة مستمرة خلال العقود الماضية وبمعدلات عالية وستستمر كذلك لعقود طويلة، وجزء كبير من هذه الزيادة سيكون في قطاع الكهرباء، هذا يعني أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يكفي بالكاد لمقابلة هذا الطلب المتنامي، ومن ثم فلن تحل الطاقة المتجددة محل مصادر الطاقة الأخرى، ومن هنا فإن فكرة التخلص من “الكربون” غير منطقية.

منذ عام 2010 وحتى الآن، أنفق العالم أكثر من 4 تريليونات دولار على الطاقة المتجددة (هذا لا يتضمن الطاقة الكهرومائية). ما نتيجة هذا الإنفاق الهائل، الذي يعادل نحو ثلاثة أضعاف الناتج المحلي للعالم العربي كله في العام الماضي؟ وهل تستطيع الطاقة المتجددة خفض دور الوقود الحفوري؟ لنتذكر أن هذه التريليونات أنفقت في وقت كانت فيه أسعار الفائدة قريبة من الصفر. الآن كلفة رأس المال عالية، وستؤثر سلبا في المشاريع المستقبلية للطاقة المتجددة.

 

لندع الأرقام نتكلم، وهي أرقام مأخوذة من معهد الطاقة البريطاني.

 

إجمالي استهلاك الطاقة الأولية بحسب المصدر

 

استهلاك الطاقة عالمياً كان في زيادة مستمرة خلال الـ70 السنوات الماضية ما عدا في فترات الركود الاقتصادي، إذ زاد استهلاك الطاقة منذ عام 1965 بأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة نفسها، وعلى رغم الحرب على النفط منذ سنوات تضاعف استهلاك النفط.

 

ما زال الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) هو المصدر الأساس للطاقة في العالم، إذ إن 82 في المئة من الطاقة المستهلكة في العالم جاءت من الوقود الأحفوري. وعلى رغم إنفاق أكثر من 4 تريليونات دولار على الطاقة المتجددة (غالباً الطاقة الشمسية والرياح)، فإن حصتها بلغت سبعة في المئة فقط، وأغلبها في الدول المتقدمة والصين.

 

في عام 2022، كانت نسبة النفط هي الأكبر ضمن الاستهلاك الكلي للطاقة الأولية في العالم بنسبة قدرها 32 في المئة، يليه الفحم بـ27 في المئة، ثم الغاز بـ23 في المئة، بعده الطاقة الكهرومائية بنسبة سبعة في المئة، ثم باقي الطاقة المتجددة سبعة في المئة، والطاقة النووية أربعة في المئة.

 

في أوروبا، 71 في المئة من الطاقة التي استهلكت في العام الماضي جاءت من الوقود الأحفوري. أكبر مصدر للطاقة كان النفط بنسبة 36 في المئة، يليه الغاز 22 في المئة، ثم طاقة الرياح والشمس 14 في المئة، ثم الفحم 13 في المئة، ثم الطاقة النووية ثمانية في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية سبعة في المئة.

 

في الولايات المتحدة، 81 في المئة من استهلاك الطاقة في العام الماضي جاء من الوقود الأحفوري. ومثل النفط 38 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة، يليه الغاز 33 في المئة، ثم الفحم 10 في المئة، ثم طاقة الرياح والشمس تسعة في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية اثنين في المئة.

 

الصورة مختلفة تماماً في الهند والصين، في الهند 89 في المئة من إجمالي الطاقة الأولية المستهلكة في عام 2022 جاء من الوقود الأحفوري، ونحو 55 في المئة من إجمالي الطاقة الأولية المستهلكة جاء من الفحم، 28 في المئة من النفط، ستة في المئة من الغاز، وستة في المئة من الطاقة المتجددة، وأربعة في المئة من الطاقة الكهرومائية وواحد في المئة من الطاقة النووية.

 

أما في الصين، 82 في المئة من استهلاك الطاقة في عام 2022، جاء من الوقود الأحفوري.  وحصل الفحم على نصيب الأسد بـ55 في المئة من أجمالي الطاقة الأولية المستخدمة، يليه النفط 18 في المئة، ثم الغاز تسعة في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية ثمانية في المئة، وباقي الطاقة المتجددة ثمانية في المئة، ثم الطاقة النووية اثنين في المئة.

 

توليد الكهرباء بحسب المصدر

 

يرى بعض منهم أن ما ذكر أعلاه لا يعبر عن الوضع الحقيقي للطاقة لأن أغلب التغيرات حدثت في قطاع الكهرباء، ولكن سنجد أن الصورة لا تفرق كثيراً حتى لو ركز على قطاع الكهرباء، إذ أنه من الواضح أنه لا يمكن الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050 أو 2060 على كل حال.

 

تشير البيانات إلى أن 35 في المئة من الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء عالمياً في عام 2022 جاء من الفحم، يليه الغاز بنسبة 23 في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية 15 في المئة، ثم طاقة الرياح والشمس 14 في المئة، ثم الطاقة النووية تسعة في المئة. أما النفط فإنه قلما يتسخدم في توليد الكهرباء، وغالباً يكون في الدول النفطية والجزر، إذ بلغت نسبة الكهرباء المولدة من النفط ثلاثة في المئة فقط. هذا يعني أن أثر مضاعفة الطاقة المتجددة في الطلب على النفط قليل جداً، إن وجد.

 

أكبر منتج للكهرباء في أوروبا هو الطاقة الشمسية والرياح بنسبة 27 في المئة من إجمالي توليد الكهرباء، وعلى رغم أنها أكبر نسبة علينا أن نتذكر أن هذا كان نتيجة سياسات حكومية على مدى 20 عاماً، وإنفاق ملياري، ومساعدات حكومية ضخمة. بعد الطاقة الشمسية والهوائية يأتي الغاز بنسبة 20 في المئة، ثم الطاقة النووية بـ19 في المئة، ثم الفحم 17 في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية 14 في المئة. أما النفط فإنه أقل من واحد في المئة، وهناك مصادر أخرى تقدر بـاثنين في المئة.

 

نحو 60 في المئة من الكهرباء في الولايات المتحدة تولد من الوقود الحفوري. أكبر مصدر للكهرباء هو الغاز (40 في المئة)، يليه الفحم (20 في المئة)، ثم الطاقة النووية (18 في المئة)، ثم الطاقة الشمسية والرياح (16 في المئة) ثم الكهرومائية (ستة في المئة). دور النفط لا يكاد يذكر وأقل من واحد في المئة. هنا نجد أيضاً أن مضاعفة الطاقة المتجددة لا تؤثر في الطلب على النفط.

 

في الهند، 77 في المئة من الكهرباء تولد من الوقود الأحفوري. أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في الهند هو الفحم بنسبة 74 في المئة، تليه الطاقة الشمسية والرياح بنسبة 11 في المئة، ثم الطاقة الكهرومائية تسعة في المئة، ثم الغاز ثلاثة في المئة، والطاقة النووية ثلاثة في المئة. هنا أيضاً نجد أن استخدام النفط في توليد الكهرباء نادر جداً.

 

في الصين، أكبر مستثمر في الطاقة الشمسية والرياح في العالم، 15 في المئة فقط من إجمالي توليد الكهرباء جاء من الطاقة الشمسية والرياح. وما زال للفحم نصيب الأسد في توليد الكهرباء بنسبة 61 في المئة، تليه الطاقة الكهرومائية، التي تساوت مع الطاقة الشمسية والرياح بنسبة 15 في المئة، ثم الطاقة النووية خمسة في المئة، ثم الغاز ثلاثة في المئة. وكما هي الحال في الدول المتقدمة والهند، دور النفط في توليد الكهرباء لا يذكر.

 

خلاصة القول، بعد إنفاق أكثر من 4 تريليونات دولار على الطاقة الشمسية والرياح منذ عام 2010، وهو مبلغ أكبر من الناتج المحلي لكل القارة الأفريقية ودول الوطن العربي في آسيا مجتمعين، ما زال العالم يعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير. وبالنظر إلى الإنفاق والتقنية، نجد أنه لا يمكن الوصول إلى الحياد الكريوني أو تصفير الانبعاثات بحلول عامي 2050 أو 2060. مكافحة التغير المناخي تتطلب فترة طويلة من الزمن.

Back to top button