“جرائم ماكرة” أعمال من صداع الحياة الضئيلة… لوحات تحلل دور الإنسان في هذا العالم
النشرة الدولية –
العرب – ميموزا العراوي –
وظف الفنانان موريسون بيرس وياسمينة نيستن تقاربهما على مستوى التصورات الفنية بما في ذلك الأساليب والمدارس التي تؤثر في تجربتيهما الفنية ومنها فن الشارع، لينجزوا أعمالا مشتركة أطلقوا عليها اسم “جرائم ماكرة” لتعكس رؤيتهما القاتمة واللاذعة لعالمنا المعاصر.
يُمكن استساغة فكرة معرض فني جماعي بسهولة فائقة، لكن وعلى الأرجح لن يكون ذلك سهلا حين يضم المعرض فنانين اثنين فقط كما كان الحال في صالة “مارك هاشم” اللبنانية التي قدمت منذ بضعة أيام معرضا تحت عنوان “جرائم ماكرة”. الفنانين المشاركين هما الفنان الأميركي موريسون بيرس واللبنانية-الفنلندية ياسمينة نيستن.
جاء المعرض بمبادرة من ريما ناصر الرئيسة التنفيذية لشركة “سلكشونز أرتز”. أعمال معظمها ذات قياسات كبيرة ومشغولة بمواد وأساليب مختلفة كالباستيل والكولاج ورقيّ وألوان الأكريليك وطلاء الرشّ الخاص بأعمال الغرافيتي.
وإن كان أي معرض جماعي يشمل عدد كبيرا من الفنانين بهدف اظهار مروحة كبيرة ومختلفة من الأعمال الفنية حتى وإن جاءت تحت عنوان موحّد أمرا معهودا لاسيما في بداية موسم الصيف، فالمعرض الذي يضم فقط فنانين كهذا الذي نحن بصدد الحديث عنه يدعو إلى التساؤل حول إمكانية وجود صلة قوية ناشئة بين الاثنين سمحت بأن يكون لهما معرضا مشتركا، مع العلم أن أهم ما يتصف به أي فنان هو تميزه عن أي فنان آخر.
موريسون وياسمينة اجتمعا في معرض “جرائم ماكرة” واشتغلا سويا على لوحات واحدة تعبيرا عن تعاونهما الوثيق وتمثيلا للانسجام الفكري عالي الوتيرة بينهما. كما عكس هذا الاندماج تأثرهما المشترك بتيارات فنية من القرن الفائت لاسيما ما يسمى بفن الشارع.
وفن الشارع هو مصطلح يطلق على الأعمال الفنية البصرية التي يتم رسمها في الشوارع والأماكن العامة، ويشمل الرسم، والنحت، والملصقات، والكتابة.
وتذكّر معظم أعمال الفنانين بما قدمه فن الغرافيتي الذي تعود أصوله إلى عصر الإنسان الحجري الذي كان يرسم أشكالا مجردة وحيوانات على جدران الكهوف كعلامة على وجودهم أو مرورهم بالمكان.
وتزخر بعض أعمال المعرض بالكثير من الإشارات البدائية والرسومات لحيوانات أسطورية وأشياء مُحلقة في فضاء اللوحات وشرائط كهربائية وأبنية شاهقة واخرى معرضة للسقوط. كلها عناصر تشابكت خطوطها فيما بينها لترتفع وتيرة الاحتدام والفوضى في عالم بعيد كل البعد عن الهدوء والانسجام.
يذكر البيان الصحافي للمعرض أنه يضم مجموعة لأعمال فنية “تتوّج رحلتَي الفنانين وتعكس رؤيتهما القاتمة واللاذعة لعالمنا المعاصر. كلاهما تأثرا بفن الشارع الذي ازدهر في الثمانينيات والتسعينيات على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، فولدت على نحو مشترك بينهما سلسلة “السوق السوداء” التي ولدت في لقاء الفنانة “نيستن” بمروجي ممنوعات في مدريد سنة 2022 ويعرفون باسم “باندروس” أي الشخص الذي يأخذ العسل من النار”.
من تلك السلسلة أي “السوق السوداء”، التي تضمن اعمالا عن تزوير البضائع والمتاجرة بالممنوعات أو بالمواد المحتكرة الذي ذكرها البيان الصحفي، تفرعت مجموعة أخرى من اللوحات حملت عنوان “سوء الممارسة الطبية” وجاءت كتأكيد على اعتبار الحقل الطبي ليس خارج هذا العالم المشحون بالفساد، بل ينضوي بشكل أساسي تحت لوائه.
في المعرض لوحات أقل ما يُقال عنها إنها لوحات مزعجة ومريبة في تركيبها وتوزيع ألوانها وهي خالية تماما من أي حضور بشريّ. لوحات يحار المرء أمامها إن كانت عيادات وغرف عمليات مُعدّة لإنقاذ حياة إنسان أو لسلب أعضاءه أو لتعريضه لشتى الاختبارات العلمية أو هي مصانع لأموال طائلة بالتعاون مع شركات التأمين تحت قناع المعالجة الطبية.
وفي المعرض بعض من أعمال سلسلة فنية ثالثة عنوانها “البوسطة” التي هي نوع من تنفيس بركاني، إذا صح التعبير، عما يعتمل في نفس الفنانين من أفكار ومشاعر تجاه العالم المعاصر وسلم أخلاقياته المتردية. تزخر هذه المجموعة بالإشارات والخطوط والكتابات التي تمت إلى الخلفية الثقافية اللبنانية والفنلندية وتنتشر فيها أشكالا لحيوانات أسطورية ووجوه مشغولة بالطريقة الفطرية وأجواء عامة تذكر بأعمال الفنان الذائع الصيت جان ميشيل باسكيا.
ربما أراد الفنانون بهذه الأعمال التعبير عن شيء من الخفة والتحرر من الكوابيس التي حضرت في المجموعتين الآخرتين غير أن هذا لم يتحقق إذ بدت كأنها قهقهة فاقعة أطلقها مهرج مخيف قبيل تنفيذ مخططاته المقيتة.
لعل أهم ما يميز أعمال الفنانين على السواء هي القدرة على تحميل الألوان الصاخبة، التي تبعث بكآبة تكاد أن يمتد تأثيرها إلى رأس الناظر إليها حتى أصابته بصداع لئيم. واللافت أن كلا الفنانين يرسمان عالما سفليا مفترض أن يكون قاتما إلا أنه مشحون بألوان معظمها دافئة وكأنها مأخوذة من أجواء الشاطئ والمثلجات ومظلات البحر.
ويأخذ الفنانين هذا “الدفء” إلى حدوده القصوى، أي إلى حد الاختناق. وتأتي كل الأعمال الفنية في المعرض تحت مرمى السخرية من ناحية، وتكريس واقعية الكابوس الذي يعيشه البشر بلا مبالاة متعاظمة من ناحية أخرى. كما لا تكتفي الأعمال بطرح العناوين العريضة، بل تغوص في وجوه وأشكال هذا الفساد من السوق السوداء والثراء الفاحش إلى العنصرية وسوء الممارسة الطبية وصولا إلى سوق الدعارة وعمليات الترويج للبضائع الممنوعة والاجرام والقتل وكل ما يترتب عن ذلك وينطلق منه على السواء من شرخ عميق ما بين الإنسان وكيفية رؤيته لدوره ومكانته في هذا العالم.
يُذكر أن الفنانة اللبنانية ياسمينة نيستن من مواليد 1988 درست الفنون البصريّة في جامعة الـ “ألبا” في بيروت كون أمها لبنانية، ثمّ حازت درجة الماجستير في الفنون الرقمية والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد من معهد “برات” في نيويورك، وتعمل حصريّاً في الفن منذ إتمام دراستها. شاركت في معارض جماعية منذ عام 2006، وتُقيم منذ 2009 معارض منفردة بين نيويورك وبيروت.
أما الفنان الأميركي متعدد الوسائط موريسون بيرس فله الكثير من المشاركات في معارض جماعية وله العديد من المعارض الفردية داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية.