هل يواصل “ثريدز” الصعود أم يكتفي بحماسة البدايات؟

لعبت "ميتا" بورقتين رابحتين هما التوقيت وسهولة التسجيل والاستخدام فبات التطبيق أشبه برحلة صيفية مع أمتعة خفيفة

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – نيرمين علي –

بعد إتمامه أسبوعه الأول في عالم الـ”سوشيال ميديا”، يبدو أن “ثريدز” نجح في إنجاز مهمته الأولى بحسب معايير السوق، فالتطبيق المملوك لشركة “ميتا” أصبح الأسرع نمواً على الإطلاق حتى اللحظة، بعد كسره الرقم القياسي السابق في أقل من أسبوع، إذ وصل إلى أكثر من 100 مليون مستخدم مع تفاعل أولي جيد، متغلباً على “شات جي بي تي” و”تيك توك”، فكيف يمكن أن نلخص تجربة التطبيق في أسبوعه الأول؟ وهل تنطبق عليه فعلياً تسمية “قاتل تويتر”؟ وهل ستمنحه هذه البداية القوية شارة الاستمرار؟

حماسة البدايات

في تحليل سريع لما حدث نجد أن نقطة القوة الأولى والأهم التي لعبت لمصلحة “ثريدز” هي اعتماده على طريقة بسيطة جداً للتسجيل، فمن خلال كبسة زر واحدة استطاع المستخدم أن يتحول إلى عضو في هذا المجتمع الجديد من دون بريد إلكتروني وكلمة سر أو أي تأكيدات أخرى، فقط بالاعتماد على بيانات حسابه في “إنستغرام” مع ميزة نقل المعلومات الشخصية وكامل البيانات إلى التطبيق الجديد، مما أسهم في سهولة وسرعة زيادة عداد المنضمين.

وبذلك يمكننا القول إن “ميتا” استثمرت فيما يسمى حماسة البدايات، محصلة ردود فعل عدة ضمن هذه الأجواء الحماسية، بدأت باقتراح إرسال طلب متابعة شامل للحسابات التي يتابعها المستخدم أصلاً على “إنستغرام”، مما أسهم في تسجيل عمليات متابعة شبه أوتوماتيكية في الوقت الذي كان يحاول فيه المستخدمون استكشاف هذا العالم، وصولاً إلى ضح منشورات عشوائية على الـ ” “feedsالخاص بالمستخدمين واقتراح حسابات للمتابعة.

ويبدو جلياً أنه من المقصود أن يطرح “ثريدز” في حضوره الأول كتجربة واختبار مفتوح بلا أي قواعد أو ضوابط منظمة، حتى إنه لا يمكنك الوصول إلى مواضيع معينة أو الحصول على معلومة أو خبر معين، وكأن التطبيق ساحة مفتوحة لضربات الحظ، ففي كل مرة تحدثه يظهر لك أشياء جديدة وغير متوقعة، فيشعر المستخدم بأن لا خيار له في البداية سوى أن يرى ويتابع ما يعرض أمامه، ريثما يستطيع تكوين صورة واضحة عن التطبيق وأهدافه.

المحتوى وقاعدة التطبيق

وبالنسبة إلى المحتوى فقد بدا بسيطاً للغاية من دون مغزى أو هدف واضح، وربما جاءت طبيعته هذه استكمالاً لطريقة الانضمام البسيطة والسرعة التي وصل فيها المستخدم إلى التطبيق بشكل أو بآخر، فالمستخدمون كانوا يحاولون فهم هذا العالم الجديد وإيجاد موطئ قدم لهم من دون أن تفوتهم فرصة جني ثماره.

وبالنظر إلى نوعية المجتمع سنجد أنه في حين يضم “تويتر” مجتمعاً نخبوياً يولي الأهمية الأولى للعقل والجدل وإثبات صحة المعتقدات، ويطرح نفسه كساحة للأخبار والنقاشات المحتدمة ولإبراز وجهات النظر ومحاربة وجهة النظر المخالفة، يحاول أعضاء “ثريدز” القادمون من “إنستغرام” عكس صورة المجتمع ذي المظهر الراقي الذي يولي أهمية كبرى للصورة والمظهر والحياة المادية عموماً بكامل متطلباتها عبر عرض صور بأقل عدد من الكلمات، فالمطلوب في “إنستغرام” قراءة محتوى الصورة نفسها وليس قراءة نص مرفق بصورة، وبالتالي نحن أمام عالمين مختلفين تماماً، لذا ربما من غير المتوقع ظهور منشورات مشابهة لتلك التي تنشر على “تويتر”، كما أن نفسية المستخدم ذاته تختلف عند انتقاله من “تويتر” إلى “إنستغرام”، فغالباً ما يشعر القادم من الأول عند وصوله إلى الثاني كما لو أنه خرج من العمل إلى النزهة، مع الأخذ بالاعتبار أن المستخدم الميال إلى كوكب السعادة “إنستغرام” غالباً لا يستهويه العصفور الأزرق، وفي هذا السياق وجد واحد من الاستطلاعات التي أجرتها شركة “إبسوس” لأبحاث السوق أن أكثر من نصف مستخدمي “تويتر” الأميركيين غير مهتمين بالانتقال إلى “ثريدز”، أقله في المدى القريب.

لكن برمجة “ثريدز” القائمة على شكل عرض مشابه للنصوص، إضافة إلى طرح نفسه كمنافس لـ”تويتر” من خلال استخدامه مفهوم أو مصطلح “ثريدز” المتداول على “تويتر” بشكل خاص كاسم خاص للتطبيق، أسهم في خلق هذا الربط الثقافي بين التطبيقين، لكن لا يتوقع أن نجد لا الآن ولا في المستقبل الأجواء نفسها الموجودة في “تويتر”، لذا وبالانطلاق من نوعية مستخدمي “ثريدز” يمكن وصفه بأنه أشبه برحلة صيفية ممتعة بأمتعة خفيفة.

نسبة التفاعل

وبجولة سريعة على الأرقام نجد أن التفاعل الذي تحظى به صفحة ما على “ثريدز” أعلى منه على “تويتر”، وهذا ينقلنا إلى نقطة يطرحها المحللون بقوة اليوم وهي أن “ثريدز” نجح في الاستحواذ على فئة ديموغرافية رئيسة فشل عدد من أسلافها في الوصول إليها وهي العلامات التجارية، فظهر “ثريدز” منذ اللحظة الأولى كموقع شامل لجميع العلامات التجارية بعد أن قدم لهم نوعاً من النمو والتسويق العضوي الذي لطالما حلم به مديرو وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للتقارير فقد حصلت 87 في المئة من العلامات التجارية على إعجابات أكبر على المواضيع منها على “تويتر”، لكن على رغم ذلك لا تزال الإحصاءات باكرة وعاجزة عن تقديم صورة دقيقة، إذ من الممكن أن يتفاعل المستخدمون على “ثريدز” أكثر مع العلامات التجارية لمجرد أن هذا ما ظهر أمامهم عند دخولهم إلى حساباتهم، وليس لأن “ميتا” نجحت في جعل المحتوى أكثر جاذبية.

لكن كميزة تسويقية فقد فتحت هذه الخطوة المجال أمام “ميتا” لحصد قبول أولي من العلامات التجارية للإعلان على منصتها، الذي يتوقع أن يوفره “ثريدز” بعد الوصول إلى مليار شخص، بحسب زوكربيرغ نفسه.

المتعة قبل الحلوى

كما حشدت آلية حصد عدد كبير من المتابعين بطريقه أوتوماتيكية من دون أي جهد يذكر مشاعر المستخدمين في أعلى مستوياتها، ولعبت على وتر حساس جداً في عالم الـ “سوشيال ميديا”، فالجميع يشكو صعوبة فهم الخوارزميات إضافة إلى نقصان عدد المتابعين أو قلة التفاعل، فما قدمته “ثريدز” من نمو أوتوماتيكي لعدد المتابعين وما لحقه من تفاعل هو غايه وطموح أساس لأي مستخدم عادي لمنصات التواصل الاجتماعي.

 

وتكاد تكون زيادة المتابعين الحقيقيين بأقصى وقت ممكن مع زيادة التفاعل العضوي حلم أي مؤثر طامح للشهرة وتوسيع الأعمال، قدمه له “ثريدز” على طبق من ذهب، وهذا يخالف ما اعتدنا عليه، فالقاعدة تقول تأتي المكافأة بعد تقديم الجهد بحيث تكون هي الدافع الأول والأساس، لكن “ميتا” أعطت المستخدم المكافأة قبل القيام بالعمل، وهذه نقطة حاسمة وغاية في الذكاء في عصر الخوارزميات المتبدلة التي أرهقت الطامحين إلى زيادة الأرقام على صفحاتهم، وكذلك في عصر التسويق المبني على التلميح للمتعة والمكافأة من خلال حشد مجموعة من المشاعر التي يحفزها الإعلان، فيقول لك إعلان الشوكولاتة مثلاً إنك ستحصل على السعادة بعد تناول هذه القطعة، لكن “ثريدز” قدم السعادة قبل تناول الحلوى.

توقيت جيد

وهناك نقطة يجب الإشارة إليها وهي التوقيت الذكي لإطلاق التطبيق الذي أعقب قرار ماسك تقييد عدد التغريدات المشاهدة في اليوم، فبعد أيام فقط من إطلاق “ثريدز” شارك الرئيس التنفيذي لخدمة نظام أسماء النطاقات (DNS) في شركة “كلاود فلير” ماثيو برنس رسماً بيانياً يظهر انخفاض عدد الزيارات إلى (twitter.com) بشكل حاد منذ نهاية يونيو، أي تقريباً في الوقت الذي بدأ فيه إيلون ماسك تقييد عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين مشاهدتها، ليتبعها بعد أيام قليلة إطلاق “ثريدز”.

وفي السياق ذاته يوضح تحليل شركة “سميلار ويب” المتخصصة في خدمات تحليلات الويب للشركات بأن عدد الزيارات إلى موقع “تويتر” انخفض بنسبة خمسة في المئة خلال اليومين التاليين لإطلاق “ثريدز”، مقارنة بالفترة نفسها من الأسبوع السابق، كما تشير البيانات التي أصدرتها أخيراً شركة تحليلات التطبيقات “سينسور تاور” Sensor Tower إلى أن تفاعل “تويتر” ظل ثابتاً خلال الأيام التي أعقبت إطلاق “ثريدز”، في حين انخفض متوسط الوقت الذي يقضيه فعلياً، بينما حرص “تويتر” من خلال إدارته ورئيسه التنفيذي على الترويج لرواية أن أسبوع إطلاق “ثريدز” شهد أكبر يوم استخدام منذ فبراير (شباط) الماضي على المنصة.

وفي الوقت ذاته وصف مارك زوكربيرغ النمو الباكر لمنصته بأنه عضوي، على رغم أن “ثريدز” اقتبس بشكل واضح بعض التحركات أو الخطوات من دليل “ميتا” (growth-hacking playbook)، مثل إرسال إشعارات المستخدمين المحتملين على “إنستغرام” والملء المسبق للخلاصات الخاصة بهم أو الـ feeds بالمحتوى والمتابعين.

والسؤال الآن: هل تحمي هذه البداية القوية والقاعدة الجماهرية “ثريدز” وتؤمن له الاستمرار والمنافسة؟

التاريخ يقول لا، ففي استعادة تجربة “غوغل+” الذي طرح نفسه عام 2011 كمنافس لـ “فيسبوك”، نجد أن انضمام ملايين المستخدمين للتطبيق الجديد لم يحمه من الزوال بعد نحو ثمانية أعوام من انطلاقته، على رغم الإشادات الكثيرة والنمو المذهل الذي وصف وقتها بـ “النيزكي” بعد وصوله إلى 100 مليون مستخدم خلال أقل من عام على إطلاقه، وكذلك حدث أمر مشابه مع تطبيق “كلوب هاوس” Clubhouse الذي جذب الملايين وأحدث ضجة كبيرة خلال الأشهر الأولى من ظهوره، لكن كلاهما أخفق في النهاية، فهل هذا كل ما لدى “ميتا”؟ وهل قدمت كل ما عندها؟

نحن أمام تطبيق في مرحلته التجريبية مما يعني أن حصوله على هذه النتائج خلال أسبوع يعد نجاحاً مبهراً، بغض النظر عن نوعيه أو أهمية التطبيق بحد ذاته، بخاصة إذا ما أخدنا في الاعتبار أن التطبيق لا يزال غير متاح في الاتحاد الأوروبي وه واحد من أهم أسواق “ميتا”، لكن من المهم الإشارة إلى أن المقاييس المطروحة اليوم ليست معياراً حقيقياً للمستقبل، إذ لا تعني السرعة الباكرة لانتشار ونمو تطبيق ما بالضرورة النجاح على المدى الطويل أو النمو المستدام.

لذا يرجح أن تبدأ الشركة بعد انتهاء المرحلة الأولى العمل على تنظيم التطبيق أكثر ووضع شروط محددة وإطار واضح، والبدء بإضافة مزايا جديدة وُعد ببعضها مسبقاً.

Back to top button