بؤر أمنية متفلتة في الضاحية الجنوبية لبيروت تخنق الحياة فيها
لا يمكن لأي "غريب" أن يدخل المناطق الخاضعة لنفوذ "حزب الله" إلا تحت مراقبة عناصره
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
انتشرت مقاطع مصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي تظهر وجود انتشار مسلح في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، رافقه إطلاق نار كثيف وبشكل متقطع، وأشارت معلومات صحافية إلى أن خلافات وقعت بين أفراد من آل دمشق وآل الخليل على خلفية خسارة أحد الأشخاص مبلغاً كبيراً في لعب الميسر، فاستعان بمجموعة مسلحة بعد سعي أصحاب مركز الميسر إلى الحصول على ما يعوض المال الذي يدين به الخاسر وأقدم عدد من الأهالي على تحطيم مركز رئيس لإحدى شركات الميسر.
الإشكال المسلح الذي شهده حي المصبغة في منطقة الشياح جاء نتيجة اشتباك بين عامر دمشق وعلي نمر الخليل وعناصر تابعة لهما أسفر عن سقوط جريح، ونظراً إلى أن المنطقة أحد معاقل حركة “أمل” التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، والمتقاتلين على السلطة والنفوذ يتغطون بغطائها، وفقاً لوصف صحيفة “الأخبار” اللبنانية، سارعت “الحركة” عبر قرار تنظيمي علني إلى إعلان تبرؤها من المتسببين في الاشتباكات من الطرفين.
وأكد بيان لرئيس “التنفيذية” في الحركة مصطفى فوعاني أن لا علاقة للأخوين عامر ويحيى محمد دمشق وكذلك علي نمر الخليل بالحركة، مخلياً مسؤولية “أمل” عن تصرفاتهم، ونقلت الصحيفة عن مصادر “أمل” أن القرار أتى من أعلى الهرم وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري “جاد في عدم تغطية أي من هذه الحالات التي تسيء أولاً إلى الحركة وتاريخها”، لافتة إلى أن “الأزمة الراهنة لا تتعلق حصراً بآفة المراهنات والقمار، على رغم خطورتها وآثارها المدمرة وكونها باباً من الأبواب التي تؤدي إلى التجنيد والعمالة، بل تتعلق بمجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان والتي أنتجت ترهلاً في الدولة ومؤسساتها المسؤولة عن متابعة الأوضاع الاجتماعية والمعيشية وعن توقيف هذه العصابات ومحاسبتها”.
وشددت “الأخبار” على أن المسألة لا تتعلق بالشياح وحدها، فـ”أزمة التفلت الأمني والجزر الأمنية تعانيها الضاحية ككل، كنموذج عما يعانيه لبنان عموماً”.
حوادث خطرة تتكرر في مناطق “الثنائي الشيعي”
تتكرر المواجهات الأمنية في منطقة الضاحية وربما أصبح صوت الرصاص من سمات المنطقة، وفي كل مرة تنفذ فيها القوى الأمنية عملية دهم أو تنصب كميناً لتوقيف مطلوب خطر تحصل مواجهات ويسقط ضحايا، وهذا ما حدث في أبريل (نيسان) 2017، إذ إنه مع انطلاق حملة أمنية في الضاحية الجنوبية قتل المطلوب عيسى المقداد، العنصر في الدرك عفيف جفعر، وكان سبقه قتيل آخر لقوى الأمن الرسمية قبل أسبوع أثناء عملية دهم في منطقة الأوزاعي.
الحادثتان تفتحان باب النقاش حول واقع الأمن الاجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرة “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل)، علماً أن المناطق الخاضعة لنفوذ “حزب الله” لا يمكن لأي غريب أن يدخلها إلا ويخضع للمراقبة من قبل عناصره، حتى إنه لا يمكن التقاط صور إلا بإذن، أو يمنع التقاطها في كثير من الأحيان، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مختلف الأراضي اللبنانية تشهد حالياً عدم استقرار أمني واجتماعي.
لكن الضوء يسلط على مناطق “الثنائي” لأن الأحداث التي تشهدها تتحول إلى ساحة معركة وتستخدم فيها أسلحة كرشاش “كلاشنيكوف” وقذائف “بي 7″ وغيرها من الأسلحة الحربية، وشهدت منطقة الضاحية صراعات مسلحة عدة، منذ ما عُرف بـ”حرب الأخوة” التي دارت بين “أمل” و”حزب الله” وتوقفت إثر توقيع اتفاق بين الجانبين رعاه النظام في سوريا وإيران بصفتهما الدولتين الراعيتين والداعمتين لطرفي النزاع في نوفمبر (تشرين الثاني) 1990.
ووفقاً لأرشيف صحيفة “السفير” اللبنانية، فإنه خلال أحداث التاسع من مايو (أيار) 1988 سقط في الضاحية 525 قتيلاً وجريحاً من الفريقين ونزحت آلاف العائلات، وخلال شهر مارس (آذار) الماضي وقع اشتباك مسلح بين آل صفوان وآل المقداد وجرى تبادل لإطلاق النار بشكل كثيف وأفيد عن قيام المدعو “ح. ص” بإطلاق قذيفتي “بي 7” وذلك على خلفية إشكال سابق بين العائلتين، وفي شهر أغسطس (أب) 2020 تحولت الساحة المحاذية لمسجد بلدة اللوبية في الجنوب إلى ساحة حرب بعد إطلاق نار وعراك وتكسير والسبب “رايات عاشورائية” لم يوافق عليها مسؤول حركة “أمل” أحمد الحاج، فأقدمت مجموعة تابعة للحركة على تمزيقها، وتفادياً للاشتباك المباشر بين “حزب الله” و”أمل” قدّم “رابط الحزب” نعمة الأسعد شكوى لدى مخفر اللوبية لفض الإشتباك، لكن شباباً من “الحركة” كمنوا للأسعد وهو شيخ غير معمم أثناء خروجه من المسجد واعتدوا عليه بالعصي وحطموا سيارته وطالبوه بإسقاط الدعوى بحقهم.
وسرعان ما تطور الأمر إلى إطلاق نار بأسلحة “كلاشنيكوف” ومسدسات حربية بين شبان محسوبين على الأسعد وآخرين محسوبين على الحاج، مما أسفر عن مقتل المواطن حسين خليل وجرح أربعة محسوبين على حركة “أمل”.
وفي شهر سبتمبر (أيلول) 2022 وقع إشكال بين عائلتي شرف والعمار في بلدة مشغرة في البقاع الغربي تطور إلى إشتباك بالأسلحة الرشاشة مما أدى إلى مقتل “ح. ش” و “أ. ش” وجرح كل من “م. ع” وابنه وشقيقه “ع. ع” على خلفية نزاع سابق حول سقي ورعي الماشية. وصدر بيان عن قيادتي “أمل” و”الحزب” جاء فيه أنه “بعد الحادثة الأليمة التي حصلت في بلدة مشغرة والتي أدت الى إزهاق أرواح شابين عزيزين، تداعت قيادتا حركة أمل وحزب الله في البقاع الغربي إلى التشاور حرصاً على الأمن الاجتماعي ورأب الصدع وعدم التفرقة… لذلك نستنكر أشد الاستنكار هذه الحادثة وكل الحوادث التي يتم فيها استعمال السلاح لأنه يجب أن يوجه فقط إلى صدر الأعداء”.
الجناح العسكري لعائلة المقداد
في شهر أغسطس (آب) من عام 2012 أعلنت عشيرة آل المقداد عن خطف 20 سورياً ومواطن تركي واحد وأكدت أنها لن تطلق سراحهم قبل الإفراج عن أحد أفرادها ويدعى حسان المقداد بعدما اتهمت “الجيش السوري الحر” باختطافه في دمشق، وكانت معلومات تحدثت عن مجموعات مسلحة جابت شوارع الضاحية والبقاع علانية وخطفت 40 سورياً وتركياً واحداً وهددت السوريين والأتراك بمزيد من عمليات الخطف وطالبت الخليجيين بمغادرة لبنان.
وانشقت عن هذه المجموعات مجموعات أخذت مخطوفين وهربت، ثم انتقلت الظاهرة إلى مواطنين لبنانيين استغلوا انفلات الأمن، فخطفوا آخرين لأسباب لا علاقة لها بالمخطوفين في سوريا، مثل عملية خطف شخص من آل طحان وطلب مبلغ 50 ألف دولار فدية لإطلاقه. وفي سابقة خطرة عقد “الجناح العسكري” لآل المقداد مؤتمراً صحافياً بحضور نائب في البرلمان اللبناني هو غازي زعيتر، ظهر فيه المتحدث باسم الجناح العسكري ماهر المقداد وقائده العسكري حسن المقداد وأطلقت تهديدات وإساءة إلى رئيس الجمهورية حينها ميشال سليمان، ورفضوا التفاوض مع وزير الداخلية حول المخطوفين، وخلال ساعات من تلك الحادثة غادر مواطنو دول خليجية مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر مع التحذير من العودة للبنان ورفضت شركات طيران الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي وقضي على ما تبقى من موسم سياحي أو فرص استثمارية ذلك الصيف.
هل طفح كيل أهل الضاحية؟
تنقل صحف قريبة من “حزب الله” أن كيل أهل الضاحية طفح منذ زمن، إلا أن الأعوام الماضية لم تسجل قراراً جدياً لدى أحد باستئصال المجرمين أو “تنظيف” المنطقة من الخارجين عن القانون، وكانت الأزمة ترحّل في كل مرة، على رغم أن آفة المخدرات طرقت باب كل حي في الضاحية الجنوبية، لكن كان لسان حال المعنيين أنه لم يحن أوان فتح مواجهة كهذه بعد.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن الاشتباكات لا تغيب عن الضاحية ويصعب تحديد وجهة السلاح ومصدره، فالأسماء والجهات والأشخاص المتنازعون معروفون، لا شيء مخفياً في تلك الرقع الجغرافية التي أصبحت بحكم المبعدة عن الأمن والأمان، وتتساءل صحيفة “الأخبار” هل يحدث كل ذلك عن سابق إهمال وتخلٍّ تحت مرأى ومسمع القوى الأمنية؟
إحدى السيدات وهي من سكان منطقة الليلكي (ضمن الضاحية) تقول إن كثيرين غادروا بيوتهم بسبب أصوات الرصاص والمشكلات، مضيفة أنها تتمنى مغادرة المنطقة لكن لا أحد يريد أن يستأجر منزلها وأن أسعار العقارات انخفضت بشكل كبير. وإثر حادثة الشياح الأخيرة كتبت زهراء أيوب على حسابها على موقع “تويتر” تشكو تفلت بعض الأفراد من آل زعيتر ومن سكان الليلكي تحديداً، إذ أصاب رصاصهم والدها وهو يرقد الآن في المستشفى.
انزعاج نصرالله وبري
وكانت صحيفة “النهار” اللبنانية كشفت عن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لم يخفيا انزعاجهما الشديد من تصاعد مسلسل الفوضى في الضاحية الجنوبية، وآخر حلقاته ما حصل في الشياح بين أفراد يستظلون بهويات حزبية من عائلتين تتقاسمان في الأحياء توزيع اشتراكات مولدات الكهرباء واشتراكات القنوات المتلفزة وتوزيع المياه وغيرها من القضايا التي تتناول الحياة اليومية للمواطنين، ويقوم كثيرون من “القبضايات” بالاعتداء على أراضي الدولة وأملاكها من دون حسيب أو رقيب، فضلاً عن إدارة عدد منهم مكاتب تنشط في حقل المراهنات التي تجتاح أكثر من منطقة لبنانية.
ومن فصول الفوضى القديمة الجديدة في الضاحية فرض خوّات في أكثر من حي وشارع، حيث لا تسلم المؤسسات التجارية والمطاعم والمكاتب من فارضي الخوات “الأتاوات” الذين يحتمي بعضهم بجهات سياسية.
أما الحديث عن الناشطين في تجارة المخدرات، فلهم أوكارهم المعروفة على رغم إعلان “الثنائي” رفع الغطاء عن المروجين الذين ينشطون في أكثر من بقعة في الضاحية وصولاً إلى حي السلم وتخوم الشويفات مروراً بالمخيمات الفلسطينية في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا، ونجحت القوى الأمنية خلال الأشهر الأخيرة في توقيف مجموعة منهم وبتأييد من “الثنائي” في وقت يطالب أبناء الضاحية بري ونصرالله وكل المعنيين بـ”الضرب بيد من حديد”.
الأمن المتفلت
ليست هذه المرة الأولى التي تجتمع فيها قيادتا الثنائي في محاولة للسيطرة على الأمن المتفلت في مناطقهما، ففي شهر أبريل (نيسان) 2022 اجتمعت القيادتان مع ممثلين عن الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية وأصدرتا بياناً بخصوص “ازدياد عمليات السرقة والسطو” بالضاحية الجنوبية، وضم الاجتماع حينها مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومسؤول الإعداد المركزي في “أمل” أحمد بعلبكي، إلى جانب ممثلين عن الأجهزة الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن دولة وأمن عام.
إذاً لمَ لا يتدخل “الحزب” ويقمع تلك الظواهر، خصوصاً أنها تؤذي أبناء بيئته؟
يقول مصدر مقرب من “الحزب” في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “الحزب يعتبر تلك الظواهر من حوادث سلب ومخدرات ومراهنات هي من مسؤولية القوى الأمنية اللبنانية للسيطرة عليها ولا يتدخل إلا في ما خص أمور العمالة والتجسس. كما أن الحزب ومن خلال اللجنة الأمنية ينسق مع أجهزة الدولة، إذ إن هناك مركزاً لاستخبارات الجيش في قلب الضاحية تقوم عناصره كل فترة بمداهمات وإلقاء القبض على مطلوبين”.
ويضيف المصدر أنه حيث يقيم لا يستطيع أحد التصرف خارج القانون لأن استخبارات الجيش بالمرصاد، مؤكداً أنه بالنسبة إلى موضوع المخدرات فإن “ما ينقل عبر وسائل الإعلام مضخم جداً، إذ أن الهيئة الصحية في الحزب بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي أصبح لديها ما يعرف بـ’فرق التدخل السريع”، فتنقل المدمنين إلى مركز كبير جداً لإعادة التـأهيل أنشأه الحزب لمعالجة الإدمان في منطقة كيفون (جبل لبنان) ويقوم أيضاً بحملات توعية عدة”، بينما ينفي المصدر علمه بما يروج في الإعلام عن موضوع القمار والمراهنات.
في التاسع من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 أطلقت حملة “النظام من الإيمان” بدعم من جمعية “قِيم” التابعة لـ “حزب الله” وذلك “بعد استفحال وانتشار متعاطي المخدرات وتزايد السرقات وشبكات الدعارة”، وفق ما صرح به منسق الحملة حينها حسين فضل الله، وأعلن أن “الحملة ليست ظرفية أو موسمية، بل ستستمر في شكل دائم”، وكان فضل الله ركز على الجانب التوعوي في موضوع المخدرات وقال “يقتصر دورنا على التوعية ضد المخدرات، وهناك عمل لأمن الحزب والقوى الأمنية بالنسبة إلى المخدرات والدعارة والسرقات والنشل”.