ماذا تعني موجات الحرارة المتتالية التي تضرب العالم؟

النشرة الدولية –

الحرة –

يتسبب تبدل الطقس، وارتفاع وانخفاض درجات الحرارة بشكل حاد، بحالة من القلق لدى العلماء والباحثين، الذين أصبحوا يرون في موجات الحر الحالية دليلا على “تسارع” محتمل في تغير المناخ.

وخلال الفترة الماضية، سجلت درجات الحرارة أرقاما قياسية، وقد بلغت مطلع يوليو مستويات مرتفعة، إذ زادت الحرارة في نصف الكرة الشمالي، وسخنت الأرض أسرع من المياه على سطح الكوكب، فيما يتوقع أن تشهد درجات الحرارة سلسلة من الارتفاعات خلال وقت لاحق من موسم الصيف الحالي، الذي قد يستمر لفترات طويلة غير مسبوقة، بحسب تقرير نشرته مجلة الإيكونومست.

وسجلت درجة الحرارة في “ديث فالي” في كاليفورنيا 54 درجة مئوية، فيما سجلت منطقة توربان في شينغيانغ في الصين أكثر من 52 درجة مئوية، الأمر الذي زاد من حالة القلق من درجات الحرارة العالية، خاصة في المدن التي يسكنها ملايين الأشخاص.

وتحدثت تقارير إعلامية عن خطر يهدد أنماط الحياة للبشر والحيوانات على السواء، بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فيما أعلنت دول أوروبية حالة الطوارئ والتأهب القصوى، بحسب وكالة رويترز.

وفي تذكير حاد بآثار الاحتباس الحراري، حذرت الوكالة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة من موجات حر أكثر شدة.

وتضرب موجة الحر جنوب أوروبا في ذروة موسم السياحة الصيفي، مع تحطيم أرقام قياسية لدرجات الحرارة، وصدور  تحذيرات من زيادة احتمالات الوفاة والإصابة بالنوبات القلبية.

وتسبب ارتفاع درجات الحرارة في اشتعال الحرائق في كندا واليونان وبعض الدول، حيث لم تستطع فرق الإنقاذ التي تعمل على مدار الساعة إخماد النيران، مما تسبب في تدمير مئات المباني ومساحات شاسعة.

واستعرضت “الإيكونومست” رسما بيانيا يظهر ارتفاع درجات الحرارة منذ مارس الماضي وحتى الآن، جيث سُجلت أعلى مستويات منذ عام 1975.

وأشارت إلى أن هناك أمور عدة يمكنها إحداث “تسارع محتمل في المناخ”، أبرزها: التغيير في طبقة “الستراتوسفير” بسبب ثوران بركان هوننغغا-هانغا هاباي، الذي يثور في المحيط الهادئ منذ يناير 2022، حيث يعتبر هذا الثوران الأكبر على وجه الأرض منذ 1991.

والأمر الآخر ارتفاع مستويات الميثان في الغلاف الجوي، التي تؤدي إلى مناخ أكثر دفئا “للمناطق الجليدية”، الذي يترافق مع زيادة في استخدام الوقود الأحفوري، والزراعة، في آن معا.

ويعتقد البعض أن الفائض في نمو مساحة الأراضي الرطبة الإستوائية يزيد من إنتاج الغازات في الجو من النباتات التي تتعفن، بحسب المجلة.

واعتبر روبير فوتار، مدير معهد “بيار سيمون لابلاس”، المتخصص بعلوم المناخ، في تصريح لفرانس برس أنه إذا لم تكن هناك روابط مناخية بين مناطق العالم المختلفة، فإن التغيرات المناخية تغذي ظواهر الطقس المتطرف في جميع أنحاء الكوكب، وتزيد وطأتها.

وأضاف “بالنسبة لجنوب أوروبا على سبيل المثال، الأمر يتعلق بإعصار عكسي قوي للغاية عبارة عن مرتفع جوي (..) وتحبس مناطق الضغط الجوي المرتفعة هذه الهواء الدافئ مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة. وهذا الأمر تغذيه رياح جنوبية على الجناح الغربي تجذب كتلا هوائية حارقة من الصحراء”.

عالم المناخ في جامعة كولومبيا، جيمس هانسن قال للمجلة إن هذا “الصيف يحدث مرة واحدة في القرن.. ولكنه أصبح حدثا مرة كل خمس سنوات الآن”، مرجحا أن فصول الصيف ستصبح “شديدة الحرارة في كل مكان”.

وأضاف أن معدل ارتفاع درجة حرارة العالم يمر بتغيير كبير منذ 2010، في إشارة إلى تدفق الحرارة من المحيط الهادئ، والتغير في الطقس من سنة إلى أخرى.

ويشير تقرير المجلة إلى أن العالم “أصبح في المتوسط أكثر دفئا بنحو 1.2 درجة مئوية عما كان عليه سابقا، قبل أن يجعله البشر أشبه ببيت دفيئة زجاجي”، حيث تنتج المزيد من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي المترافق مع المزيد من الدفء الناتج عن الشمس، مما يجعل غازات الميثان وأكسيد النيتروز تصل إلى مستويات عالية.

وتشهد العديد من الدول حول العالم حالة من التطرف في درجات الحرارة، حيث ضربت الأمطار الغزيرة المناطق الوسطى والجنوبية في كوريا الجنوبية منذ الأسبوع الماضي. وسقط 14 قتيلا في نفق بمدينة تشونجو، بعد أن غمرت المياه أكثر من 12 سيارة يوم السبت حين انهار سد على أحد الأنهار. وفي مقاطعة شمال  كيونغ سانغ بجنوب شرق البلاد، لقي 22 شخصا حتفهم، كثير منهم بسبب الانهيارات الأرضية والسيول.

وفي الهند، تسببت الفيضانات وانهيارات أرضية وحوادث متعلقة بالأمطار الغزيرة في مقتل أكثر من 100 شخص في شمال البلاد منذ بداية موسم الرياح الموسمية في الأول من يونيو، حيث ارتفع معدل هطول الأمطار 41 في المئة عن المتوسط.

وامتدت مياه نهر جمنة إلى أسوار مجمع تاج محل في أغرا لأول مرة منذ 45 عاما، وغمرت أيضا بضع معالم تاريخية، والحدائق المحيطة بالضريح الذي يعود تاريخه للقرن السابع عشر. وغمر النهر نفسه أجزاء من العاصمة الهندية بما في ذلك الطرق المحيطة بالقلعة الحمراء التاريخية وراجغات، النصب التذكاري للمهاتما غاندي.

وفي مقاطعة شينجيانغ، غربي الصين، تحدى السياح الذين يعتمرون قبعات ويحتمون بمظلات كبيرة الحر اللافح لالتقاط صور ذاتية “سيلفي” مع “ترمومتر” عملاق يظهر حرارة الأسطح عند 80 درجة مئوية.

موجات حر أكثر شدة

ودعت الأمم المتحدة، الثلاثاء، العالم إلى أن يستعد لـ”موجات حر أكثر شدة”.

وقال جون نيرن، المستشار رفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تصريحات صحفية إن “شدة هذه الظواهر ستستمر في الازدياد، وعلى العالم أن يستعد لموجات حر أكثر شدة”.

وأضاف أن “ظاهرة إل نينيو التي أُعلن عنها مؤخرا لن تؤدي إلا إلى زيادة وتيرة موجات الحر الشديد هذه وشدتها”.

وفي أميركا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، يتوقع أن تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية هذا الأسبوع.

وأشار نيرن إلى أن “إحدى الظواهر التي لاحظناها أن عدد موجات الحر المتزامنة في نصف الكرة الشمالي زاد ستة أضعاف منذ الثمانينيات، وليس هناك أي مؤشر على أن هذا المنحى سيتراجع”.

بالنسبة لموجات الحرارة، فإن تغير المناخ يزيد من مدتها وشدتها ومن مدى انتشارها الجغرافي كذلك، بحسب العلماء.

ولدى سؤاله عما يمكن للأفراد القيام به شخصياً لمحاولة معالجة تغير المناخ، دعا نيرن إلى محاربة الوقود الأحفوري.

وأوضح “إن درجة الحرارة أثناء الليل هي التي تشكل أكبر المخاطر الصحية، لا سيما على الفئات الضعيفة من السكان”.

الأهداف المناخية

اعتبر تحليل، نشر الخميس، أن الخطة الجديدة لخفض الانبعاثات، الصادرة عن دولة الإمارات التي تستضيف الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف بشأن المناخ “كوب28″، “غير كافية”، في الوقت الذي ألقى فيه اللوم على هذه الدولة الغنية بالنفط بشأن التخطيط لزيادة إنتاجها منه، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

ولا يزال العالم بعيدا من مسار اتفاق باريس، الهادف إلى الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقلّ من درجتين مئويتين، وإذا أمكن 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.

والأسبوع الماضي، أصدرت الإمارات تحديثا لالتزاماتها المناخية بموجب اتفاق باريس، التي يطلق عليها تقنيا عنوان “المساهمة المحددة وطنيا”.

وتحدد الخطة الجديدة هدفا أكثر طموحا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بنسبة 19 في المئة بحلول العام 2030 مقارنة بمستويات العام 2019، مقابل ما يعادل 7.5 في المئة سابقا وفقا للتقرير.

وتمثل انبعاثات الدولة التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، حوالى نصف انبعاثات فرنسا بحوالي “225 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون في العام 2019، مقابل 430 مليونا لفرنسا”.

ولكن بالنسبة لمشروع “تعقب العمل المناخي” الذي تقوده منظمات بيئية غير حكومية، فإن الخطة رغم كونها أفضل من تلك السابقة، إلا أنها “غير مجدية” نظرا لخطط زيادة إنتاج الوقود الأحفوري.

ويؤكد المشروع أن هناك فجوة “كبيرة ومقلقة” بين السياسات المعمول بها في الدولة و”المساهمة المحددة وطنيا” والإجراءات اللازمة للتوافق مع سيناريو 1.5 درجة مئوية. إذ يشير الخبراء إلى ندرة التفاصيل بشأن كيفية تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى