دوزي نموذج موسيقي ناجح لقوة المغرب الناعمة
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك -تعرف الجمهور التونسي على بعض من خصوصيات التجارب الموسيقية المغربية الحديثة، التي يصر بعضها على أن يكون جزءا ولو بسيطا من القوة الناعمة للمغرب، التي تعبر عن خصوصية هذا البلد الحضارية والثقافية وتدافع عن قضاياه بالموسيقى التي هي سلاح ناعم. من هؤلاء الفنان المغربي عبدالحفيظ دوزي الذي التقى جمهوره التونسي لأول مرة بعد مسيرة ثلاثة عقود من الإنتاج.
قبل نحو خمسة عقود وتحديدا في العام 1975، غنت مجموعة “جيل جيلالة” أغنية “العيون عينيا” التي أصبحت أيقونة موسيقية وطنية تؤكد أن الصحراء “مغربية” وترفض أي حركات انفصالية، ورافقت ألحانها المسيرة الخضراء، وكانت لهذه الأغنية تداعيات على نشاط المجموعة الموسيقية التي عرفت بأعمال تخدم القضايا الاجتماعية والسياسية وتعتمد في أغلبها على الآلات الإيقاعية والوترية.
بعد نحو خمسة وثلاثين عاما، أعاد الفنان المغربي دوزي تأدية الأغنية بتوزيع موسيقي معاصر وصورها في فيديو كليب كانت أغلب مشاهده في الصحراء المغربية، وفي هذا العام لم يتردد الفنان الذي يزور مهرجان قرطاج الدولي لأول مرة في أن يغنيها أمام جمهور تونسي.
إعادة انتشار
يقول الفنان في تصريح خاص لصحيفة “العرب”، “شيء جميل أن يقوم الفنان بإعادة تقديم أغان ناجحة، وأغنية العيون عينيا لا يعرفها الشباب اليوم، إعادتي لها ساهم في انتشارها وإعادة البحث في موضوع الأغنية وأسباب ظهورها لأول مرة”.
ويضيف “لم أخف من الاعتزاز بدعمي لقضايا بلادي، وقدمت الأغنية للتأكيد على مشروعية قضايانا، ولا يهمني من لا يدعم الموقف المغربي، أنا فنان والأغنية من التراث المغربي وإعادتها إعادة تثمين للتراث الموسيقي المغربي”.
عرف دوزي أيضا بإعادته للعديد من الأغاني الشهيرة وفي مقدمتها أغاني الجزائري الراحل الشاب عقيل (1974 – 2013)، ويضعه بعض الجمهور في مقارنات معه، وبعضهم الآخر يستغرب في تعليقاته سبب تشبثه بإعادة أغاني الراي الجزائري وليس الموسيقى المغربية.
“العيون عينيا”، هذه الأغنية التي غنتها جيل جيلالة أيام كان البث التلفزيوني بالأبيض والأسود، يرددها المغاربة اليوم بالكثير من الاعتزاز والثقة
الجمهور هو الآخر منقسم بين داعم لجبهة التحرير الانفصالية “بوليساريو” وبين معارض لها، وأغنية الفنان المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي علق عليها منذ إنتاجها عام 2010 إلى اليوم كثيرون أغلبهم يرددون أن “الصحراء مغربية”، وبعضهم يستنكر ذلك وخاصة من أهالي الصحراء أو الجزائريين الذين تعرف بلادهم بدعمها للحركة الانفصالية وبعلاقاتها الدبلوماسية المتوترة مع المغرب.
عن ذلك يقول الفنان لـ”العرب”، “أنا نصف مغربي ونصف جزائري، والدتي جزائرية، وعلاقتي بجمهوري الجزائري جيدة جدا، ولدي جمهور مهم يتابعون مسيرتي الفنية منذ أن كان عمري ثماني سنوات، ما يهمني هو تقديم أعمال ناجحة تظل خالدة ويمكن أن نرى يوما ما فنانين آخرين يعيدون أداءها من جديد كما فعلت مع عدد من الأغاني لعقيل وغيره”.
ويوضح دوزي “أعدت أغنيات الفنان الراحل الشاب عقيل، لأنه صديقي ولأني أحب أغانيه، وخصصت عائدات أغنية ‘مازال مازال’ لدعم ابنتيه وللتعبير عن وفائي لفنان عرفته منذ طفولتي وكبرت على أغنياته”.
“العيون عينيا/ والساقية الحمرا ليا/ والواد وادي يا سيدي”، هذه الأغنية التي كتبت في سنوات الجمر والشد الاجتماعي، وغنتها جيل جيلالة أيام كان البث التلفزيوني بالأبيض والأسود، يرددها المغاربة اليوم بالكثير من الاعتزاز والثقة، حتى أنهم اعتمدوها كواحدة من أغنيات تشجيع المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، وكان الحدث الرياضي الكبير فرصة ليعرفها جمهور عربي أوسع.
وفي مهرجان قرطاج الدولي، غناها أفراد الجالية المغربية في تونس رافعين أعلام المغرب عاليا، مرددين أحقيتهم في أرضهم، ومؤكدين على أنغام صوت دوزي، “أنا مغربي”.
دوزي عرف أيضا بإعادته للعديد من الأغاني الشهيرة وفي مقدمتها أغاني الجزائري الراحل الشاب عقيل (1974 – 2013)
“أنا مغربي”، أغنية وطنية كتبت ولحنت من أجل المونديال لكنها أصبحت أيضا أيقونة يرددها المغاربة اعتزازا بهويتهم، بدأ بها الفنان المغربي حفله في مسرح قرطاج، ليختتمه بأغنية “العيون عينيا” وكأنه يؤكد أنه يدور ويتنفس في حدود مغربيته، متمسك بهويته الشخصية والفنية، ومن بلاده يستمد خصوصيته، وأنه جزء لا يتجزأ من قوة المغرب الناعمة المتمثلة في الفنون على اختلافها وفي مقدمتها الموسيقى.
وحتى اختياراته الموسيقية الأخرى، كانت قريبة من النمط الموسيقي الذي عرف به، حيث اختار تأدية أغنية “محبوبي” للفنان التونسي الكبير الشاذلي الحاجي، فكانت اختيارا صائبا تفاعل معه الجمهور ليشاركه الغناء.
دوزي معروف أيضا بدقة اختياراته الموسيقية، حيث يؤكد دوما أن “الفنّان هو مرآة المجتمع وسفير بلده وأنّه يحرص دائما على انتقاء كلمات أغانيه، وذلك احتراما لجمهوره الذي يُحبّ الكلمة النقية والمعنى الجيد”.
لكن فنانا كبيرا في قامته وبتجربته الموسيقية التي بدأت منذ أن كان طفلا لم يتجاوز عمره ثماني سنوات، لم يعتل خشبة مسرح أعرق المهرجانات الموسيقية في أفريقيا بكثير من الجدية، وإنما كان حضوره متأخرا، مصحوبا بـ”دي.جي” استحوذ على المساحة الزمنية الأكبر للعرض، وعازفين فقط، ما جعل حفله باهتا وشجع الجماهير على المغادرة بعد أول ثلاث أغان.
صعود دوزي إلى الخشبة في وقت متأخر، حيث كان حفله مشتركا مع نجم تونسي صاعد ويحظى بجماهيرية كبرى وهو مرتضى الفتيتي، جعل الوقت المخصص لعرضه ضيقا، مختصرا، ولم يسمح له بأن يجعل أول لقاء له مع الجمهور التونسي لقاء ناجحا قد يفتح له الأبواب على مصراعيها للمهرجانات التونسية، ولم لا الحفلات الخاصة على مدار العام؟
فنان صنع نفسه
ولد عبدالحفيظ دوزي في الثلاثين من أبريل 1985 في كولوش، التي تعد أفقر قرية في مدينة وجدة في المغرب، لأم جزائرية وأب مغربي يعمل في قطاع البناء، ونشأ هناك محاطا بإخوته وأخواته الستة.
ومن بين هؤلاء، شقيقه الأكبر عبدالقادر الذي كان في ذلك الوقت كاتب أغان ومغنيا لأغنية الراي. لسوء الحظ، لم يعد والدهم قادرا على العمل بسبب المرض، واضطر عبدالقادر إلى ترك الفن للعمل بدوره وتوفير احتياجات أسرته.
في سن الثالثة، كان دوزي بالفعل يرنم الأغاني وخاصة الأغاني باللغة الهندية. ثم تعرَّف عليه الجمهور المغاربي طفلاً صغيراً، منذ كان يغني في أعراس العائلة وجيرانها وأصدقائها ويردد أغنيات الراي التي منحته آنذاك فرصة لاعتياد التواصل مع الجمهور في أجواء حميمية، وكان احتفاء الحاضرين به حافزا ليسير في درب النجومية.
ومع ذلك، كانت والدته في البداية عقبة أمام امتهانه الفن، حيث رأت أن الفن قد يأخذه إلى طرق ومسالك في الحياة هو في غنى عنها. حتى أنها منعته من المشاركة في حفل بتونس لأنه لا يزال طفلا صغيرا.
“أنا مغربي”، أغنية وطنية كتبت ولحنت من أجل المونديال لكنها أصبحت أيضا أيقونة يرددها المغاربة اعتزازا بهويتهم
وأوضح في الندوة الصحفية المخصصة لحفله بمهرجان قرطاج الدولي “أول دعوة وجهت إلي للغناء في تونس كانت في العام 1998، حينها كان عمري 13 عاما، وكنت بدأت أتلمس أول خطواتي في عالم الشهر، لكن والدتي رفضت، لقد كانت صعبة المراس، ترفض سفري ومشاركتي في حفلات ومهرجانات خارج المغرب وحتى داخل حدود وطني”.
وحفله في الدورة السابعة والخمسين في مهرجان قرطاج الدولي، “جاء متأخرا” كما يؤكد، لكنه مؤمن بـ”أن لا شيء يحدث إلا في وقته المناسب”.
تأخره هذا لم يشفع له في أن يكون عرضه في مستوى مسيرته المهنية، فدوزي الذي يملك 16 ألبوما موسيقيا والعشرات من الأغاني ويعد من أشهر فناني المغرب العربي الشباب، يبدو أنه جاء دون دراسة للجمهور التونسي الذي هو بالفعل “جمهور مثقف موسيقيا ويحتفي بالفنانين”، لكنه جمهور لا يستسيغ فكرة أن يعتلي فنان مهرجان قرطاج مصحوبا بـ”دي.جي” مهما كانت أهميته، وربما قد يولي اهتمامه له ويصرف انتباهه عن الفنان كما حدث مع “باتريك” (الدي.جي المصاحب للفنان) الذي وازن العرض واستطاع شد الجمهور إلى حين انتهائه.
أين دوزي؟ هو سؤال يستحق أن يطرحه الفنان، فهو لم يؤد إلا بعض الأغنيات التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، رغم تاريخه الموسيقي الكبير. وأين الخلل في هذا العرض؟ هل هو في الحيز الزمني أم في التسويق الإعلامي له أم في الفريق الموجه له؟ هو ما يجب أن يدركه سريعا كي تكون جولته الباقية في مهرجانات تونس أكثر نجاحا، ومستقبله في السوق التونسي أكثر شعبية، رغم أن الصعود على خشبة مهرجان قرطاج يظل نقطة مضيئة في مسيرته، قد تفتح له الأبواب للتعاون مع شباب تونسي يحلم بصناعة موسيقى مختلفة ومجددة ومنفتحة على كل الأذواق.