ما للصلايب إلا أهلها!
بقلم: د. محمد حسين الدلال

النشرة الدولية –

القبس –

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، تلك أيام قد خلت وذهبت، ولكن ذكرياتها حيّة وراسخة في عقول وقلوب من شهدها، ومن أروع تلك المشاهدات الدور والجهد اللذين قام بهما أهل الكويت من المرابطين في الداخل وأهل الخارج، مبادرين ومجاهدين ومجتهدين وباذلين الغالي والرخيص من أجل تحرير الكويت والتمسك بالشرعية الدستورية.

إن ما قام به الشعب الكويتي أثناء الغزو العراقي، من تضحيات وجهود ومبادرات، يُعد من الأدوار القيمة التي كشفت مقدار حبهم لوطنهم، ويصب في إطار القيام بمسؤولياتهم الاجتماعية، وتلك المسؤولية الكبيرة تعد من أهم مقومات نجاح المجتمع، وتعد أيضاً نجاحاً للفرد من خلال إحساسه بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين من أفراد المجتمع والوطن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ».

إن من شأن تعزيز المسؤولية الاجتماعية للأفراد في المجتمع الربط الوثيق بمجتمعاتهم، وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والأمني.

ومن صور تعزيز المسؤولية الاجتماعية تشجيع ودعم طاقات الأفراد ومبادراتهم بما يحقق التكافل الاجتماعي، وينجح أهداف المجتمع والدولة تنموياً في شتى المجالات. والمجتمع الكويتي فيه طاقات بشرية متميزة، تحمل أفكاراً ومبادرات مهمة ومبدعة، بعضها لاقت من يشجعها ويأخذ بيدها، والبعض الآخر لم ينلها النصيب من الاهتمام والرعاية، والمقال يسلط الضوء على أهمية التكامل الاجتماعي بين كل الأطراف الفاعلة في المجتمع، بما يمكّن من تعزيز المسؤولية الاجتماعية، والاستفادة القصوى من العطاءات والمبادرات الفردية الإيجابية والمنتجة.

لقد أبدع أهل الكويت في مبادراتهم الفردية والجماعية لدعم الدولة والمجتمع، وهي أكثر من أن تحصى، ومن الجميل أن نسلط الضوء على بعضها لتبيان أهميتها، ففي عام 2019، وأثناء عضويتي سابقاً في مجلس الأمة، بادرت السيدة حنان عبدالله القطان، وهي من الشخصيات المسؤولة وذات اختصاص في مجال الدفاع المدني والتعامل مع المخاطر، إلى تقديم عدد من المقترحات العملية التي تصب في مصلحة إيجاد احتياطات متكاملة للتعامل مع المخاطر الناجمة عن الحروب والأزمات، الأمر الذي طوّر بعد ذلك الى قيامي بتقديم مقترح بقانون لإنشاء جهاز لإدارة الأزمات والمخاطر، تم إعداده بعد الاستفادة من خبرات العقيد الركن المتقاعد محمد علي الفارسي، ومع الأسف تلك المبادرة مع أهميتها لم ترَ النور حتى تاريخه، ومن المبادرات القيّمة ما تقدّم به عدد من المبادرين في عام 2012، ترأسهم صاحب الفكرة المهندس احمد راشد العربيد، وهو من المسؤولين السابقين في القطاع النفطي، أطلق عليها مسمى «الكويت عاصمة النفط»، وهي مبادرة وطنية إستراتيجية للاقتصاد الكويتي، تهدف إلى النهوض بالصناعة النفطية ومشتقاتها، ومع أهمية تلك المبادرة، فإنها مع الأسف لم تحظ بالاهتمام الكافي من المسؤولين في الدولة. وفي الأشهر الماضية حظيت بلقاء مهم مع مبادرين كريمين هما العميد الركن الطيار المتقاعد في سلاح الجو الكويتي السيد فيصل أحمد الهاجري، والدكتور إبراهيم عبدالرزاق العدساني، وقد استمتعت بما عرض لي من مبادرة تهدف إلى تحقيق الأمن الخارجي والداخلي لدولة الكويت من خلال عدد من المشاريع والبرامج، ومن شأن تلك البرامج، التي نجحت في عدد من دول العالم، أن تحقق أقصى درجات الأمن المطلوب لحماية أجواء الكويت وأراضيها وبحارها، بتكلفة مالية أقل بكثير من استجلاب القواعد العسكرية للدول الصديقة.

ومن المبادرات الإيجابية ما تقدّم به أخيراً عدد من الأكاديميين لتطوير التعليم، أطلق عليها «من هنا نبحر»، وهي مبادرة أعدت كخريطة طريق للنهوض بالتعليم من جديد، ويضم فريق المبادرة د.إسراء العيسى، و د.عهود العصفور، ود.علي الكندري، ود.فاطمة الهاشم، ود.عبدالله الفيلكاوي، ود.إبراهيم الحوطي، وأ.يوسف المحميد، وتلك المبادرة تتطلب حالياً توفّر دعم أكبر لتحقيق أهدافها، ومن المبادرات الاجتماعية المهمة ما تقوم به مجموعة من النساء الكريمات في الفريق التطوعي «إيثار»، ومن أبرزهن السيدة سندس حمزة، والمحامية عذراء الرفاعي، والسيدة نور المخلد، وأخريات كريمات معهن، من أجل توفير صور من الحماية من العنف الأسري، وقد شهدنا على جهودهن من خلال عطائهن الميداني، ودعمهن لإنجاز قانون الحماية من العنف الأسري. وقائمة المبادرات والمبادرين من أبناء الوطن لا تنتهي، ونعتذر لمن لم نذكرهم في هذا المقال.

من الأمثلة الشعبية الجميلة ما قاله أهل الكويت: «إذا حجت حجايجها ما للصلايب إلا أهلها»، وقد أثبت أهل الكويت أصالة معدنهم في وقت الشدائد، وهم كذلك مبادرون في كل أحوال وطنهم، وتستحق تلك المبادرات تفعيلاً من خلال الاهتمام الرسمي والدعم بصورة مؤسسية، والجدير بالذكر أن الأشقاء في عدد من دول الخليج العربي بادروا بالاهتمام علمياً بهذا الدور، فالمملكة العربية السعودية أطلقت مشروع «المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية»، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة صدر قرار لمجلس الوزراء الإماراتي بإنشاء جائزة الإمارات الاجتماعية.

في المقابل، جدير بنا في الكويت أن يكون لنا سبق ومبادرة رسمية للاهتمام بالمبادرات الاجتماعية التي يطرحها الأفراد والأكاديميون ومؤسسات المجتمع المدني، ولتكن لمجلس الوزراء الكويتي خطوة بإنشاء منصة أو جهاز مختص، يشجّع المبادرات الاجتماعية التي تدعم الدولة وخططها، ومن شأن هذه المنصة أو الجهاز تولي مهام دراسة تلك المبادرات والاستفادة منها ومن خبرات المبادرين وفق معايير أساسية من شأنها تعزيز المسؤولية الاجتماعية في المجتمع.

قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى».

 

زر الذهاب إلى الأعلى