متحف سعودي يروي تاريخ الحياة الاجتماعية وبدايات التمدّن
يعرض أول تلفزيون دخل البلاد... وأقدم الأجهزة التي راجت منتصف القرن الماضي
النشرة الدولية
الشرق الأوسط – إيمان الخطاف
ربما لا يعرف كثيرون أن أول جهاز تلفزيون وصل إلى السعودية كان في عام 1950 بالمنطقة الشرقية، وذلك قبل دخول الكهرباء إلى البلاد، وكان يعمل بمولد كهربائي. واليوم، يُعرض الجهاز النادر هذا في متحف الخط الحضاري الذي افتُتح في مدينة القطيف (شرق السعودية) الشهر الماضي، بوصفه أول متحف مرخّص من وزارة الثقافة في المدينة.
ويحكي المتحف قصصاً فريدة لقطع نادرة وصلت إلى البلاد في فترة ما قبل الطفرة النفطية وما بعدها، في تسلسل شيّق يوثّق مرحلة مهمة في الحياة الاجتماعية لأهل المنطقة الشرقية تحديداً، والسعودية عامة، كما يظهر تقاطع تراث المنطقة مع دول الخليج المجاورة، من حيث العادات الاجتماعية والظروف التاريخية التي شكّلت وجه القرن الماضي.
200 ألف قطعة
يوضح مدير المتحف ماهر الغانم، لـ«الشرق الأوسط»، أن المتحف الذي أسسه برفقة شريكه حسين العوامي، والذي تقدر مساحته بنحو 13 ألف مترٍ مربعٍ، ويشمل 25 قسماً مختلفاً، في طابقين متنوعين، يضمُّ أكثر من 200 ألف قطعة فريدة من نوعها، جُمعت على مدى 55 عاماً؛ مضيفاً أنّ «كمية القطع المعروضة تفوق مساحة المكان بكثير».
ويرافق هذه المقتنيات مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المتنوعة التي شكّلها أبناء المنطقة، وتتقاطع في تناولها للمضمون التراثي والإرث التاريخي للمكان، ما بين الرسم والنحت والتطريز؛ إذ يفيد الغانم بأن هذه الأعمال تتجدّد ما بين فترة وأخرى، ليلحظ الزائر فَرقاً ما مع كل زيارة للمكان.
أرشيف الصور
ويأخذ الغانم «الشرق الأوسط» في جولة داخل المتحف، تبدأ بجداريات ضخمة تمتلئ بالصور القديمة؛ مشيراً إلى أقدمها، وهي صورة تعود لعام 1947، كُبّرت ووُضعت في إطار ذهبي، وقد التقطها آنذاك مصوّر أميركي، وتُظهر ملامح الحياة الاجتماعية في منطقة القطيف على مساحة واسعة.
يكمل الغانم حديثه متجولاً بين الصور النادرة ذات اللونين الأبيض والأسود التي تُظهر أول مدرسة أُنشئت في القطيف، والمعمار التاريخي للبيوت القديمة، وكذلك المظاهر التي تبدو عليها الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة من القرن الماضي. وبسؤاله عن عدد الصور يؤكد أنه من غير الممكن حصرها، إذ إن التي لم يُعرض منها يفوق ما عُرض في المتحف.
البيت القديم
ومن ثَمّ ينتقل زائر المتحف إلى مساحة واسعة تجمع أدوات منزلية قديمة، ما بين المراوح الهوائية التي يفوق عمرها نصف قرن، ويتجاوز وزنها 25 كيلوغراماً، مروراً بغسالات الملابس الأولى من نوعها التي وصلت إلى المنطقة في تلك الحقبة، وكذلك المكانس القديمة الشهيرة آنذاك بلونيها البيج والأحمر، وآلات كي الملابس الثقيلة التي تعمل يدوياً بحرارة الفحم.
وفوق أرفف متعددة، يرى زائر المتحف موازين اللؤلؤ القديمة، وقطعاً من اللؤلؤ الحقيقي، وعدة الصيد، وهي المهنة الأشهر في منتصف القرن الماضي لسكان المنطقة. ومن ثَمّ ركنٌ لرجل يجمع بين مهنتين، يُسمى النجار والقلاف (صانع السُّفن) في محاكاة لمهنة اندثرت، تحيطه الأدوات المعدنية وقطع الخشب التي يعمل عليها بيديه.
قصص الهواتف
ويبدو قسم الهواتف هو الأبرز في المتحف، وكأنه يحكي قصة هذا الجهاز منذ القدم، بوجود نحو 200 جهاز هاتف معروض، وبسؤال الغانم عن أقدمها، يشير لجهاز يشبه ذلك المستخدم في الأفلام العربية القديمة، قائلاً: «يُسمّى تلفون أبو هندل، وهو إنجليزي الصنع، وله أسماء مختلفة في الخليج».
وأبان الغانم أن أثقل هذه الهواتف يقدر وزنه بنحو 8 كيلوغرامات، ما دعاه لوضع قطعة حديدة أسفله تحرزاً من سقوطه. وفي الناحية الأخرى تبرز أدلة الهواتف الورقية التي كانت متناولة قبل الثورة التكنولوجية، وأقدمها دليل يعود لعام 1972، كما يفيد الغانم مؤكّداً أن هذه الأدلة كانت مرجعاً لمن يرغب في معرفة رقم الاتصال بأي شخص أو جهة ما مُسجّلة في الدليل.
ذكريات فنية
وللفن نصيب الأسد من هذه القطع المعروضة، فالغانم كان أساساً فناناً سعودياً رافق عدداً من الفنانين، وهو ما يوضحه أثناء تعليقه على جدارية امتلأت بالصور الفنية التي تتبع أول مؤسسة إنتاج فني في المنطقة الشرقية خلال تلك الحقبة. يلي ذلك عدد ضخم من أجهزة الفيديو التي اندثرت؛ حيث يشير الغانم لأثمنها قائلاً: «كانت قيمته تقدر بنحو 36 ألف ريال».
ومن أجهزة الفيديو إلى التلفزيونات بأحجام متنوعة التي كانت ضمن مرحلة «عصر الأنتل» كما شاع تسميته بين معاصري تلك الحقبة، ومن ثَمّ أجهزة التسجيل والكاسيت العتيقة، وصولاً إلى عصر «البيجر» والهواتف المحمولة الأولى من نوعها، مع عرض أكثر من 400 كاميرا متنوعة، بما يُظهر الاهتمام الكبير بالفنون في تلك المرحلة.
أحداث في الذاكرة
ولذكريات الحروب مساحة في المتحف؛ حيث يشير الغانم إلى بعض القطع مبيناً أنها تعود إلى الحرب العالمية الأولى، وقد حُصل عليها من المزادات، وكذلك قطع أخرى نادرة من حرب الخليج الثانية. ومن القطع القيمة والنادرة يشير الغانم إلى مدفع من الحرب العالمية الأولى، صُنع في ألمانيا، وحازه العثمانيون لاحقاً.
ويولي المتحف عناية بالأشجار المتحجرة من باطن الأرض التي تُشكل ظاهرة طبيعية في المنطقة الشرقية؛ حيث يعرضها للزوار استناداً على حفريات شركة «أرامكو السعودية»، كما يفيد الغانم. وفي قسم كبير مستقل، تُعرض مقتنيات الحرمين الشريفين، ومن بينها مفاتيح الكعبة، وقطعة نادرة من كسوة الكعبة تعود لعام 1425 للهجرة.
ولـ«الخطوط السعودية» حيز كبير في وجدان السعوديين آنذاك، باعتبارها كانت الناقل الجوي الوطني الوحيد في البلاد؛ حيث يخصص المتحف قسماً كبيراً لمقتنياتها، ونموذجاً مصغراً للمطار، وكذلك أول إصدار من التذاكر الورقية، وغيرها من قطع نادرة. مروراً بقسمٍ آخر يجمع أهم مقتنيات شركة «أرامكو السعودية» التي تشغل هي أيضاً أهمية كبيرة في ذاكرة البلاد.
واللافت في المتحف الذي يفتح أبوابه يومياً لزائريه، هو وجود سيارة حمراء معلّقة على بابه الرئيس، يفيد الغانم بأنها حقيقية تعود لعام 1945، ووُضعت بهذا الشكل للفت النظر تجاه المبنى الذي يتجاوز عمره 45 عاماً، وهنا يشير الغانم إلى أن ما يميز المتحف هو التنوّع وشد انتباه الزائر، بما يجعله يعيش حالة يمتزج الحنين بها مع المعرفة وإثارة الفضول.