طريقة “الفينغ شوي” فلسفة تصميم يراهن عليها أتباعها
كانت تستخدم لتنظيم بيوت الموتى أكثر من الاستعانة بها مع الأحياء
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نيرمين علي –
ينطلق المصممون والمهندسون المعماريون أثناء عملية تصميم وتقسيم المنزل من مسقط الأرض ذاتها ثم، وتبعاً لمتطلبات العملاء والضرورات الوظيفية، تبدأ عملية التفكير في كيفية استغلال المساحات وزيادة عدد الغرف وتوسيع المساحات الصغيرة، وفي سبيل ذلك، قد تتخذ أحياناً بعض القرارات خارج السياق الصحي والبيئي عموماً، لكن في فلسفة “الفينغ شوي” الأولوية هي توفير مسار صحي لتبادل الطاقة وتواجد العناصر الطبيعية في المكان.
فلسفة “الفينغ شوي”
لا تعطي القواميس الصينية تعريفاً محدداً لمصطلح “الفنيغ شوي” ولا تقدم أي تفسير دقيق لمعناه، وهنا يبدو وكأن هذا الأمر مقصود بعض الشيء، إذ لأسباب خفية يفضل المتعمقون في هذا المجال أن يظل شرح المصطلح ودلالته العميقة غامضاً بالنسبة للعوام، لكن معنى الكلمتين المشكّلتين للمصطلح وهما فينغ Feng الرياح وشوي Shui الماء، تدلاننا على ترجمة حرفية هي “الماء والرياح”، أي الرياح كعنصر لا يمكننا رؤيته والماء ما لا يمكننا الإمساك به.
لكن كتب الأدبيات الكلاسيكية لتنظيم المنازل تُعرّف “الفينغ شوي” على أنه فنّ توازن وتناغم تدفق الطاقات الطبيعية من حولنا بهدف خلق مؤثرات فعالة في حياتنا، وتعتمد طريقته على تنظيم وترتيب العالم الإنساني والاجتماعي بطريقة تتماشى مع القوى الكونية التي تؤثر في المكان، وترجع أقدم ممارسة لطريقة “الفينغ شوي” إلى قدم الحضارة الصينية نفسها، وفي حال أراد أي شخص أن يدرس هذه الفلسفة عليه أن يتعلّم أولاً أساسيات كلاسيكيات الحضارة الصينية، وكانت هذه الطريقة تستخدم لتنظيم القبور أو ما يطلقون عليها بيوت الموتى أكثر من استخدامها لتنظيم بيوت الأحياء.
وتدخل طريقة “الفينغ شوي” في كل التفاصيل المهمة للحياة اليومية في الصين، إذ يجب أن يخضع أي تغيير مقترح إلى اختبارات خاصة بمبادئها، كما تفسّر كل الأحداث التي تحدث سواء كانت سعيدة أم سيئة طبقاً لها، وعلى رغم عدم اعتراف الحكومة بها إلا أن المحاكم تتصرف على افتراض أن مبادئها خارج نطاق الخرافات، كما أن الحكومة نفسها تصدر كل عام مجلداً يتضمن القوائم والأشكال والخرائط التي يطلبها معلمو “الفينغ شوي”، وفي وقت لاحق، ازدادت شعبية الإقبال على هذه الطريقة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة لتأثيراتها الكبيرة في الفنون بخاصة في الهندسة المعمارية.
طاقة المكان
ويجادل المناصرون لهذا الاتجاه بتأثير هذه الفلسفة الكبير على طاقة المكان وبالتالي على نفسية قاطنيه، سواء كان منزلاً أو مكتباً أو مستشفى أو فندقاً أو أية منشأه أخرى، كما ينسبون السبب في عدم قدرة البعض على التواجد فترات طويلة في مكان ما إلى طاقته التي قد تكون في هذه الحالة غير مشجعة أو تدعو للنفور، إضافة إلى تأثير طاقة المكان على الحقل الطاقي أو الهالة الخاصة بالأشخاص، والتي يربطها كثيرون من المعالجين الروحانيين بحدوث الأمراض سواء كانت الجسدية أم النفسية، وينوه أيضاً إلى تأثيرها الكبير على مراكز الطاقة داخل الجسد وبالتالي على أفكاره وعقليته.
ويفضل عند اختيار اتباع هذه الفلسفة البدء منذ اللحظة الأولى لاقتناء المنزل وقبل اتخاذ أي قرارات، لكن الأكيد أن معظم تطبيقاتها الحالية تعتمد على منازل منسقة مسبقاً، لذا تكون الأولوية لدى المختصين هي قراءة طاقة المكان الحالية واتخاذ قرارات التغيير وفقاً لها.
ويعتبر خلق مساحات رحبة من أكثر الطرق فاعلية على رغم بساطة وسهولة طقوسها، إلا أنها تمتلك، في الوقت ذاته، قوة وتأثيراً كبيراً، فمن الممكن أن تحدث تغييرات فعالة في عالمنا الداخلي بمجرد قيامنا بترتيب عالمنا الخارجي لأن كل شيء حولنا يعكس ذاتنا الداخلية.
البوصلة ومربع “الباكوا”
وتتنوع الطرق التي يتبعها المتخصصون في تنسيق المنازل لتنظيم الطاقة فيها وإمداد سكانها بالمزيد من النشاط والطاقة والحيوية في مجالات الحياة كافة، ولكن أشهرها المدرسة الكلاسيكية أو مدرسة البوصلة، وهي تعتمد على استخدام البوصلة لتحديد الاتجاهات الجغرافية وتقسيم المنزل تبعاً لها إلى تسعة أركان وهي، أركان المهنة، والحكمة والمعرفة، والصحة والعائلة، والثروة، والشهرة، والعلاقات والحب، والإبداع، والسفر والأشخاص الملهمين، وأخيراً ركن المركز الذي يعبر عن الشخص ذاته، وبحسب مدرسة البوصلة لكل واحد من الأركان اتجاه خاص به وعنصر ولون معين.
أما المدرسة الثانية فهي الغربية وتعتمد على خريطة أو مربع “الباكوا”، أو المربع السحري، وهو يعتمد على باب مدخل البيت، فمثلاً إذا كان على يمين الجدار فالركن هو ركن السفر والأشخاص الملهمين، أما إذا كان موقعه وسط الجدار يكون ركن المهنة، وإذا كان يسار الجدار يكون ركن الحكمة والمعرفة والتعليم والوعي، ولكن الأمر الأساس في الطريقتين هو توافر العناصر الخمسة في المنزل وضمان وجود حال توازن ضمن بيئة متناغمة.
فالفلسفة الصينية تقول إن كل ما في الكون تكوّنه العناصر الخمسة والطاقة، فعنصر الماء يرمز إلى الازدهار الاقتصادي والحياة المهنية، والخشب إلى العائلة والعلاقات والأحجار ترمز إلى الاستقرار، والنار إلى السمعة الطيبة، والإشراق والمعدن يرمز الى الإبداع والمشاريع.
البصمة الأثيرية
وعلى سبيل المثال، تقوم كارين كينغستون، التي تعرف نفسها كخبيرة عالمية في مجال خلق المساحات الرحبة باستخدام فن “الفينغ شوي”، بالتعامل مباشرة مع الطاقة الموجودة في كل فراغ على حدة، وتقول إنها استطاعت من خلال تنمية قدراتها على الرؤية والاستماع والشم والشعور أن تستشعر الطاقة الموجودة في كل فراغ بطرق مبتكرة بحيث تقوم بالتجول والالتفاف في المحيط الداخلي للمبنى بالكامل وتقرأ بيديها الطاقة المخزنة في المكان.
وتجادل كينغستون بأن تاريخ الأحداث منقوش على الحوائط والأثاث على شكل بصمات أثيرية أو كهرومغناطيسية دقيقة، ومن خلال قراءتها وترجمتها تستطيع اكتشاف كل الأحداث المهمة التي وقعت في المبنى، بشكل خاص الصادمة والمتكررة منها، وتؤكد أن الأمراض والأحداث المتكررة تطوّق المكان بإحكام وعمق، وبالتالي، فان لها تأثيراً كبيراً على المقيمين داخل المبنى، كما تزعم أن باستطاعتها الوصول إلى المناطق التي احتجزت فيها الطاقة وتحديد ما يمكن عمله لتحسين تدفق الطاقة من جديد في هذا المكان، إذ باعتقادها أنه لكي تمضي حياتك على ما يرام فمن الأساس أن تتدفق قوة طاقات حياتك بشكل جيد في بيتك وفي مكان عملك.
كما أن تنسيق المبنى بشكل مدروس يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على أفكار وعاطفة وطاقة السكان، بل يمكن أن يغير من طاقة مدن بأكملها، في بالي مثلاً يعيش الناس في انسجام كامل يجمع بين كل من العالم المادي المرئي وعالم الطاقات غير المرئي، وهنا لا تطبق مبادئ “الفينغ شوي” على المستوى الفردي أو على مستوى مبان فردية، بل على مستوى جزيرة بكاملها يبلغ عدد سكانها حوالى ثلاثة ملايين نسمة، ويعدون من السكان الذين يعيشون حياة متكاملة في تناغم وفاعلية.