قرطاج و”الكوميدي” البذيء

ليس العيب في استعمال لغة الشارع، ولكن العيب الكبير في الفهم الخاطئ لمعنى لغة الشارع، فالكثير ممن ينسبون أنفسهم إلى عالم الكوميديا ينساقون وراء التعابير النابية والضحلة

النشرة الدولية

العرب – يمينة حمدي –

“من السهل أن تبكي الناس لكن من الصعب أن تضحكهم” مقولة ترددت كثيرا على أفواه أكبر نجوم الكوميديا في العالم، لكن يبدو أن البعض من الجيل المعاصر فهم هذه المقولة بشكل معكوس، ورؤية منجرفة نحو الكوميديا الارتجالية، التي تعتمد بشكل مبالغ فيه على لغة الشارع والمصطلحات النابية، كوصفة سهلة لإضحاك الجماهير، حتى أن الجماهير نفسها قد تقهقه بشكل هستيري على أكثر المصطلحات بذاءة، بسبب عدوى الضحك، أو ربما لأن طبيعة الضحك المعدية تجعل موجات الضحك تنتشر بسهولة عندما يكون عدد الجماهير كبيرا.

النجاح الحقيقي في عالم الكوميديا يتطلب قدرة معرفية ولغوية وعاطفية وسرعة بديهة وردود فعل عفوية وحركات جسدية غير تقليدية تفاجئ الجمهور في معظم الأحيان، مما يثير الضحك ويشعر الناس بالابتهاج. وفي الواقع وجدت العديد من الدراسات ارتباطا كبيرا بين روح الدعابة الهادفة والذكاء الاجتماعي، وهذا نوع خاص من المهارات لا يجيدها أو يحوزها كل الكوميديين.

من حق أي شخص يلتمس في نفسه حسا فكاهيا، أن يطمح إلى أن يكون نجما مثل عادل إمام أو إسماعيل ياسين أو إيدي ميرفي أو كريس روك أو كينيث وليامز وغيرهم من نجوم الكوميديا العالميين، لكن الأجدر به في هذه الحالة أن ينمي المهارات الحقيقية التي تقدرها الجماهير، وتجعله جديرا بأن يحظى بلقب الفنان الكوميدي.

على أي حال، التدريب هو المعلم الأفضل على الإطلاق، خاصة إذا كان الشخص لديه حس فكاهي ويرغب في أن يحظى بمكانة رفيعة في عالم الـ”ستاند أب كوميدي”، فالتدريب المستمر يمكن أن يرسخ رسائله في عقل أي شخص، ويكسبه معرفة ومقدرة وثقة في النفس، لا يمكن محو أثرها على المدى البعيد.

ونحن نتحدث عن فن الكوميديا، لا بد من الإشارة هنا إلى عرض الكوميدي الفرنسي من أصول مغربية عزالدين بنجالي الملقب بـ”آز” على مسرح قرطاج في السادس عشر من يوليو 2023، وكيف تحول عرضه إلى جريمة يعاقب عليها القانون، بعد تعمده ترديد كلمة بذيئة جعلته موضع سخرية وتهكم على مواقع التواصل وبدل أن يضحك الناس ضحكوا عليه.

ليس العيب في استعمال لغة الشارع، ولكن العيب الكبير في الفهم الخاطئ لمعنى لغة الشارع، فالكثير ممن ينسبون أنفسهم إلى عالم الكوميديا ينساقون وراء التعابير النابية والضحلة، بدلا من أن يرتقوا بعروضهم إلى معايير الذائقة البصرية والسمعية، التي هي في نهاية الأمر تعبر عن هوياتهم، وفن الإضحاك لا يطرح موضوعا أو قضية، بل يعكس أيضا فكرا وشخصية.

يقول الكاتب الأمريكي إي بي وايت “الفكاهة يمكن تشريحها مثلما تشرح الضفدعة، لكنها تموت أثناء العملية. فمن لا يمتلكون عقلية علمية سيجدون أنفسهم أمام أحشاء مثيرة للاشمئزاز”.

هذه المقولة تبدو أكثر بلاغة في التعبير عما يمكن أن يحدث للكوميديا إذا اختار الكوميدي الإكثار من توابل المصطلحات البذيئة، واستسهلها، جاهلا بأن لكل ثقافة روح دعابة خاصة بها، ومنصهرة مع تاريخها وتقاليدها وقيمها ومعتقداتها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى