شورى الدولة يخالف القانون ويسقط في فخ التسويات السياسية
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر –
إذا فسد الملح فبماذا نملّح، واذا فسد القضاء فإلى من يحتكم الناس.
بموجب المرسوم رقم 10434 تاريخ 1975/6/14 تم إنشاء مجلس شورى الدولة في لبنان، وحُدّدت مهمته كسلطة استشارية لإصدار المراسيم والقوانين، والفصل في النزاعات الإدارية مع الدولة والمراجعات المقدمة أمامه، من قبل الاشخاص الطبيعيين والمعنويين.
وفق المادة 56 من قانون انشائه،
يساهم مجلس شورى الدولة في اعداد مشاريع القوانين, فيعطي رأيه في المشاريع التي يحيلها عليه الوزراء، ويقترح التعديلات التي يراها ضرورية، ويهيّء ويصوغ النصوص التي يطلب منه وضعها. وله من اجل ذلك ان يقوم بالتحقيقات اللازمة، وان يستعين باصحاب الرأي والخبرة.
في حزيران 2021 قرر مجلس شورى الدولة وقف العمل بتعميم البنك المركزي رقم 151 لعدم قانونيته.
وكان التعميم 151 يطلب من البنوك، تسديد دفعات بالليرة اللبنانية، لمن لديه وديعة بالدولار، وفق سعر 3900 ليرة للدولار . (الآن أصبح السعر 15 الف).
ثم تراجع مجلس شورى الدولة عن موقفه القانوني، لصالح التسوية السياسية مع رياض سلامة والمصارف، بعد اجتماع في قصر بعبدا، بحجة أن المصارف ستقوم بتسديد الودائع وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1505 ليرات للدولار.
تمسّك رياض سلامة بإبقاء سعر الصرف الرسمي على 1500 ليرة، وتم تسديد القروض الشخصية وقروض الإسكان للمصارف وفق هذا السعر. فخسرت المصارف أكثر من 30 مليار دولار، ذهبت الى جيوب أشخاص غير مستحقين، وتم اقتطاعها من أموال المودعين.
التعميم 151 يعطي المودعين دولاراتهم اليوم وفق سعر 15000 ليرة للدولار، مع العلم ان سعر الدولار يفوق 92 الف ليرة، أي اذا كان لديك وديعة مئة الف دولار في البنك، ستحصل على ما يعادل أقل من 16 الف دولار منها فقط، وهكذا سيتم شطب وديعتك.
يطلب البنك من المودع الموافقة والتوقيع على هذه السحوبات، أي تسليمه براءة ذمة على سرقته لأموالك.
أطل سلامة هذا الاسبوع عبر احدى الشاشات، محاولاً تبرئة نفسه، وادّعى أن هذه التعاميم اختيارية، وانه استفادة منها اكثر من 190 الف مودع، ولكنه لم يسأل هل كان أمام هؤلاء طريق آخر لسحب ولو القليل من ودائعهم، لتسيير أمورهم المعيشية؟؟؟
تبرّأ سلامة من المنظومة، متهما ايّها بأنها تخلّت عنه، وادّعى أنه “كبش محرقة”، وتناسى أنه دافع لسنوات عن السياسات المالية لهذه المنظومة، بل هو من فبرك وهندس الخطط المالية التي أهدرت المليارات، وسعى منذ سنوات للوصول إلى بعبدا، وقدّم لأجل ذلك إلى معظم السياسيين خدمات جمة، ورشى المصارف بهندسات مالية درّت عليهم كثير من الأرباح، ودفع مبالغ طائلة من الأموال العامة، إلى عدد كبير من الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، بغية التسويق له لتحقيق هدفه الرئاسي.
يعلم رئيس وقضاة مجلس شورى الدولة، أن تعاميم المركزي مخالفة للقانون والدستور، ورغم ذلك تقدموا بمشروع قانون تم تسليمه إلى رئيس مجلس النواب، ادّعوا فيه أنه يهدف إلى حماية حقوق المودعين، فيما هو في الحقيقة يخالف الدستور والقانون، ويحمي ويبرئ المصارف، من جريمة السطو على اموال المودعين، ومخالفتهم للقانون التجاري وقانون النقد والتسليف.
لم يشرح رئيس مجلس شورى الدولة، المؤتمن على تطبيق القانون، وفق مهمته وقسمه يوم استلام وظيفته، على أي نص قانوني استند، ليفرّق مثلاً بين مودع حوّل وديعته من ليرة إلى دولار قبل 2019/10/31 وآخر حوّل وديعته في اليوم التالي،ليعطي للأول كامل وديعته، ويُعطي الثاني فقط نصف وديعته ويقتطع منها 50%!!!!
مع العلم أن الثورة حصلت في 19 تشرين الأول، وليس في 31 منه.
وبين هذين التاريخين، تم تحويل مليارات الدولارات، داخل لبنان وإلى الخارج، لأصحاب المصارف وموظفيها وبعض السياسيين والنافذين، الذين اراد سلامة خدمتهم بتعاميمه المخالفة للقانون، والآن تبعه مجلس شورى الدولة بذلك.
وهذه ليست المخالفة الوحيدة، في المشروع الذي صاغه قضاة من مجلس شورى الدولة، فهناك العديد والكثير منها.
يبدو واضحاً أن بعض قضاة مجلس شورى الدولة، تخلّوا عن القانون وسقطوا في لعبة التسويات، بهدف تسجيل نقاط، طمعاً بأن تفسح لبعضهم المجال مستقبلاً في العمل السياسي.
أليس من المعيب أن يفعل مجلس شورى الدولة ذلك؟ وماذا لو قُدِّم أمامهم مراجعة من المودعين، فوفق أي قانون سيحكمون؟
وماذا لو تم لاحقاً ابطال قانونهم هذا من قبل المجلس الدستوري؟ (فيما لو تم اقراره في المجلس النيابي)
فكيف سيبررون فعلتهم ومخالفاتهم للقانون والدستور، وسعيهم لحماية المصارف على حساب مصلحة الدولة والشعب؟؟؟، هذه المصلحة التي انتدبوا ليكونوا أمناء عليها!!!