ماذا يجري في مخيم عين الحلوة؟
بقلم: محمد عايش

 

الاشتباكات المسلحة التي تدور في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان بالغة الخطورة، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من التدهور، سواء داخل لبنان أو على المستوى الفلسطيني بشكل عام، كما أنها جاءت بالتزامن مع اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة، لتُفسد الاجتماع الذي كان من الممكن أن يعيد الأمل بإنهاء الانقسام الفلسطيني أو على الأقل تقليل التوتر داخل الساحة الفلسطينية.

وليس معلوماً حتى الآن ما هي الشرارة التي أدت إلى نشوب الصراع الدموي في مخيم عين الحلوة، ولا أسباب اغتيال قائد الأمن الوطني التابع لمنظمة التحرير في المخيم، ولا من يقف وراء هذا الاغتيال ولا ما هي أهداف هذا الاغتيال، لكن المؤكد أن هذه الأحداث مرشحة للتوسع، ويُمكن أن تؤدي إلى عواقب كارثية ما لم يتم تطويق الأمر سريعاً.

الانقسام والاقتتال الداخلي لا يُمكن أن يصب في مصلحة أحد، وكما أنه في الداخل لا يمكن أن ينتهي بإقصاء طرف ولا بانتصار آخر، فالأمر كذلك في المخيمات وفي دول الشتات.

من المؤكد أن الأحداث الحالية في مخيم عين الحلوة بالغة الخطورة لسببين، الأول أنها من الممكن -لا سمح الله- أن تتوسع لبنانياً خاصة مع الحديث عن بعض الامتدادات خارج المخيم، وتدخلات من قبل مسؤولين حكوميين لبنانيين في شؤون المخيمات، وكذلك بالعكس تدخلات فلسطينية في الشأن السياسي اللبناني (كلاهما يُخالف اتفاق الطائف)، وهو ما يُخشى أن يُمهد الطريق لتوسع هذه التوترات على الساحة اللبنانية.

أما السبب الثاني فهو أن هذه الاشتباكات في مخيم عين الحلوة تُغذي الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتزيد من عمقه، والأخطر من ذلك أنها تعني بالضرورة أن الانقسام بين الضفة وغزة، أو بين حماس وفتح في الداخل، يُمكن أن يتوسع ويمتد إلى فلسطينيي الخارج، وهذه كارثة مكتملة الأركان، إذ أن «الانقسام الداخلي» يجب أن يظل داخلياً، أي يجب محاصرتُه لا توسيعه، فضلاً عن أن فلسطينيي الخارج كانوا وما زالوا الأمل الأكبر بأن يكونوا أداة إنهاء الانقسام السياسي لا تعميقه، وهم في الحقيقة لديهم القدرة على تجاوز الانقسام الداخلي والقفز عليه عبر العمل المشترك في الخارج الذي يجب أن لا يحتوي على أي تمييز بين فلسطيني وآخر، ففي مكان مثل مخيم عين الحلوة يجب أن لا تكون هناك غزة وضفة، ولا فتح وحماس، لأن الجميع سواء في مخيم للاجئين بانتظار العودة إلى فلسطين.

ثمة أمر لافت أيضاً في أحداث عين الحلوة، وهي أنها تأتي بعد أيام قليلة من زيارة قام بها مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى لبنان، وليس معلوماً ما هي أهداف هذه الزيارة، ولا مضامينها، وإن كانت وسائل الإعلام اللبنانية والعديد من المصادر في بيروت تحدثت كثيراً عن هذه الزيارة، لكن لا يستطيع أحد أن يقرأ ما يحدث في المخيم، دون أن يتوقف عن زيارة فرج إلى لبنان، ويتساءل: ما الذي حدث في هذه الزيارة التي كانت قبل أيام من لقاء القاهرة وقبل أيام من التدهور الكبير في المخيم؟ ومن المهم جداً أن تُصدر السلطة الفلسطينية توضيحاً وتفصيلاً لتلك الزيارة.

التعويل الآن على القوى الوطنية اللبنانية وفي مقدمتها كل من حركة «أمل» وحزب الله أن تتدخل لنزع فتيل الأزمة داخل المخيم، وتحتوي التوتر وتحقن دماء الناس هناك، وبطبيعة الحال فثمة جهود بدأت تُبذل بالفعل ولا يتوقع لها أن تخيب أو تفشل، كما أن حركة «أمل» أصدرت بياناً قالت فيه إن «جميع منازلنا ومكاتبنا في حارة صيدا مفتوحة للجميع».

والخلاصة هو أن الفلسطينيين يحتاجون لتطويق أي انقسام، كما أن الخلافات البينية الفلسطينية التي كان الاحتلال الاسرائيلي سبباً رئيسياً لها، يجب أن تظل هناك، ويجب أن لا تتوسع إلى الفلسطينيين في الخارج، خاصة مخيمات اللاجئين في لبنان التي سبق أن عانت كثيراً ولسنوات طويلة خلال فترة الحرب الأهلية في أواخر القرن الماضي.

الأكيد أن الانقسام والاقتتال الداخلي لا يُمكن أن يصب في مصلحة أحد، وكما أن الانقسام داخل الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن ينتهي بإقصاء طرف ولا بانتصار آخر، فالأمر كذلك في المخيمات وفي كل دول الشتات، إذ سيظل التباين السياسي قائماً بين الناس لأنها طبيعة البشر، وستظل الخلافات في التقديرات قائمة، ولا يصح سوى أن يتقبل كل طرف منافسه ويعترف بوجوده ويعمل معه فيما يتم الاتفاق عليه، لأن فلسطين واحدة وهي تتسع للجميع.

كاتب فلسطيني

 

Back to top button