استحقاقات لبنانية ملحة في ظروف معاكسة
بقلم: رفيق خوري

النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون صاروا مجموعة أعباء على البلاد

النشرة الدولية –

ليس قليلاً ما يعرقل الاستحقاقات اللبنانية الضرورية والملحة، لا في الحسابات الداخلية الضيقة ولا في بعض الحسابات الخارجية الواسعة، لكن ما يقود إلى تعميق المشكلة وتعقيدها هي الظروف التي تأتي مواعيد الاستحقاقات على ساعتها، رئاسة الجمهورية ومشكلة النازحين والتغيير على القمة في المصرف المركزي والجيش والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

كل تأخير في إتمام الاستحقاق في موعده يكلف لبنان واللبنانيين ثمناً باهظاً في المجالات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والإدارية، كما في موقع الوطن الصغير على الخريطة الجيوسياسية وموقف الآخرين منه، والتأخير صار القاعدة بعد أن كان الاستثناء.

الشيء الوحيد الذي يسير مثل الساعة بلا توقف هو توظيف الأزمات وتأخير الاستحقاقات في مصالح المافيا الحاكمة والمتحكمة، ذلك أن الدستور أعطى النواب مهلة شهرين قبل انتهاء الولاية الرئاسية لانتخاب رئيس جمهورية يتسلم الراية من سلفه، لكن المهلة مرت بلا انتخاب ومر معها بقاء حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي كانت مستقيلة حكماً بنص الدستور بعد إجراء الانتخابات النيابية، بدل تأليف حكومة كاملة الصلاحيات تتسلم كمجلس وزراء صلاحيات الرئاسة عند الشغور وتستطيع اتخاذ القرارات اللازمة، ثم مرت الأشهر بلا انتخاب لأن “الثنائي الشيعي” يمارس تعطيل الجلسات بإفقادها النصاب الدستوري لكونه عاجزاً عن انتخاب مرشحه ومصمماً على الحيلولة دون انتخاب مرشح القوى السيادية والتغييرية المعارضة.

فرنسا فشلت في الدور حين انحازت إلى خيار “الثنائي الشيعي” وتصرفت من خارج التفويض المعطى لها من أميركا والسعودية ومصر وقطر، لكن “الخماسية” العربية والدولية تسعى إلى مساعدة اللبنانيين في إتمام الاستحقاق الرئاسي والتفاهم على برنامج العمل.

النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون صاروا مجموعة أعباء على لبنان، فعددهم أكثر من نصف عدد اللبنانيين، وإذا كان النازحون السوريون بلا سلاح، فإن اللاجئين الفلسطينيين مسلحون في المخيمات وكثيراً ما تحدث اشتباكات بين الفصائل لأسباب لا علاقة لها بلبنان ولا بالصراع مع إسرائيل.

عودة اللاجئين الفلسطينيين حلم قديم وعودة النازحين السوريين تصطدم بجدارين، جدار الموقف السوري الذي يشترط رفع العقوبات الدولية عن النظام وتمويل إعادة الإعمار لكي يسمح بعودة النازحين وجدار الموقف الأميركي والأوروبي والدولي الذي يصر على تسوية سياسية في إطار القرار 2254 لتمويل إعادة الإعمار وعودة النازحين، والتسوية ليست على جدول الأعمال بالنسبة إلى النظام وهكذا يبقى النازحون في لبنان المأزوم.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المتهم بأمور عدة في لبنان وأوروبا انتهت ولايته بعد 30 عاماً من “هندسة” السطو على المال العام والخاص والمحمية بقوانين في البرلمان وقرارات في مجلس الوزراء من دون قدرة على تعيين البديل على أيدي حكومة تصريف الأعمال.

قائد الجيش العماد جوزيف عون تنتهي قيادته في مطلع عام 2024 وسط العجز عن تعيين قائد جديد إن لم يتم انتخاب رئيس جديد، وحتى عن تعيين رئيس للأركان يتولى صلاحيات القائد بالوكالة بحسب قانون الدفاع.

الاتفاق الدولي مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين لم يتطور إلى اتفاق نهائي لأن لبنان تهرب من إجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية والمصرفية المطلوبة، فضلاً عن أن الحكومة التي أشرفت على الاتفاق الأولي استقالت، والحكومة الحالية التي تصرف الأعمال ممتنعة عن إجراء الإصلاحات، فلا مجال لاتفاق نهائي يقدم للبنان 3 مليارات دولار ويفتح باب المساعدات والاستثمارات العربية والدولية. ولا أحد يجهل إلى أين تقود الأزمات المتعددة وسط الانهيار اليومي في كل مجال.

سفيرة فرنسا آن غريو لم تكن دبلوماسية في خطاب الوداع لبيروت قبل تسلمها إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، لكنها كانت صادقة وجريئة في تعنيف التركيبة السياسية والتحذير من أن لبنان في “استقرار خادع”، والمأساة فوق ذلك أن الظروف التي تعاكس إتمام الاستحقاقات اللبنانية تبدو أقوى من إرادة اللبنانيين وجهود الأصدقاء للمساعدة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى