درجات الحرارة الأعلى تعرقل دورة الاقتصاد الأميركي

نقلت “نيويورك تايمز” عن بحوث جديدة أن أثر درجات الحرارة المرتفعة في مختلف أرجاء الولايات المتحدة يؤثر سلباً في العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية ويخفض إنتاجيتهم. ووفق البحوث، لم يعد أثر الحر يقتصر على العاملين في قطاعات متوقعة مثل الزراعة والبناء، بل بات يسبب أيضاً مشكلات صحية للعاملين في المصانع والمستودعات والمطاعم وحتى العاملين في شركات الطيران والاتصالات والتوصيل والطاقة والمساعدين الصحيين المنزليين.

ولفتت الصحيفة إلى أن درجات الحرارة المرتفعة القياسية من الأسباب التي تجعل سائقي “أمازون” والعاملين في مستودعاتها يضربون عن العمل مع بلوغ درجات الحرارة في أكثر من منطقة أميركية 38 درجة مئوية، وتدفع العاملين في المرافق إلى تأجيل أعمال الصيانة التي تتطلب منهم أعمال حفر في الهواء الطلق وهم يرتدون ملابس ثقيلة وسميكة تضمن السلامة، وتتسبب بأيام عمل أقصر في ورش البناء. وذكرت بأن درجات حرارة الأرض تسجل حالياً أعلى مستويات في تاريخ السجلات المعنية في حين يتوقع خبراء ارتفاعات إضافية.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن آر جيسونغ بارك، أستاذ اقتصادات العمالة في جامعة بنسلفانيا، قوله “لطالما عرفنا أن البشر حساسون جداً لدرجة الحرارة، وأن أداءهم يتدنى كثيراً حين يتعرضون إلى الحر، لكن ما لم نعرفه إلا أخيراً… هو أن درجات الحرارة الأعلى تعرقل الدورة الاقتصادية بطرق أكثر بكثير مما كنا نتوقع”. وتستنتج دراسة أكاديمية أعدها أساتذة جامعات صينيون ونشرت في يونيو (حزيران) أن إضرار الحر الشديد بالصناعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية يفوق إضراره بالزراعة، لأسباب منها أنها قطاعات تعتمد على العمالة المكثفة، فالحر يفاقم حالات التغيب عن العمل ويقلص ساعات العمل. وتضيف أن ازدياد درجات الحرارة المستمر سيزيد الخسائر.

وأشارت الصحيفة إلى أن 2.5 مليار ساعة عمالة ضاعت عام 2021 في قطاعات الزراعة والبناء والتصنيع والخدمات في الولايات المتحدة بسبب تعرض العاملين إلى الحر، وفق بيانات جمعتها دورية “لانسيت” الطبية. ونقلت عن مركز مؤسسة أدريين أرشت-روكفلر للمرونة، وهو منظمة غير حكومية تعنى بتعزيز صمود المجتمعات المحلية في مواجهة تغير المناخ، تقديرها أن الاقتصاد الأميركي تكبد خسائر بواقع 100 مليار دولار عام 2020 بسبب المشكلات التي عانتها العمالة نتيجة للتعرض إلى الحر، وهو رقم رجح المركز أن يبلغ نصف تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2050. وبينت دراسة أعدتها مؤسسة “سبرينغر” البحثية أن إنتاجية العاملين تتراجع بنسبة الربع حين تبلغ درجة الحرارة 32 درجة مئوية وبنسبة 70 في المئة حين تسجل أكثر من 38 درجة مئوية.

وأوردت “نيويورك تايمز” أن التداعيات تتفاوت بين البلدان الفقيرة والبلدان الغنية، وفق دراسة نشرتها “دورية معهد الفيزياء للعلوم” الصادرة في بريطانيا، ففي الأولى يخسر العامل ما يصل إلى خمسة في المئة من أجره في مقابل كل يوم حار يعمل فيه، وفي الثانية تقل الخسارة عن واحد في المئة. ونبهت الصحيفة إلى غياب التنظيمات الوطنية المخصصة لحماية العاملين من القيظ الشديد. عام 2021 أعلنت إدارة بايدن أن إدارة السلامة والصحة ستقترح مشروع أول قاعدة مصممة لحماية العاملين من التعرض إلى الحر، لكن الإدارة لم تصدر شيئاً في هذا الصدد حتى الآن.

ووفق الصحيفة، توفر سبع ولايات أميركية حمايات من نوع ما للعاملين في الحر، لكن بعضها يحاول إلغاءها. ففي يونيو (حزيران)، وقع حاكم تكساس قانوناً ألغى قواعد وضعتها البلديات وتنص على منح العاملين في البناء أوقاتاً إلزامية يتوقفون فيها عن العمل لشرب الماء، على رغم أن تكساس أكثر الولايات المتأثرة بفقدان الإنتاجية بسبب الحر، بحسب بيانات فيدرالية جمعتها مؤسسة “فيفيد إيكونوميكس”. وتعارض هيئات قطاعية فرض قواعد فيدرالية باعتبارها مكلفة، ولا سيما إذا تضمنت تركيب مكيفات هواء وفترات زمنية إلزامية مخصصة للراحة أو شرب المياه أو الجلوس في الظل.

وأوردت “نيويورك تايمز” أمثلة على معاناة العاملين في الولايات المتحدة خلال الصيف الحار الجاري. في مسلخ يتبع “الشركة الوطنية للحوم الأبقار” ويقع في دودج سيتي بولاية كانساس، يقتصر التبريد على المراوح. ويرتدي العاملون ملابس وخوذات سلامة يجب تعقيمها قبل ارتدائها بمياه تبلغ درجة حرارتها 82. وقال عامل هناك رفض ذكر اسمه خوفاً من الاقتصاص منه جزاء الإفصاح عن واقع الحال إنه وزملاءه يجدون صعوبة في إتمام نوبات عملهم. ولم ترد الشركة على طلبات من الصحيفة للتعليق، لكن مارتن روساس، المسؤول في النقابة التي تمثل العاملين في القطاع في كانساس وولايتي ميسوري وأوكلاهوما، قال إن الحر يهدد سلامة الغذاء مثلما يهدد العاملين بتشوش البصر بما يؤثر في كفاءتهم. وأضاف أن 200 من العاملين الألفين و500 في المسلخ المذكور استقالوا منذ مايو (أيار)، بزيادة 10 في المئة على معدل الاستقالات من المؤسسة في هذه الفترة من العام.

وفي مثال آخر أوردته الصحيفة، غادر عاملون في مطعم تابع لشبكة “ماكدونالدز” للوجبات السريعة يقع في لوس أنجليس وظائفهم بسبب عدم كفاءة تكييف الهواء في المطبخ. وأصرت إدارة المطعم على أن تكييف الهواء فيه فاعل. وقال توني هيدجبيث، العامل الصحي في أحد المنازل بريتشموند في ولاية فيرجينيا، إن صاحب المنزل يحدد درجة حرارة مكيف الهواء عند 28 درجة مئوية، لكن درجة الحرارة الفعلية داخل المنزل خلال الأسبوع الأخير من يوليو لم تقل عن 34 درجة. وشكا هيدجبيث من أن عمله الذي يتطلب جهداً بدنياً، ويشمل الطهو ونقل صاحب المنزل المريض والعناية بنظافته، سبب له إرهاقاً في ظل درجة الحرارة هذه. والشهر الماضي، أضافت الصحيفة، فاز العاملون في “يو بي أس” للخدمات اللوجيستية بمعركة مع الشركة إذ وافقت الأخيرة على تركيب مكيفات في شاحنات توصيل الطرود.

اندبندنت عربية

Back to top button