لماذا الريال الإيراني من أضعف العُملات في العالم؟
النشرة الدولية –
رغم استعادة الريال الإيراني جزءاً من قيمته خلال الأشهر الأربعة الماضية، فإن مجلة “فوربس” الأميركية صنفته في أحدث تقاريرها بأنه الأضعف على مستوى العالم مقابل الدولار الأميركي.
وتحت عنوان “الريال الإيراني الأضعف بين العملات”، توقفت الصحافة الإيرانية الناطقة بالفارسية أمام تقرير مجلة “فوربس”، موضحة أن التقرير يرى أن العملة الإيرانية توازي نحو 0.000024 دولار أميركي؛ ما يعني أنك قادر على شراء 422 ألفا و733 ريالا بالعملة الخضراء وفقا لسعر الصرف الرسمي، في حين أن الدولار الأميركي يعادل أكثر من 485 ألف ريال في السوق الموازية في الوقت الراهن.
ويعتمد تقرير مجلة “فوربس” سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني، وذلك بعد مرور نحو 4 أشهر على المصالحة الإيرانية السعودية والأنباء التي تُسرّب باستمرار عن مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي، ما انعكس إيجابيا على تعافي الريال الإيراني.
وانخفض سعر العملة الأميركية من 620 ألف ريال في شباط الماضي إلى 490 ألف ريال إيراني حتى الجمعة في السوق السوداء.
وعود انتخابية
واستذكرت الصحافة الإيرانية ومغردون على منصات التواصل الاجتماعي، وعود المرشح الرئاسي الخاسر محسن رضائي -الذي عينه الرئيس إبراهيم رئيسي عقب فوزه في الرئاسيات الماضية نائباً له للشؤون الاقتصادية ثم عينه الشهر الماضي رئيساً لأمانة المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي لرؤساء السلطات الثلاث- بأنه سيحوّل الريال الإيراني إلى أقوى عملة في المنطقة.
ورسميا، لم تعلق الحكومة الإيرانية -حتى الآن- على تصنيف العملة الوطنية باعتبارها الأرخص بين عملات العالم، إلا أن الإعلام الرسمي يطعن في مثل هذه التصنيفات ويعتبرها غير قابلة للثقة لأنها تستند إلى عدد أصفار العملات الوطنية مقارنة بالدولار الأميركي.
وفي سياسة تبدو موحدة للرد على ما يتناقله الإيرانيون على منصات التواصل الاجتماعي والصحف الإصلاحية، كتبت وسائل الإعلام المحافظة ومنها وكالة أنباء “تسنيم” المقربة من الحرس الثوري، أنه منذ عام 1940 فصاعداً حذفت دول مختلفة عدداً من أصفار عملاتها نتيجة التضخم المتصاعد وتراجع قيمتها، في حين أن العملة الإيرانية بقيت كما هي وذلك رغم أن قيمتها تفوق العديد من عملات الدول الأخرى.
في المقابل، ردت صحيفة “تعادل” الإصلاحية على التقارير التي تحاول تبرير سقوط قيمة العملة الوطنية، وكتبت أن “أحدث تقارير مركز أبحاث البرلمان الإيراني تكشف عن إحصاءات كارثية حول تراجع قيمة الريال مقابل العملات الصعبة طوال 100 عام خلت”.
ووفقاً للصحيفة، فإن بيانات مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني تظهر أن الريال الإيراني عام 1929 كان يعادل 0.366 غرام من الذهب، وبمرور الزمن ارتفع سعر غرام الذهب من 3 ريالات حينذاك إلى نحو 18 مليون ريال حتى آذار 2022. وبعبارة أخرى، فقد تراجعت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالذهب نحو 6 ملايين مرة ومقارنة مع الدولار الأميركي 16 ألف مرة.
في غضون ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي في معهد الدراسات المعاصرة محمد صادق الحسيني، أن قيمة العملات نسبية ولا بد من مقارنتها مع قيمتها خلال فترات معينة للوقوف على تحسن أو تراجع قيمتها الشرائية، مضيفا أنه كان الأفضل لمجلة “فوربس” الاعتماد على مؤشر التضخم لتصنيف قيمة العملات وقوتها.
وفي حديثه للجزيرة نت كشف الحسيني، أن مؤشر التضخم في إيران بلغ 250% منذ 2018 حتى اليوم وأن التضخم كان دائما أكثر من 10% منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، مضيفا أنه لو كانت طهران قد حذفت 4 أصفار من عملتها لما حل الريال الإيراني الأضعف بين العملات في التصنيف الأخير.
وللتخلص من لعنة أصفار الريال الإيراني، اقترح المصرف المركزي الإيراني لأول مرة عام 1993 تغيير العملة الوطنية إلى التومان (التومان يساوي 10 ريالات) لحذف 3 أصفار منها؛ لكن المقترح اصطدم حينها بمعارضة بعض الأوساط الإيرانية.
وبعد خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والمجموعة السداسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين) وإعادته العقوبات على الاقتصاد الإيراني ما أدى إلى تراجع قيمة الريال؛ أقرت الحكومة الإيرانية السابقة صيف 2019 تغيير العملة من الريال إلى التومان تمهيدا لحذف 4 أصفار منها وأحالت المشروع إلى البرلمان الذي صادق عليه، لكنه اصطدم من جديد بعتبة مجلس صيانة الدستور.
وتعمل الحكومة الحالية على تقديم إيضاحات لمجلس صيانة الدستور للمصادقة النهائية على القانون، كما طبع المصرف المركزي الإيراني مؤخرا نقودا جديدة تبدو فيها 4 أصفار بلون خفيف تمهيدا لحذفها نهائيا في المراحل المقبلة.
وعمَّا إذا سيؤدي حذف الأصفار إلى كبح التضخم وتعافي العملة، نشر عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخوارزمي وحيد شقاقي شهري، مقالا تحت عنوان “التضخم وحذف الأصفار من العملة الوطنية” في صحيفة “تجارت” يستنتج فيه أن كبح التضخم بحاجة إلى معالجة جذور المشكلة وأن تغيير العملة فحسب من الريال إلى التومان لن يجلب الاستقرار الاقتصادي.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد صادق الحسني في العجز المستمر بالميزانية العامة سببا رئيسا وراء تراجع قيمة العملة الوطنية، مؤكدا أن أزمة صناديق التقاعد والنظام المصرفي يشكلان سبيين إضافيين لتراجع قيمة الريال الإيراني، وأنه لا يأمل تعافي العملة الإيرانية في المستقبل القريب لأنه لا توجد خطة حقيقية لحلحلة هذه المشكلات في الاقتصاد الوطني.
وختم الحسيني أن إبعاد شبح العقوبات وإعادة الأصول الإيرانية المجمدة بالخارج من شأنها أن تساهم في تعزيز قيمة العملة الوطنية إلى جانب كبح التضخم والنهوض بالاقتصاد الوطني لتحسين الوضع المعيشي للمواطن.