المسؤوليّة الإعلاميّة في حماية حقوق الطّفل… بين الملتبس والواضح
بقلم: د. ليليان قربان عقل
النشرة الدولية –
النهار العربي –
في ظل تكرار حوادث الاعتداءات على الأطفال في لبنان، تظهر الحاجة إلى ضرورة تسليط الضوء على دور الإعلام ومسؤوليَّته في كيفيَّة التَّعاطي مع هذه الأحداث المؤلمة الَّتي يقع ضحيَّتها الطّفل، وذلك بهدف حمايته ودفع الحكومات لإتّخاذ إجراءات صارمة بحقِّ كلّ انتهاك يتعرّض له الطّفل وفق ما تنصّ عليه الاتّفاقات الدّوليّة الّتي يلتزم بها لبنان، والّتي تشدّد على حقّ الطّفل بالتّعلّم والغذاء والرّعاية الصّحيّة وضرورة حمايته من العنف والاستغلال.
يفرض الواقع الإعلامي بأنماطه الكلاسيكيّة والاحترافية، التّنبّه إلى بعض المخاطر الجادّة الّتي يمكن أن تنتج عن الاستخدامات غير المنضبطة والعشوائيّة لبعض المواقع الالكترونيّة ومنصّات “التّواصل الشّعبي”، وما يتمّ نشره من صور ورسوم وأخبار وشائعات وأفلام ومقاطع تسجيلات صوتيّة عن حوادث الإعتداءات التي يتعرّض لها الأطفال في لبنان. وكلّ ذلك يحصل خارج أي رقابة ذاتيّة أو نقابيّة أو رسميّة، والأخطر أنّ هذا الضخّ الكلاميّ يترك آثاره في أذهان النّاس ونفوس الأجيال ويؤثّر على المعنويّات ويخلق إحباطات عميقة لا يمكن تداركها إلّا من خلال:
-التّأكيد على احترافيّة المؤسّسة أو المنصّة التّواصليّة والتزامها بمفهوم خير الطفل وسلامته النفسية والجسدية
-الإرتكاز على مبادئ الأخلاق الإعلاميّة في العمل الإعلاميّ الاحترافيّ واحترام خصوصيّة الطفل.
-ممارسة الوسيلة الإعلاميّة الرّقابة الذّاتيّة على ما يتمّ نشره من خلالها وذلك باحترام الخصوصيّة في التّعاطي مع الخبر، الحدث الّذي تعرّض له الطّفل وذلك بالتّركيز على الحالة ومعالجة تداعياتها الإنسانيّة فقط.
-التّمييز بين (ما يجب نشره وما يجب عدم نشره)، حرصاً على الحقّ بالمعرفة الصّحيحة والمحصّنة وعدم الوقوع ضحيّة الرّغبة بالإثارة وجمع متابعين ومهتمّين “افتراضيّين أو غير افتراضيّين”.
-التّركيز على دور الوسائل الإعلاميّة كمؤسّسات ومنصّات ومواقع في حماية الطّفل من الانتهاكات الّتي يتعرّض لها والّتي تنعكس سلباً على كرامة الإنسان وحرّيته، الأمر الّذي يطرح بقوّة معياريّة العدالة الاجتماعيّة وكيفيّة تحصين حقوق الإنسان منذ طفولته.
يتركّز الدّور المحوريّ للإعلام بتعريف الرأي العام على حقوق الطفل وأهميّة الدفاع عنها وتشجيع الطفل على أخذ المبادرة والتبليغ عن أي اعتداء يتعرّض له:
-إظهار تداعيات الإعتداءات الجسديّة والجنسيّة على نموّ الطّفل وتوازنه النّفسي الّذي يحدّد مستقبله ودوره في المجتمع والتزاماته الوطنيّة.
-التّركيز على رفض عمالة الأطفال واستغلالهم.
-تفعيل القوانين الّتي تحمي الأطفال في لبنان.
-إعداد برامج توعويّة، توجيهيّة لحماية الأطفال.
-تحميل الهيئات الحكوميّة والنيابيّة والقضائيّة والاجتماعيّة مسؤوليّة تطبيق القوانين التي تحمي الأطفال في لبنان.
مع تفاقم الأزمات الإجتماعيّة في لبنان، يطرح موضوع مسؤوليّة بعض وسائل الإعلام في التّعاطي مع القضايا الإنسانيّة، الكثير من التحدّيّات الّتي تعترض الاحتراف المهنيّ في احترامها لحقوق الطّفل باختيارها للعناوين والتّعابير والصّور الّتي تعبّر عن الواقع من دون أن تستفزّ المشاعر وتثير النّعرات وذلك بمراعاة دقّة الموضوع وحساسيّته ووجود الطّفل تحت تأثير الوالديْن الّلذيْن غالباً ما يعتبرانه ملكيّة خاصّة بهما.
إنّ المسؤوليّة الإعلاميّة تستوجب التّدقيق بكلّ المعلومات المتعلّقة بظروف تعرّض الطفل لأي اعتداء على حقوقه، والتّحقّق من كلّ مادة قبل نشرها في زمن تحوّل فيه كلّ حامل هاتف إلى ناشر إشاعات ما أوجب على الإعلامي أن يحصّن دوره ويلتزم قواعد عمله والعمل وفق منطلقات مبادئ الأخلاق الإعلاميّة الّتي تستجيب للحقيقة بعد التأكّد من ظروف وصحّة وخلفيّات الخبر قبل التّسرّع بنشر المعلومات.
إنّ التزام الإعلام برسالته المعرفيّة وأهدافه التّوعويّة المقيّدة بالمعايير المهنيّة في الحرص على صحّة المعلومات وصدقيّتها ضمن إطار الحرّيّة المسؤولة تقتضي عدم التّسرّع بنشر الخبر قبل التّحقّق والتّدقيق بالمعلومات واستخلاص منها ما يحمي الطّفل من تداعيات الأحداث المشوّشة على مستقبله.
إنّ الإضاءة مثلاً على ما يتعرّض له الطفل من عنف واعتداءات، جنسية يجب أن يحصل ضمن استراتيجية إعلاميّة تربوية اجتماعية نفسيّة استباقية تتكامل مع نشر التحقيقات حول ما يتعرّض له الطفل من حوادث تثير ردود فعل آنية لتخلص هذه الخطة الى طرح معالجة لهذه الأزمة الإنسانيّة الكبيرة التي بدأت تلوح معالم خطورتها الكبيرة على مستقبل الأجيال القادمة، وإنسانيّة الوطن واستمراريّته…
*دكتوراه في علوم الإعلام والاتّصال