“سرايا المقاومة” ذراع “حزب الله” الأمنية في الداخل اللبناني
صراع على النفوذ بين عناصرها وعناصر "الحزب" وخلافات شخصية قاتلة
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تطور إشكال بسبب “تبادل نظرات” إلى اشتباك، أدى لإطلاق النار، نتج عنه سقوط قتيل وعدد من الجرحى، في منطقة داود العلي في خراج بلدة سبلين، في وادي الزينة، جنوبي لبنان، نهار الثامن من أغسطس (آب) الحالي. على الأثر دهم الجيش اللبناني عدداً من البيوت في المنطقة، وعمل على ضبط الوضع الأمني.
قد يكون الحدث عادياً في بلد يشهد توترات أمنية مثل لبنان، لكن ما أثار علامات الاستغراب هو خلفيات المشتبكين، حيث أشارت المعلومات إلى أن مطلقي النار هم عناصر من “سرايا المقاومة” التابعة لـ”حزب الله”، علي كمال الدين (مسؤول السرايا في المنطقة ومالك مقهى عند جسر وادي الزينة)، وعيسى حلاوي عنصر في السرايا، الذي لم يمضِ وقت طويل على خروجه من السجن. أما القتيل فهو بلال كنعان (كادر في الحزب) بينما أصيب ابنه، حسين كنعان، وهما عنصران في “حزب الله”. ووفقاً للمصادر فإن كمال الدين وخليل مزهر وعيسى حلاوي (مطلقي النار) سلموا أنفسهم لقيادة الحزب التي نعت كنعان، وتبرأت من القتلة كمال الدين ورفيقيه. ولفتت المصادر عينها إلى أنها “المرة الأولى التي يسجل فيها سقوط ضحية لحزب الله برصاص سرايا المقاومة، التي أنشأها الحزب كقوة رديفة له في الأماكن المختلطة طائفياً”.
صراع نفوذ أم خلاف شخصي؟
وأشارت بعض التقارير الصحافية إلى أن هناك صراعاً على النفوذ بين عناصر في “حزب الله”، وعناصر في “سرايا المقاومة”، أما عن السبب المباشر للخلاف الذي أدى إلى الاشتباك الدموي، فنقل موقع “جنوبية” اللبناني عن مصدر في المنطقة قوله، إن “صراعاً على النفوذ في المحلة التي يقع فيها مشروع البحار السكني المحسوب على الحزب، فضلاً عن معلومات حول خلاف مع العنصر في السرايا، خليل مزهر، المتهم بترويج المخدرات، وبين حسين كنعان الذي حاول منعه من ترويجها في المنطقة”. لكن مصادر “الحزب” أكدت لـ”اندبندنت عربية” أن الخلاف محض شخصي وسخيف جداً أدى إلى سقوط “الرجل الطيب” بلال كنعان. وأضاف المصدر أن كمال الدين يعتبر من المتطفلين على “السرايا”.
الخلافات ليست الأولى
في السابق حصلت توترات بين عناصر من “السرايا” وآخرين من “الحزب”، وقع أحدها في أكتوبر (تشرين الأول) 2013، عندما اتخذ “حزب الله” قراراً يقضي بحل “سرايا المقاومة” في مدينة صيدا بعدما أثاره عدد من رموزها في المدينة وجوارها من مشكلات وخلافات مع حلفاء “الحزب”، وأبرزهم “التنظيم الشعبي الناصري” الذي يرأسه النائب أسامة سعد. وقالت مصادر قريبة من “الحزب” حينها، إن الخطوة تحقق أكثر من هدف إيجابي لمصلحة “الحزب” دفعة واحدة، إذ أشارت التقديرات في ذلك الوقت، إلى أن عديد المنضوين في “السرايا” داخل صيدا يتجاوز الخمسة آلاف مقاتل ليس لديهم مقرات أو مراكز أو ثكنات تدريب في المدينة، وهم من الصيداويين ومن طوائف عدة. جاء ذلك على خلفية الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش وأنصار الشيخ أحمد الأسير المعروف بمعاداته “حزب الله” في يونيو (حزيران) 2013، في منطقة عبرا، التي أوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف الجيش وسقط قتلى في صفوف المسلحين، فارتفعت أصوات عدة تطالب بخروج “سرايا المقاومة” من المدينة بعدما أثيرت قضية مشاركة عناصرها في القتال إلى جانب الجيش في المعركة ضد الأسير وأعوانه. ونقلت وكالة “رويترز” حينها، أن الاشتباكات ما لبثت أن تحولت إلى قتال بين عناصر من “الحزب” وأتباع الشيخ السلفي في المنطقة.
أيضاً عام 2017 حصلت توترات بين “الحزب” والسرايا” على خلفية عدم دفع رواتب لعدد كبير من عناصر الأخيرة. وفي يوليو (تموز) 2022، تقدم حوالى 30 كادراً وعنصراً في “سرايا المقاومة” في مدينة صيدا وضواحيها، باستقالاتهم منها، بطلب من قيادة السرايا في الجنوب ومن خلفها قيادة “الحزب”، وشملت هذه الاستقالات مسؤولي مناطق ومجموعات وعناصر في صيدا وضواحيها، لبنانيين وفلسطينيين، مضى على خدمة بعضهم في صفوف السرايا أكثر من 10 سنوات. ولم تتضح حينها أسباب الاستقالات، ما إذا كانت نتيجة لقرار من قيادة “حزب الله” بإعادة هيكلة “السرايا”، أو أنها إجراء داخلي عقابي أو مسلكي بحق مسؤولين وكوادر وعناصر فيها، لم يؤدوا ما أوكل إليهم من مهمات، أو خالفوا أوامر وتعليمات القيادة، لا سيما وأن بعضهم اعترفوا في بيانات استقالاتهم بالتقصير في تحمل المسؤوليات التي كلفوا بها.
كيف نشأت “السرايا”؟
يحيط الغموض بـ”سرايا المقاومة”، ويتهم البعض هذا التنظيم بأنه الذراع الأمنية لـ”حزب الله” في المناطق غير الشيعية، السنية أو المسيحية أو الدرزية. وهي جماعة شبه عسكرية لبنانية تضم منتمين من طوائف لبنانية عدة، يشتركون إلى حد ما في نفس التوجهات المعادية لإسرائيل. ويتم تمويل “السرايا” وتدريبها وتسليحها وتأسيسها من قبل “حزب الله”، في المخيمات التي يديرها “الحزب” جنباً إلى جنب مع المجندين العاديين التابعين له، ومع ذلك فإنهم لا يتلقون التدريب الأيديولوجي نفسه. أما عن عديدها وتكوينها وقوتها فليست واضحة. في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 1997 أعلن الأمين العام “حزب الله” حسن نصرالله عن تأليف “السرايا” التي تضم “أي لبناني مهما كانت هويته السياسية أو الطائفية أو إمكاناته المادية والعلمية شرط أن يكون قادراً على المشاركة الميدانية في القتال”، كما أن على الشباب الحزبي أخذ موافقة خطية أو شفهية من قيادته للمشاركة في “السرايا”. يتحدث مصدر حزبي تابع لـ”حزب الله” لـ”اندبندنت عربية”، عن خلفية إنشاء “سرايا المقاومة اللبنانية” كما يسميها، فيقول، إن تشكيلها أتى من غير تخطيط، وبفكرة صادرة عن القائد العسكري عماد مغنية، وذلك بعدما اغتالت إسرائيل هادي نصرالله في سبتمبر (أيلول) 1997، وهو الولد البكر لأمين عام “حزب الله”، “وبعد الالتفاف الشعبي، وخلال واجب العزاء طلب مجموعة من الشبان من الأمين العام أن يفتح المجال أمام من يريدون الالتحاق بـ”المقاومة” من غير الشيعة، الذين عبروا عن رغبتهم في قتال إسرائيل”، واستجاب الحزب فوراً. ويتابع المصدر أن “الحماس الأكبر كان موجوداً عند الشباب السنة، بسبب رغبتهم وإيمانهم بالنضال”، وفقاً للمصدر. وزاد أنه “بعد عام 2000 والأحداث التي توالت، بدأت تظهر بعض التساؤلات عن استمرارية وجدوى عمل السرايا، علماً أن جزءاً منهم كان بشكل أو بآخر حليفاً لسوريا، فلم يكن أمام الحزب إلا أن يوسع مشروعهم. وجاء المشروع تحت عنوان الدفاع عن لبنان، على أن توجد عناصر السرايا في مناطقهم”. ويضيف أن “فكرة السرايا المؤلفة فقط من عناصر شيعية قادرة على حمل السلاح، ولكن غير منتظمة في “الحزب” أتت بعد حرب يوليو 2006″، تحت مسمى “سرايا سيد الشهداء”.
وينفي المصدر أي كلام عما يشاع عن حل السرايا، ويقول إنه “بعد كل مرحلة سياسية في البلد يقيم الأداء السياسي، بخاصة أن السرايا موجودة في بيئات مختلطة. ويعطي أمثلة “ففي فترة 2007 – 2008 وفي عز سطوة تيار المستقبل، حين كان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري يأخذ البلد في مشاريع ضد الحزب، كان العنصر السني المعارض له يتعزز، فماذا عن اليوم، وكيف سيتعامل هذا العنصر؟ من هنا وجب تقييم أداء السرايا”.
لكن ما المعايير التي تخضع لها التقييمات، وماذا هو عمل السرايا فعلياً؟
يجيب المصدر الحزبي، أنه “مثلاً هناك سنوات ترفع فيها برامج الاستقطاب، حيث يوجد عديد من الشباب الذين يريدون الانضمام إلى “حزب الله” لكن “الحزب” بالمعنى التنظيمي لا يضم إلا شيعة. فيرشد المتطوع إلى “السرايا” ويدرب عسكرياً ويثقف سياسياً. ويؤكد أن “السرايا” تضم عناصر مسيحية ولكن الوضع وبرامج الاستقطاب اختلفت من بعد حرب 2006. لكنه يؤكد أن هناك عديداً من الشباب الذي ينضم مع اقتناعه أيديولوجياً بفكرة العداء لإسرائيل، إلا أنه يكون مهووساً بفكرة حمل السلاح أكثر من إيمانه بقضية أو هدف أو مشروع تابع للحزب. وفي هذا الشأن أكد الكاتب قاسم قصير لـ”اندبندنت عربية”، “أن هناك نقاشاً مهماً داخل (الحزب) حول دور (السرايا)، واتخذ سلسلة قرارات من أجل إعادة تنظيمها، وتفعيل دورها في الاتجاه المقاوم والابتعاد عن الصراعات الداخلية وإبعاد أي عناصر مسيئة”.
رواتب مغرية
وجاء في دراسة للكاتب المصري عبداللطيف نصار، صدرت في نوفمبر 2014، أن اللبنانيين يطالبون بنزع سلاح “حزب الله” ليكون حزباً سياسياً فقط مثل بقية التيارات السياسية اللبنانية التي انخرطت في العمل السياسي بعد “اتفاق الطائف” في أوائل التسعينيات وسلمت سلاحها للجيش اللبناني، يطالبون أيضاً بتفكيك “سرايا المقاومة” حتى لا تثير الرعب بين الناس، أما المؤيدون فيؤكدون أن عناصر “السرايا” هم المفاجأة القادمة التي يحضرها نصرالله لمواجهة إسرائيل، في أي حرب مقبلة معها. ويشير نصار إلى تأكيد نصرالله في عام 1997 أن هذا التشكيل سيبقى منفصلاً عن الحزب الجاهز لتقديم كل دعم بغية قيام “السرايا” بأعمال عسكرية وأمنية في المناطق اللبنانية المحتلة، وذلك من دون الالتزام بالضوابط التفصيلية التي يلتزم بها مقاتلو الحزب، لأن لدى مقاتلي الحزب ضوابط شرعية ودينية، أما عنصر السرايا، فله الحرية المطلقة، من الناحيتين الاجتماعية والدينية. وبعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، ظلت السرايا نشطة أمنياً وعسكرياً، وشاركت في حرب يوليو 2006، إلى جانب عناصر “حزب الله” الشيعة. بعدها استطاع “حزب الله” تجنيد عدد كبير من الشباب المسيحيين والدروز والسنة داخل القرى الممتدة على طول السلسلة الشرقية حتى شبعا والعرقوب مقابل رواتب مغرية. ورغم ندرة المعلومات حول “سرايا المقاومة” فإنه يتردد أن الشاب المسيحي والدرزي يتقاضى راتب ألف دولار شهرياً، فيما السني يتقاضى ما بين 1200 و1500 دولار شهرياً. ويؤكد الكاتب المصري، أنه التقى شخصياً شاباً فلسطينياً سنياً يعيش في صيدا، حيث أكد له أن العمل بالسرايا أفضل كثيراً من أي عمل آخر، وهو مؤمن بما يفعل ويعيش جهوزية دائمة على مدى الساعة لتنفيذ ما يُطلب منه، مع ملاحظة أن راتب العسكري بالجيش اللبناني لا يصل إلى راتب العنصر في “السرايا”، وفقاً للكاتب. ويحاط قائد السرايا بسرية تامة، ولا أحد يعرف اسمه، وهو معروف فقط باسم “الحاج”، ويقود عمله في ظل السرية التي تحيط بـ”سرايا المقاومة”.
وفي فبراير (شباط) الماضي وعلى خلفية مقتل إمام وخطيب بلدة القرقف العكارية (شمالي لبنان) الشيخ أحمد الرفاعي، المعروف بموقفه الرافض لسياسة “حزب الله”، كتب زياد عيتاني، الكاتب والمسرحي يقول “ما أساءت سرايا المقاومة إلى أحد بقدر ما أساءت إلى صورة المقاومة نفسها. منطق تشكيلها وتسميتها يشير من دون لبس إلى أنها شُكّلت دعماً للمقاومة في مواجهة إسرائيل، إلا أنها بالممارسة كان المُراد من تشكيلها أن تكون ذراع الحزب في الداخل اللبناني، وتحديداً داخل البيئة السنية المناوئة بأكثريتها للحزب وسلاحه”.
وتابع عيتاني أن “السرايا استُعملت في السابع من مايو (أيار) 2008 في بيروت للتهويل على مفتي الجمهورية حينذاك الشيخ محمد رشيد قباني في منزله، وعلى مبنى دار الفتوى في منطقة عائشة بكار. في صيدا كان دورها توريط الشيخ أحمد الأسير في التسلح والاشتباك ولا داعي لذكر كامل التفاصيل. أما في البقاع فشُكلت تحت مبرر تأمين طريق الشام، في ما الحقيقة أن مهمتها كانت قمع المعارضين من اللاجئين السوريين. وعملت بنظام الدليفري في مخيمات اللجوء هناك، فتعتقل هذا وتروع ذاك، وتسلم من يطلب منها للاستخبارات خارج الحدود. أما ما حصل في عكار في الأيام القليلة الماضية فيختصر أي رواية وتفسير. وآخر صور هذه الحالة النافرة مثّلها يحيى الرفاعي في بلدة القرقف حين تبين أنه رئيس بلدية برتبة زعيم عصابة من الأشرار والقتلة، إذ وقعت الجريمة، كما أثبتت التحقيقات، على خلفية عائلية بلدية عقارية ولا شأن لها بالسياسة من قريب أو بعيد”. وأضاف عيتاني “لكن يا سماحة السيد من حقنا أن نطرح بعض الأسئلة: من زود القاتل وأبناءه بهذه الترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة؟ من طلب من الأجهزة الأمنية ألا توقفهم عندما أُحرقت سيارة المغدور، وعندما أُطلق النار على ابن شقيق المغدور، وعندما لجأ إليها المغدور طالباً الحماية وتطبيق القانون؟ ويضيف متوجهاً لأمين عام “الحزب”، “من قتل الشيخ أحمد الرفاعي هو فائض القوة الذي امتلكه يحيى الرفاعي، فاستسهل القتل والغدر وظلم الناس. يذكر أنه كشفت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي حينها عن ضبط مستودع داخل منزل يحيى الرفاعي، وهو رئيس البلدية، يحتوي على كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة والذخائر، ما استدعى التذكير بأن صاحب المستودع والمتورطين ينتمون إلى “سرايا المقاومة”، لكن “حزب الله” سارع حينها إلى المطالبة بإنزال أشد العقوبات بالقتلة.